مدرسة أبناء العشائر في بئر السبع.. صرح تعليمي يروي حضارة المكان والسكان
يوسف كنانة
يؤدي التعليم دورًا فعالا في توثيق تاريخ الأمم وثقافات الشعوب، ويحميها من الاندثار، يؤطر شخصية المجتمع الاجتماعية والفرد في آن واحد، فالتعليم هو المحرك الاساس في تطور الأمم وتقدمها، وبه نشأت الحضارات وتقدمت الحياة في جميع المجالات، فكلما زاد اهتمام الدولة والمجتمع بالتعليم ومستواه، زادت درجة نموه ونهضته وتقدمه.
فقد حثّ الله سبحانه وتعالى، على العلم والتعلم في القرآن الكريم في أكثر من موضع، فكانت أول كلمة في القرآن الكريم هي كلمة (اقرأ) – في قوله تعالى – في سورة الفلق: (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق * اقرأ وربك الاكرم * الذي علم بالقلم * علم الانسان ما لم يعلم) وفي قوله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) [المجادلة اية 11].
فالناظر المتأمل والدارس الباحث في تاريخ المدارس في فلسطين، فإنه سيجد دونما عناء أن هذه البقعة الجغرافية العربية والتي تبلغ مساحتها 27009 كم مربع كانت حتى ما قبل الحرب العالمية الاولى 1914/ 1917 تزخر بكم هائل من المدارس والصروح التعليمية والتربوية الدينية العريقة التي تروي وتشهد على التاريخ الحضاري الراقي لأرض الرباط.
في هذه المقالة، نتحدث عن واحدة من أبرز المدارس الفلسطينية العريقة، هي مدرسة أبناء العشائر في مدينة بئر السبع، شمال النقب. (والتي بصمود بنيانها جاءت لتكون خير دليل على أن فلسطين كانت أرضا وشعبا).
الموقع الجغرافي: تقع المدرسة في الجهة الغربية من مدينة بئر السبع القديمة، شمالي مبنى السرايا في شارع العشرين سابقا، وهُوّد اسمه إلى شارع “هعتسمئوت”.
يعود تاريخ فكرة إقامة مدرسة ابناء العشائر إلى سنة 1908 وذلك باقتراح وبمبادرة كل من حاكم اللواء العثماني آصف بيك الدمشقي وعارف العارف رئيس بلدية بئر السبع آنذاك. وجاء هذا المشروع التربوي ليخدم منطقة النقب وجنوب فلسطين التي كانت تفتقر الى وجود مؤسسة تربوية تعليمية تحتضن ابناء المنطقة، ونتيجة توفر الاموال الكفيلة تم افتتاح المدرسة (التي بنيت من الحجارة والتي تتميز نمط هندستها المعمارية بالطابع التركي ووجود الاقواس في الشبابيك والابواب). تقع على مساحة سبعة عشر دونما، وتتكون البناية من طابقين السفلي كان يحتوي صفوف الطلاب الذكور بينما الطابق العلوي الذي كان ذا مدخل خلفي منفرد وخاص، خصص للطالبات.
تشير الوثائق التاريخية المعتمدة والموثوقة أن مدرسة ابناء العشائر بقيت مؤسسة تربوية حتى دخول الدولة العلية العثمانية الحرب العالمية الاولى في تشرين الثاني سنة 1914، إذ اضطر الباب العالي لتجميد عمل المدرسة وتحويلها لتكون كمشفى عسكري يخدم الجيش العثماني.
ولمّا وضعت الحرب العالمية أوزارها آل الأمر للبريطانيين على فلسطين الذين بدورهم أعادوا نشاط المدرسة، التي ركزت بالاهتمام على تعليم الزراعة لأجل تطويرها ولجعل منطقة النقب الشاسعة لتزخر بالزراعة ولا تبقى معتمدة على تربية المواشي فقط، فحتى نهاية الحقبة الانتدابية البريطانية كانت المدرسة تحتضن حوالي 300 طالب، مما اضطر الجهات المختصة بنقل الطالبات للتعلم في مبنى آخر مجاور.
غيرت ليلة العشرين من تشرين الاول سنة 1948/ كل شيء في بئر السبع، فقد ضاعت المدينة، هُجر أهلها عنها عنوة وسرقت مؤسساتها، ومن بينها المدرسة التي حولها الاسرائيليين لتكون مقر الجندي الاسرائيلي، حيث أن الطابق السفلي اتخذه الاسرائيليون ليكون كغرف تدريبات لياقة بدنية للجنود، أمّا الطابق العلوي فقد حول كمسكن للجنود، وفي سنة 2013، تقرر تحويل المبنى ليصبح متحفا للعلوم يحمل اسم “كاراسو”.
اجمالا، فإن هذا المبنى جاء ليكون خير شاهد يروي تاريخ وحضارة شعب يزخر بالرقي وليس كما يدعي مزيفو التاريخ أن فلسطين كانت أرضا بلا شعب.