مسجد بئر السبع يشكو الظالمين
يوسف كنانة
لا شك أنّ التاريخ يقوم على الآثار التي خلّفتها عقول السلف وأيديهم، فإن سطت محن الدهر أو عوادي الزمن على بعض هذه الآثار، وأزالت معالمها، فقدها التاريخ وكأنها لم توجد، وفقدانها يؤدي إلى جهل بحقبتها، وعصرها، ورجالها، وأحوالها.
في هذه المقالة يأخذنا نفق الزمن إلى جولة تاريخية في مدينة بئر السبع، عاصمة النقب في الجنوب الفلسطيني، تلك المدينة التي سقطت في يوم الثاني والعشرين تشرين الثاني 1948، ما اضطّر سكانها الذين بلغ تعدادهم في ذلك الوقت 7 آلاف نسمة، إلى تركها، ولم تبق حملة يوأف العسكرية الصهيونية التي قادها يغئال الون، أي شخص ينطق بلغة الضاد، فسلبت الحاضنة والمدينة وسرقت المؤسسات، واستبدل السكان. ولكن بقيت في ذلك المكان آثار ومبان عمرانية، كانت وما زالت تؤكد على هوية المكان والسكان الأصليين، فالمسجد الكبير في بئر السبع والذي شُيّد في سنة 1906 في السنوات الأخيرة من الحقبة العثمانية على فلسطين وبالتحديد أيام تولي قائم مقام بئر السبع، آصف بيك الدمشقي، فمئذنة المسجد الشامخة التي لا زالت تشق عنان السماء وتزين سقفه قبة بيضاء، بالإضافة إلى أقواسه ونوافذه الأندلسية، وأبوابه المزينة بالأعمدة الرخامية، فشكّل المسجد حتى النكبة ملتقى لعشائر النقب وشرقي الأردن وعشائر صحراء سيناء، كونه كان يشكّل لهم محطة راحة وتزود، فكان يحتضن بين أروقته القادمين من الشام إلى مصر. المسجد بعد النكبة عام 1948، عانى من ظلم الظالمين الممنهج وتم تدنيسه ومنع الصلاة فيه، فقد جعلت منه السلطات الإسرائيلية معتقلا حتى عام 1952، ثمّ تحوّل إلى متحف النقب أو متحف الحضارات الاسلامية والمشرق، واليوم جُعل منه متحفا للرسومات.