أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الشاباك والمشاركة في لجم الجريمة والمعادلة الصفرية

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

مدخل

لم يغب الشاباك يوما عن الداخل الفلسطيني، منذ قيام إسرائيل والى هذه اللحظات، بل كان ولا يزال الشريك “بأل التعريف” في إدارة العلاقة بين المؤسسات المختلفة، والجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، وأخال في ظلال الثورة المعلوماتية وانتفاضة السايبر وحجم السيطرة الإسرائيلية على مختلف أنواع هذه الصناعة الأمنية بامتياز، أن كل هاتف نقّال في بلادنا تحت المراقبة الدائمة، فضلا عن الآلاف ممن يتتبعهم الجهاز على مدار الساعة.

ومن ثمّ، فدخول أو الإدخال العلني للشاباك إلى القرى والمدن والنجوع العربية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني في حقيقته تحصيل حاصل، ولكنه حمَّال أوجه ويثير العديد من القضايا والطروحات والتساؤلات، خاصة بعد الاعترافات التي قدّمتها شخصيات نافذة في جهاز الشرطة تتهم المخابرات العامة (الشاباك) انها تحمي أرباب الجريمة المنظمة. وأي مواطن فلسطيني يتابع في بلده مسلسل الجرائم وأعمال العنف لن تخفى عليه أيدي سبأ في هذه الفتنة الطامّة، وإذا علمنا أنّ العديد من قيادات الشاباك والموساد ممن أجريت معهم مقابلات في الفضائيات الإسرائيلية الرسمية والمستقلة، قد تحدّثوا وأكدوا على الجوانب المظلمة في هذه الأجهزة والممثلة بمقارباتها أعمال الجريمة المنظمة، ستزداد الشكوك في حقيقة نوايا المؤسسة الإسرائيلية، خاصة إذا راجعنا مخرجات لجنتي أور ولبيد، واللتان قامتا في أعقاب هبة القدس والأقصى وما ذهبت إليه لجنة لبيد من ضرورات تعميق الخدمة المدنية ونشرها بين الأجيال الناشئة من جهة، وزيادة أعداد أفراد الشرطة والمقار الشرطية في الداخل الفلسطيني وخرط الشباب والفتيات وضمهم إلى الدوائر الأمنية المختلفة، وذلك كنوع من أنواع المدننة الإسرائيلية المُحدثة المُفضية إلى العربي الإسرائيلي الجديد، وإذا أضفنا إلى كل ذلك مساعي إسرائيل بكل أجهزتها إلى تخليق الإسلام الإسرائيلي المتناغم مع الحملات الدولية المتجلية في مؤسسات حوار الأديان والسلام الابراهيمي ومحاربة ما يسمونه العنف الإسلامي والتشدد الفكري الإسلامي وتغيير مناهج التعليم الديني في البلدان العربية، بل وتقليصها إلى الحد الأدنى ومنع تدريس وحفظ سور من القران مثل الانفال والتوبة ومحمد، وذلك لخلق المسلم المُستأنَس، ومع دخول الحركة الإسلامية الجنوبية التي آمنت فيما يبدو بمنطق الضرورات تبيح المحظورات وارتقت بهذه القاعدة إلى مقامات العمل السياسي مهما كانت وجهته وتداعياته واضحت جزءا هاما من الحكومة الحالية، في ظل هذه التطورات التي نعيش نكون إذًا أمام واقع جديد في غاية الغرابة والتناقضات والسوء.

الإعلام الإسرائيلي يبشرنا صباح مساء أنّ دخول الشاباك إلى مسرح مواجهة الجريمة سيكون خطرا عليه، لأنه سيكشف أدواته أمام الشرطة فضلا عن ذهاب عديد المحللين منهم إلى أنّ الشاباك سيساعد الشرطة فقط، وهو ما يعني أنهم من الآن يجهّزون النفسيات لفشل الشاباك في مواجهة الجريمة، على اعتبار أنّه لا يمكنه كشف أدواته أمام الشرطة برسم التعامل المدني قضائيا مع مثل هذه القضايا. بالطبع ستتغير الصورة يوم يكون تماس بين الجريمة والقضايا الأمنية فيما يتعلق بالسلاح.

 

الشاباك ناظم السياسات

بادئ القول، هذه مقالات ثلاثة سأتناول بها موضوعة الشاباك ودخوله إلى المدن والقرى العربية لمساعدة الشرطة في لجم الجريمة، وسأتناول في هذه المقالات الدور الذي يقوم به الشاباك في الدخل الفلسطيني من منظور تاريخي، وآخر اجتماعي كناظم للسياسات الإسرائيلية على مرِّ الحكومات وسياساتها المتعلقة بالمجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، منذ عصر بن غوريون وإلى يومنا هذا، مع الإشارة إلى الدور الرسمي بكل مكوّناته ومسؤوليته المباشرة عن الحال الذي تردى إليه مجتمعنا بسبب تلكم السياسات التي وقف خلفها ودعمها بقوة الشاباك (كان الشاباك واحدا من متخذي القرار في اللجنة المصغرة التي شُكّلت لمتابعة وتحديد السياسات اتجاه مختلف القضايا المتعلقة بالداخل الفلسطيني إبان عصر بن غوريون) وتدخّل في أبسط شؤون الحياة، بدءا من التوظيفات والعمل في مؤسسات الدولة وفي مقدمتها وزارة التربية والتعليم (ولا نزال نتذكر تصريحات وزراء ميرتس في عهد رابين، شلوميت ألوني ويوسي سريد المتعلقة بدور الشاباك في الجهاز العربي في وزارة التربية والتعليم) وانتهاء بالعمل في مصانع وشركات خاصة أو ذات صلة بالحكومة (التوظيف في شركات الكهرباء، أليانس قبل خصخصتها وكذلك معمل الورق وشركة تسييم وغيرها …)، بل وتدخل الشاباك في المواضيع التي على الطلاب تعلمها، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان موضوع الجغرافيا من المواضيع ذات الطابع الأمني، وما مسألة الجيل- تحديد العمر- في التعليم الجامعي لبعض المواضيع عنا ببعيد، وما المقابلات التي تجري مع بعض طلبتنا رغم تحَصلهم على كافة الشروط للدخول لتلكم المواضيع، إلا غيضا من فيض تدخل الشاباك في شؤوننا العامة والخاصة.

وسأتناول في هذه المقالات كيف أن الشاباك كالشرطة سيتورط في الداخل الفلسطيني، وستكون النتائج التي سيفضي إليها غير مرضية للداخل الفلسطيني ولا لغيره من الهيئات الرسمية والعامة، وهو ما سيدفع إلى عدد من السيناريوهات الأسوأ فيها ما تتحسب منه المؤسسة ذاتها من تكوين مليشيات مسلحة لن يكون هدفها مطلقا مواجهة المؤسسة الأمنية بأذرعها المختلفة، بل الجريمة المنظمة التي باتت شيئا فشيئا تمسك عصب الحياة الاقتصادية في المدن الكبرى في الداخل الفلسطيني، وتسيطر عبر أدواتها المختلفة على الحيز العام بما في ذلك السيطرة البطيئة على الأراضي التي فيها وعليها. سيكون مستقبل الداخل الفلسطيني وهو ما يشي بمستقبل سيء ينتظرنا وستكون تداعياته كارثية ليس على مجتمعاتنا المحلية، بل وعلى المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة الإسرائيلية بكل مكوّناتها وعلى المجتمع الفلسطيني برمته. وفي الوقت ذاته سأتناول كيف ستتآكل سطوة وهيبة الشاباك في الداخل الفلسطيني، وهو ما سيجعله والشرطة سواء. وسأحاول الإجابة على سؤال يتحَدَّرِ مما سبق متعلق بالحركة الإسلامية الجنوبية وذراعها السياسي القائمة الموحدة ومشاركتها في الحكومة الإسرائيلية، وهل أحدث وسيحدثُ ذلك تغييرا يمس سياسات الشاباك مع داخلنا الفلسطيني في ظل التحورات السياسية التي جمعت حكومة متناقضة أيديولوجيا ومتفقة إجرائيا، وهو ما سيدفع لمعالجة الموضوع على قاعدتي التدافع والضرار وتداعيات ذلك على راهننا الفلسطيني المحلي وغير المحلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى