قراءة في الدليل الصحافي لتغطية إعلامية صديقة للنوع الاجتماعي: “أنسنة” الضحية و”أنثنة” اللغة
توفيق محمد
صدر هذا الأسبوع كتاب أطلقت عليه مصدراته: “الدليل الصحافي لتغطية إعلامية صديقة للنوع الاجتماعي”، عن مجموعة نسائية أطلقت على نفسها اسم “حراك صحافيات ضد العنف وبتمويل من مؤسسة “هانس زايدل” الألمانية، وهذه المؤسسة تعرف نفسها وفق كالتالي: “منذ تأسيسها في أبريل 11، 1967 تدير مؤسسة هانس زايدل (Hanns Seidel) للتثقيف السياسي بهدف- كما هو منصوص عليه في النظام الأساسي- لتعزيز “التعليم الديمقراطي والمدني للشعب الألماني على المبادئ المسيحية”. تم تسمية مؤسسة هانس زايدل (Hanns Seidel ) التابعة لـ (CSU) (وهي الاختصار اللاتيني لحزب الإتحاد الاجتماعي المسيحي) على اسم رئيس الوزراء البافاري السابق ورئيس (CSU Hanns Seidel) المؤسسات السياسية مستقلة اقتصاديًا وقانونيًا وتنظيميًا عن الأحزاب المعنية، ولكنها تعمل وفقًا لمعنى تلك الأيديولوجية. تجسد مؤسسة هانز سيدل القيم الاجتماعية المسيحية التي لها تأثير في عملنا في الداخل والخارج. يرتكز التعليم السياسي لمؤسسة هانز سيدل على صورة للإنسان يشتمل عليها التطور الحر للشخصية ومسؤولياتها كمسؤولية اجتماعية وتضامن. هذا النظام هو في عصرنا، في الحاجة إلى مزيد من المسؤولية الفردية، و”ثقافة الاستقلال” الجديدة و “المجتمع المدني النشط” أكثر وضوحا وأكثر حداثة من أي وقت مضى. (https://arab.org/ar/directory/fondation-hanns-seidel-in-tunisia).
التعريف أعلاه مأخوذ كما هو من موقع المؤسسة التونسي على الانترنت وهو نفس التعريف لها في مواقعها على الانترنت، وقد نقلت المادة أعلاه دون تصرف أو تحرير.
على كل، ليست مؤسسة هانز زايدل هي التي تعنيني بقدر ما هي الحاجة لمعرفة المُمَوِّلِ وأهدافه حتى نتعرف على مخططات المُمَوَّلِ التي يسعى لإنزالها على مجتمعنا.
جاء في التقديم “للدليل” أعلاه للسيدة جوليا اوبرميير الممثلة الدائمة لصندوق هانس زايدل في إسرائيل وأراضي السلطة الفلسطينية ما يلي: “يسلّط هذا الدليل الضوء على خلق إعلام حساسًا جندريا” (الخطأ النحوي من المصدر).
وتحت عنوان “لماذا نحتاج صحافة صديقة للنوع الاجتماعي؟” كتبت محررات الدليل ما يلي: “للصحافة دور أساسي في تعزيز أصوات النساء والتصدي للكثير من أشكال العنف القائم على النوع الجندري” وتحت عنوان إرشادات العمل: اللغة، الصورة، الخطاب” وفيما يتعلق ببند الصورة جاء: “فيما يتعلق بالصورة فإننا لا نقصد فقط الصورة التي تقدم للمتلقي إيحاءات تتيح له شرعنة ما حدث مع المغدورة واتهامها بما حصل لها، وتبرير فعل القاتل إنما نقصد أيضا الصورة النمطية الجندرية أو الجنسانية بمفهومها الواسع …….” إلى أن يقول الدليل “…على سبيل المثال توصم النساء المتحملات للمسؤولية والقادرات على اتخاذ قراراتهن في مجتمعنا بأنهن “مسترجلات” بينما يلقب الرجل الذي لا يتكلم أو يتصرف بشكل ذكوري بأنه “بنوتة” أو “شمال” ويلمح إلى كونه مثلي الجنس، وفي هذا التلميح تنميط من نوع آخر على أساس التوجه الجنسي، يُعد التنميط الجندري أمرا خطيرا” وتخلص النشرة في هذا البند الى التوصية التالية: “تقع على المراسل أو الصحافي مسؤولية في اختيار الصورة الملائمة التي لا تثير مشاعر سلبية لدى القارئ ولا تجيشه ضد الضحية”. وفي بند سابق يتحدث “الدليل” عن “أنسنة الضحية” نعود لهذه المسألة لاحقا.
ولكن حتى نفهم المسألة على حقيقتها وماذا يُقصد بـ “الجندر” و “النوع” تعالوا بنا نقرأ ما كتبه الدكتور أحمد إبراهيم خضر حول تعريف الجندر أو ما يسمى بالعربية النوع الاجتماعي: “تعرف الموسوعة البريطانية الهوية الجندرية “Gender Identity” بأنه: شعور الإنسان بنفسه كذكر أو أنثى، وتقول: “إن الهوية الجندرية ليست ثابتة بالولادة- كذكر أو أنثى- بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل”. ويضيف الدكتور أحمد: “تكمُن خطورة تعريفات الجندر في النظرة إلى الأنوثة والذكورة بالمعنى العضوي، منفصلة عن البنية النفسية والأدوار الاجتماعية للأفراد، وأن هذه الأدوار هي مفاهيم اجتماعية مكتسبة وليس لها علاقة بالطبيعة العضوية والفسيولوجية لكلا الجنسين، فالتربية الاجتماعية هي التي تحدد الأدوار الاجتماعية، وبالتالي فالمجتمع والتربية هما العاملان الحاسمان في تكوين النفسية الأنثوية أو الذكورية بغض النظر عن الطبيعة العضوية؛ حيث إن الهوية الجندرية ليست بالولادة كما يوضح التعريف، بل تؤثر فيها العوامل النفسية والاجتماعية بتشكيل نواة الهُوية الجندرية، وهي تتغير وتتوسع بتأثير العوامل الاجتماعية كلما نما الطفل”.
وتقول عالمة الاجتماع الفرنسية “أوكلى إحدى كبريات المنظرات للجندر: “إن الأمومة خُرافة، ولا يوجد هناك غريزة للأمومة، وإنما ثقافة المجتمع هي التي تصنع هذه الغريزة؛ ولهذا نجد أن الأمومة تعتبر وظيفةً اجتماعية”.
وبالمختصر المفيد، فإن المفهوم الذي يراد من خلال مصطلح النوع الاجتماعي أو الجندر هو: أن أية أنثى قد تشعر بنفسها رجلا فلها أن تمارس حياتها، كل حياتها، بما في ذلك حياتها الجنسية، كرجل، حتى وإن كانت عضويا هي أنثى، وأن أي ذكر قد يشعر بنفسه أنثى فله أن يمارس حياته، كل حياته، حتى حياته الجنسية كأنثى حتى وإن كان عضويا ذكرا.
في سياق الدليل يكثر الحديث عن العنف الذي يجتاح مجتمعنا فيقول الدليل لدى التعريف بمن يقف خلفه: “بعد عدد من اللقاءات قررنا تشكيل حراك بدعم مهني ورؤيوي من جمعية نساء ضد العنف حاولنا من خلاله كُلٌّ في موقعها استعراض الدور الذي يؤديه الإعلام المحلي على أرض الواقع في التعامل مع ظاهرة العنف …”. لا شك أن العنف والقتل سواء كان بحق الرجل أو المرأة مدان أيما إدانة، ومُستنكر أيما استنكار، تبغضه كل المجتمعات السوية، وتقاومه وتضع الخطط للقضاء عليه كل الجماعات والجمعيات والمؤسسات والأحزاب، والقضاء عليه غاية مجتمعية عليا لا فرق في ذلك بين العنف الموجه تجاه الرجل أو المرأة، فالعنف عنفٌ، مبغوض، مستنكر، مكروه، فكيف إذا كان العنف تجاه المرأة مثلا، اغتصابا أو تحرشا أو قتلا، عندئذ يجمع بين كبائر وآفات مجتمعية تجعل الجريمة أقذر وأبشع وأسوأ، إذ يجمع ساعتها بين الجريمة الأخلاقية والجريمة الجنائية، والجريمة الأخلاقية هي واحدة سواء من أقدم عليها كان ذكرا أو أنثى، ولذلك فان مسألة “أنسنة الضحية” تلك الواردة في الدليل ضمن فصل: “إرشادات العمل: اللغة، الصورة، الخطاب” وهو فصل نَصَّبَتْ من خلاله مجموعة من محررات النشرة أنفسهن كموجهات ومعلمات للمجتمع!! حول كيفية التعامل، وحاولن إنزال مفاهيم ومصطلحات من بنات أفكارهن على المجتمع، وكأن شعبنا وإعلامنا وحضارتنا المتوارثة منذ قرون طويلة عاجزة عن تلبية الحاجة الإعلامية والتعبيرية والأخلاقية حتى تنصب مجموعة من الصحفيات من جمعيات مدعومة من مؤسسة هانس زايدل وغيرها من المؤسسات الشبيهة نفسها أستاذة على مجتمعنا، فتجتمع في برجها العاجي وتصدر هذا الدليل في محاولة لتغيير مفاهيم المجتمع ونظرته إلى الشذوذ الأخلاقي والشذوذ عن الفطرة نحو جعله جزءا من الفضاء المجتمعي.
على كل، فتحت بند “أنسنة الضحية” ذكر الدليل: “ما نعنيه من “أنسنة الضحية ذكر الجانب الإنساني منها: فهي ليست امرأة قُتِلَت فقط، إنما إنسانة لها اسم وأحلام ومهنة ومحبون وقصص من المهم نقلها الى القارئ ما يقربه إلى الضحية”.
ومرة أخرى أنا ضد القتل، وضد العنف أيا كان ولأي سبب كان، وضد أيٍّ كان، فالعنف لا يأتي بخير إنما يأتي بالدمار على مجتمعنا، ولذلك فمهمة مقاومته هي مسؤوليتنا جميعا، سواء كان موجها ضد الرجل أو المرأة أو التاجر، أو التاجرة أو …. ولكن مسألة “الأنسنة” هذه يراد من خلالها بالذات الإشارة إلى النساء اللاتي يُعتدى عليهن على خلفية الجرائم الأخلاقية، ومرة أخرى نحن ضد هذا الاعتداء لكن تعالوا بنا نفرق بين استنكارنا للاعتداء عليهن بالضرب أو القتل وبين “الأنسنة” التي تسعى لتسويق الفعل المدان وهي الجريمة الأخلاقية و”أنسنتها” وشرعنتها وإيجاد المبرر لها وبالتالي جعلها جزءا من حياة المجتمع، وهذا يذكرني بالصناعة السينمائية التي تقوم من خلالها الممثلة بطلة الفيلم أو المسلسل بكل الجرائم الأخلاقية المُدانة دينا وعرفا وأخلاقا ومجتمعا حتى عند المجتمعات غير الإسلامية فيركز المخرج على الجانب الإنساني الذي تؤديه الممثلة المعنية لتجييش العواطف الإيجابية تجاهها رغم كل الجرائم التي اقترفتها، وحتى لا افهم خطأ فأنا مع إدانة عملية الاعتداء على الضحية أيا كان نوع الاعتداء، فمحاسبة المجرمين والمخالفين هي من حق الدولة وليست من حق الأفراد، لكن بين هذا وبين “أنسنة” الجريمة الأخلاقية التي يريدها الدليل فرق شاسع بل وشاسع جدا.
ولا يفارقنا الدليل قبل أن يقرر استعمال مصطلحات بدل أخرى حتى يدعم توجهه في تسويق الجندرة والشذوذ الأخلاقي في مجتمعنا، فهو يقترح استبدال مصطلحات بأخرى لتحقيق هذه الغاية مثال ذلك، يقترح استبدال كلمة شذوذ بمثلية جنسية أو تعددية جنسية، ويقترح استبدال عضو المجلس المحلي للنساء بعضوة المجلس المحلي علما أن اللغة العربية تساوي بين الذكر والأنثى في التسمية، وبدل اجتماع مبعوثين، اجتماع بعثة، وبدل قادة الرأي قيادات وقياديو الرأي وبدل اجتماع مستخدمي المجالس اجتماع مستخدمات ومستخدمي السلطات المحلية وبدل قرر أطباء مستشفى .. قرر طبيبات وأطباء مستشفى..
يعني باختصار ففي سبيل إنزال سياسات الأنثنة على مجتمعنا يردن تغيير اللغة العربية، فالعربية تخاطب الرجل والأنثى على حد سواء، ولذلك فإن الله عندما خاطب المؤمنين من الرجال والنساء في القرآن الكريم خاطبهم بقوله: “يا أيها الذين آمنوا” وكان الخطاب عاما للذكر والأنثى وليس مقصورا على الذكر، فلم تكن حاجة للقول يا أيتها اللواتي آمنَّ، وهكذا هي اللغة العربية، أم أنهن يسعين لعربية جديدة مُهَجَّنَةٍ بالأجندة الجندرية ذات الشذوذ الأخلاقي والجنسي وقد قالت إحدى المضبوعات بالأنثوية والجندرية في المؤتمر الدولي لتحديات الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين المنعقد في صنعاء في نهاية العقد الأخير من القرن الماضي (1999): “إن أقدم كتاب كرس محو الأنثى وكرس سلطة الذكورية كان في التوراة ابتداء بفكرة الله المذكرة”.
إن ما نلسمه من خلال هذا الدليل هو محاولة لتوظيف الألم الشديد الذي يجتاح نياط قلوبنا جميعا جراء ظاهرة العنف الذي يعاني منه مجتمعنا لصالح ترويج الجندرة التي هي مطية الشذوذ والإباحية الجنسية والفلتان الأخلاقي.