تكنولوجيا جديدة ستحل مشكلة الغذاء في العالم
لعبت البكتيريا والميكروبات دورا رئيسيا في صنع طعامنا وشرابنا منذ آلاف السنين، حيث استخدم أجدادنا تقنية التخمير لإعداد أصناف معينة من الغذاء مثل الأجبان بأنواعها، واللبن الرائب، وصولا إلى المشروبات الروحية، وكانت هذه الكائنات تستخدم أيضا لحفظ الطعام أطول مدة ممكنة حين لم تكن أجهزة التبريد قد اخترعت بعد، كما استخدمت الميكروبات في حفظ وتحضير الطعام المفيد صحيا، فالوسط الحامضي الذي تخلفه البكتيريا يمنع توالد النوع غير المرغوب فيه من البكتيريا، ويكتسب الطعام مذاقا شهيا مثل طعم الزبادي وغيره من الأطعمة المخمرة.
لكن تأثير هذه الميكروبات على طعامنا وشرابنا قد يصبح في المستقبل القريب أكثر أهمية من أي زمن مضى، في الوقت الذي يواجه فيه العالم تحديات غذائية متزايدة، حيث يستمر عدد سكان العالم في النمو إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، جنبا إلى جنب مع ارتفاع الطلب على الغذاء الكافي لإطعام مليارات البشر، وإذا ما تم الاعتماد فقط على الزراعة التقليدية في إنتاج الطعام، فإن التكلفة البيئية ستكون ضخمة بكل المقاييس، وسنصل إلى نقطة لن تكفي فيها الأراضي الزراعية في العالم لإطعام كل هذه الأفواه من البشر.
تكنولوجيا جديدة لإنتاج البروتين من الميكروبات
وفي هذا السياق، أعلن فريق عمل دولي عن بحث تم إجراؤه في جامعة غوتنغن الألمانية (Göttingen University) مؤخرا بمشاركة باحثين وعلماء نبات إيطاليين عن تكنولوجيا جديدة تستخدم الألواح الشمسية لإنتاج البروتين الميكروبي الغني ليس فقط بالبروتينات ولكن بالعناصر الغذائية الأخرى التي يحتاجها البشر، وهو أيضا أكثر استدامة وكفاءة من زراعة المحاصيل بالطريقة التقليدية، وذلك كما ذكرت منصة تكنولوجي (technology.org) التي نشرت أهم ما ورد في البحث.
وقال الباحثون إن هذه التكنولوجيا الجديدة تستخدم الطاقة الشمسية والأرض والميكروبات وثاني أكسيد الكربون، وهي أيضا تقنية تحافظ على البيئة وتحد من استهلاك الموارد بشكل أكبر بكثير من الزراعة التقليدية التي تستهلك كميات كبيرة من الأراضي والمياه والمصادر الطبيعية المستنفدة.
محاكاة حاسوبية
وباستخدام المحاكاة الحاسوبية المستمدة من النتائج التي توصلوا لها في المختبرات الخاصة التي استخدمت لهذا الغرض، قام الباحثون بنمذجة وتصميم مرافق خاصة لإنتاج الأغذية الميكروبية على نطاق واسع مستخدمين الطاقة الشمسية، إضافة إلى الهواء والماء والمغذيات الزراعية اللازمة لزراعة الميكروبات، ثم قام الباحثون بحصاد الكتلة الحيوية الغنية بالبروتينات حيث يمكن استخدام المحصول الناتج كطعام عالي القيمة الغذائية للبشر.
ودرس الباحثون الطاقة اللازمة للإنتاج في كل خطوة من بداية العملية الزراعية وحتى حصاد المنتج النهائي، آخذين بعين الاعتبار كمية الكهرباء اللازمة للعملية والتي تم توليدها من ألواح الطاقة الشمسية، والطاقة الكهروكيميائية الضرورية لنمو العجينة الغنية للميكروبات، إضافة إلى الطاقة اللازمة لزراعة الميكروبات، وصولا إلى عملية حصاد المحصول في نهاية المطاف. كما درس العلماء أنواعا عديدة من الميكروبات من أجل تحديد أكثرها كفاءة وإنتاجية وغنى بالعناصر الغذائية.
ووجدت الدراسة أنه مقابل كل كيلوغرام من البروتين المنتج بهذه التقنية، فإن الميكروبات التي تعمل بالطاقة الشمسية تحتاج 10% فقط من مساحة الأرض مقارنةً بالمحاصيل الزراعية الأخرى التي تنتج بالطرق التقليدية، مثل فول الصويا الغني بالبروتين أيضا.
وأكدت الدراسة أنه حتى في المناخات الشمالية الباردة التي تقل فيها أشعة الشمس، فإن كمية إنتاج (الغلة) الأطعمة الميكروبية التي تعمل بالطاقة الشمسية يمكن أن تفوق بكثير كمية إنتاج المحاصيل الأساسية مع تقليل استخدام المياه والأسمدة التي تستهلكها تلك المزروعات بكميات كبيرة، والأهم من ذلك -تؤكد الدراسة- أن من الممكن زراعة وإنتاج هذا النوع من الغذاء في مناطق غير صالحة أصلا للزراعة مثل المناطق الصحراوية.
تقنية تنتج المزيد من الغذاء بموارد أقل
وفي بحث سابق، أظهر البروتين المنتج من هذه الأنواع من الميكروبات نتائج ممتازة عند استخدامه لتغذية الحيوانات وقطعان الماشية، وتم إنتاجه بالفعل على نطاق واسع في دول الاتحاد الأوروبي لهذا الغرض.
وأوضح رئيس فريق الباحثين دوريان ليجيه الذي أجرى البحث في مختبرات علم الوظائف الجزيئي للنبات بجامعة غوتنغن بالتعاون مع باحثين من إيطاليا أن “هذه التكنولوجيا الجديدة والمستخدمة في إنتاج كميات كبيرة من الغذاء تحافظ على البيئة، وتمنع الأضرار التي تلحقها بها طرق الزراعة التقليدية بما فيها استهلاك مصادر المياه الشحيحة أصلا في الكثير من دول العالم”.
في الوقت الحالي، يتم استخدام 30-40% من أراضي الكرة الأرضية للزراعة، ومع ذلك يعاني واحد من كل 10 أشخاص في العالم من سوء التغذية.
ويقول ليجيه “إن دمج زراعة الميكروبات الغنية بالمغذيات مع أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، سيعطي البشر القدرة على إنتاج المزيد من الغذاء باستخدام موارد أقل، وهو ما سيؤدي إلى تحرير مساحات شاسعة من الأراضي، فضلا عن منع المزيد من تدمير النظم البيئية الطبيعية، وهو ما من شأنه تقديم مساهمة بالغة الأهمية في تحقيق التنمية المستدامة مع توفير الغذاء في كافة أرجاء العالم ولكل البشر بكميات كافية وأسعار رخيصة”.
المصدر: الجزيرة