صديقي والقيلولة ووليد طه
توفيق محمد
ليس من عادتي أن أنام القيلولة إلا ما ندر، وفي كثير من هذه النوادر يتفضل عليَّ صديق حميم أحبه بالاتصال، فأفقد شهية النوم لطول المكالمة، وهو بالضبط ما كان في أعقاب كتابتي تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” حول تصريحات عضو الكنيست من القائمة العربية الموحدة- رئيس لجنة الداخلية والبيئة السيد وليد طه بشأن الانسحاب من الحكومة في حال العدوان على غزة من عدمه، والتي كانت تفيد أن قائمته لن تنسحب من الحكومة في حال وقع هذا العدوان.
كتبت هذه التغريدة في الساعة الثانية عشرة ظهرا إلا قليلا ويممت شطر قيلولتي أريدها نصف ساعة حتى أذان الظهر، وإذ بالأخ الحبيب يتصل بي في الثانية عشرة إلا دقيقة ليسألني إن كنت قد سمعت المقابلة كلها مع عضو الكنيست وليد طه، فقلت سمعت المقطع المعني وكتبت ما كتبت عنه، فأخذ يناقشني ويجادلني مدة عشرين دقيقة (راحت عليَّ القيلولة وطار النعاس طبعا) بأن عضو الكنيست وليد طه لم يقل بأن قائمته لن تنسحب من الائتلاف حال العدوان على غزة وأنه حاول السير بين النقاط وتكلم سياسة كونه عضوا في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، وأنه لما سئل عن الأسرى قال إنهم ضحية وجود الاحتلال حتى بادرت أنا لإنهاء الاتصال، لكني عزمت على سماع المقابلة كاملة خاصة وأنها متوفرة على صفحة عضو الكنيست نفسه، وهكذا فعلت في اليوم التالي.
بعد سماعي للمقابلة كاملة من على صفحة عضو الكنيست وليد طه، اتصلت بزميلي الذي أحب وأحترم وبادرته القول إنه محق، كان عليَّ أن أستمع إلى المقابلة قبل أن أكتب ما كتبت، ولو فعلت ذلك لكنت قد كتبت بأشد وأكثر انتقادا مما كتبت لأن ما قيل هناك لا تحتمله أذن مسلمة أو عربية ناهيك أن تكون فلسطينية أو أن تجمع بين المكونات الثلاثة، وحذارِ أن يفهم من كلامي نزع الإسلام أو العروبة أو الفلسطينية عن القائل والضرب على وتر التكفير، فليس هذا المقصود أبدا وبتاتا، ولكنه الاستهجان أن يصدر هذا الكلام ممن يجمع هذه الصفات بين جنبيه.
ليس أن عضو الكنيست وليد طه لم يلتزم بإسقاط الحكومة في حال وقوع هذه العدوان إنما أضاف إلى ذلك قوله: “نفترض أننا خرجنا من الائتلاف، وماذا بعد؟ هل ستكون الحكومة البديلة أفضل مع غزة”.
قبل ذلك كان وليد طه قد قال “السؤال المطروح هو ماذا يجب أن نفعل حتى نوفر حياة لأهل غزة، وأمنا لدولة إسرائيل” وكأن أهل غزة يبحثون عن حياة مجردة من وطن مستقل وكرامة وعزة، وعجبي على السيد طه، فمن أين له أن أهل غزة يبحثون عن “حياة” وكأنهم يبحثون عن حياة وصفت في كتاب الله: “ولتجدنهم أحرص الناس على حياة” إنهم الشعب الذي قدّم آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الأسرى، وعشرات آلاف الجرحى، وتعرضت بلادهم للتدمير والتخريب والعدوان والقصف وهدم البيوت والمنشآت والمؤسسات، هذا الشعب الذي قدّم كل ما قدم لم يفكر بالسلام الاقتصادي الذي طرحه نتنياهو وبينيت، ويسوّق له الآن السيد عضو الكنيست وليد طه الذي يريد أن يوفر “حياة” لغزة حتى أنه لم يقل حياة آمنة أو حياة كريمة، إنما يريد أن يوفر لهم حياة، ويريد أن يوفر أمنا لدولة إسرائيل، أليس ذلك لسان وليد طه ينطق من حنجرة نفتالي بينيت؟
صديقي الذي أحترم وأحب اعتبر أن تصريحات طه فيما يتعلق بالأسرى في نفس المقابلة كانت قوية، وأنه قال إن اسرائيل هي السبب في وجود احتلال ومقاومة وأسرى أمنيين، ولكنني عندما استمعت لهذه التصريحات وجدت السيد طه لم يقصر في هذا الجانب أيضا، فعندما سألته المذيعة عن دور بعض أو قل بُعَيْض (وهي للتصغير، والتصغير في اللغة يحمل معنى التقليل والتحقير) العرب الذين قالت الشرطة الإسرائيلية إنه يعود الفضل إليهم بإلقاء القبض على بعض من الأسرى الذين حرروا أنفسهم وقال من ضمن ما قال: ” … دائما يتم اتهام العرب في كل مسـألة كان فيها فشل للسلطة، أنا أتقزز من ذلك، فالمواطنون العرب أبدوا دائما تفهما لكونهم مواطنين إسرائيليين وأيضا أبدوا تفهما لكونهم جزءا من الشعب الفلسطيني لا يمكن فحص الوسط العربي على ضوء هذا الامتحان في كل مرة تفشل فيها أجهزة الدولة، فالمواطنون العرب لا يتنكرون لفلسطينيتهم وهم يريدون تحقيق مواطنتهم في دولة إسرائيل لا يمكن دائما وضعنا في موقع التسلل عندما يقع حدث أمني بين إسرائيل وبين الفلسطينيين”.
وهنا لا يمكن الفصل بين الكلام وسياقه، كان من الممكن ان يكون بعض الكلام طبيعيا لو كان في سياق آخر، أمّا وقد كان السياق هو ما نعلم جميعا، فإن الكلام يحمل معنى الاعتزاز بما فعله البُعَيضُ، ثم فإن القول “لا يمكن دائما وضعنا في موقع التسلل عندما يقع حدث أمني بين إسرائيل وبين الفلسطينيين” هو قول يضع حاجزا بين قائله وبين شعبه الفلسطيني، فهؤلاء “الفلسطينيين” يجب أن يوصفوا شعبنا الفلسطيني، وليس “الفلسطينيين” لأن هذا الوصف يضع قائله في خانة شعب آخر هو ليس شعبه ولا أظن أن طه كان موفقا بهذا المعنى أو بهذا القول.
وهو – أي طه – يتنكر لزياراته –إن حصلت- للأسرى والأسرى المحررين ودعم قضيتهم لما سألته المذيعة أن أعضاء الكنيست من المعارضة قالوا إنه لا يمكن أن يترأس طه لجنة الداخلية بسبب ماضيه وبسبب عادته بزيارة الأسرى المحررين، فقد قال: “أولا لا توجد عادة من هذا القبيل …” أي أن اتهامه بعادة زيارة الأسرى غير صحيح، فهو ليس لديه مثل هذه العادة حسب تصريحه، ثم تحدث عن الاحتلال بأنه هو السبب بوجود السبب المقاومة ثم وقوع الأسرى.
قلت لصديقي المستبشر بهذه التصريحات إن الوزراء أمثال تمار زاندبرغ وزيرة البيئة وهي من ميرتس، وميراف ميخائيلي وزيرة المواصلات وهي من حزب العمل يتحدثون أيضا عن الاحتلال فهل تستكثر على حزب عربي هذا الكلام؟!! تلك إذن ثالثة الاثافي. وبعد فإنه كما يبدو أنّ “مليارات”! بينيت تقتضي ضربا بسيفه واأسفاه.