تكنولوجياومضات

أسرار سوق الإعلانات الرقمية الخفي الذي تهيمن عليه غوغل

بلغت قيمة سوق الإعلانات الرقمية العالمي عبر شبكة الإنترنت 319 مليار دولار في عام 2019، ويتوقع لها أن تصل إلى 1089 مليار دولار عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 17.2%.

وحسب البيانات الصادرة عن شركة “زينيث أوبتي ميديا” (ZenithOptimedia) فإن حصة غوغل من سوق الإعلانات العالمي تصل إلى 44%، حيث ارتفعت حصة الشركة العملاقة بمقدار 10% خلال السنوات الخمس الماضية، وهي تواصل النمو باضطراد؛ مما يعزز من هيمنتها على هذا السوق، ويرجع ذلك في جزء منه إلى عمليات الاستحواذ الكبرى التي قامت بها غوغل خلال السنوات الماضية.

 

نقرات ودولارات

في كل مرة ينقر فيها شخص ما على أحد المواقع في شبكة الإنترنت أو على تطبيق من التطبيقات، فإن ذاك الجزء الصغير جدا من الثانية أو “الميلي ثانية” -التي يستغرقها التحميل- يتم خلاله بيع المساحة الإعلانية الفارغة على الصفحة المراد تحميلها بالمزاد من خلال أماكن تداول مخصصة تسمى “تبادل الإعلانات” (ad exchanges)، وتدير شركة “ألفابت” (Alphabet) -التي تملكها غوغل- أكبر هذه الأماكن.

وذلك كما أوضحت دينا سرينيفاسان الباحثة في مكافحة الاحتكار والمستشارة في مكتب المدعي العام بولاية تكساس الأميركية في مقال مطول لها نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times) قبل أيام.

وهذه الأماكن للتبادل الإعلاني تعمل تماما مثل البورصة، كما توضح غوغل التي تعمل كوسيط بين البائعين والمشترين. وتجري حاليا مليارات المعاملات اليومية في “التبادلات الإعلانية” التي تملكها شركات التكنولوجيا، وهي تنافس -إن لم تكن تتفوق- على عدد المعاملات التي تجري في سوق الأوراق المالية في “وول ستريت” (Wall Street).

 

لا قواعد ولا قوانين

وتجري الباحثة سرينيفاسان في مقالتها مقارنة بين بورصة الأوراق المالية وسوق الإعلانات الرقمية، مشيرة إلى أن الكونغرس الأميركي أنشأ “لجنة الأوراق المالية والبورصات” وأعطى هذه اللجنة سلطة إصدار القوانين، ووضع القواعد اللازمة للعمل وإدارة تضارب المصالح بين البورصات والوسطاء والبائعين والمشترين، وذلك لحماية الجمهور وتعزيز مبدأ المنافسة العادلة في سوق الأوراق المالية، وهو الشيء غير الموجود أبدا في سوق الإعلانات الرقمية، فلا توجد هناك قواعد ولا قوانين ولا لجنة تشرف على كامل العملية.

وتوضح الكاتبة فتقول “مثلا تطلب اللجنة من الشركات -التي تعرض أماكن بيع أو تشرف على عملية التداول أو تعمل كوسيط نيابة عن العملاء- أن تفصل بين هذه المهام، ولا تستطيع شركة واحدة القيام بهذه العمليات معا، فلا يمكن لأية شركة أن تبيع وتشتري وتعمل كوسيط في نفس الوقت، وهو الأمر الذي يمنع تضارب المصالح، ويحافظ على حقوق جميع الأطراف… لا توجد لجنة أو سلطة مماثلة تقوم بالإشراف على سوق الإعلانات الرقمية عبر الشبكة، وهو ما يجعل هذا السوق مساحة مبهمة وغامضة تعج بتضارب المصالح وأكل حقوق الآخرين”.

وتؤكد الكاتبة أن “غوغل تمكنت من السيطرة على الجزء الأكبر من سوق الإعلانات الرقمية، والحفاظ على ارتفاع تكاليف التداول للمواقع الإلكترونية والتطبيقات والمعلنين. إنها ببساطة تتحكم بكل شيء، بالخدمة، وطريقة تقديمها، وسعرها في نهاية المطاف. وهذا غير صحيح ولا يمكن أن يستمر، ونحن بحاجة لرد سريع وقوي للحد من هذه الهيمنة شبه المطلقة التي تمتلكها غوغل”.

 

بيع النقرات.. شراء النقرات.. إدارة النقرات

وتشير الكاتبة إلى أن هذه المشكلات بدأت منذ عام 2007، عندما قدمت غوغل عرضا لشراء شركة “دبل كليك” (DoubleClick) المتخصصة في مجال الإعلان عبر الإنترنت، وهي الشركة التي تقدم خدمة تحظى بشعبية واسعة لدى المواقع الإلكترونية لأنها تساعدها على بيع مساحات إعلانية في صفحاتها وكسب المال نتيجة لذلك. وقد وافقت السلطات الفدرالية على عملية الاستحواذ، لكنهم لم يطالبوا غوغل بفصل قسم “بيع النقرات” للشركات والمواقع التي تعرض مساحات إعلانية في مواقعها عن قسم “شراء النقرات”، وهو القسم الذي يساعد المعلنين على شراء هذه المساحات أو عن القسم الذي يدير هذه البورصة للبيع والشراء والذي أطلقت عليه غوغل لاحقا اسم “أدكس” (AdX).

وتتساءل سرينيفاسان؛ هل تستطيع غوغل أن تدير عملية التبادل وهي تمثل كلا الجهتين؛ البائع والمشتري في نفس الوقت؟ هذا الأمر يشبه أن تكون محامي المتهم والقاضي معا، تصور أن تكون أنت المتهم في قضية ما مثلا، ويكون محاميك هو نفسه القاضي الذي سيصدر الحكم بحقك. “هذا تضارب كبير جدا في المصالح، وهو أمر غير مقبول بالمرة في القانون، وهو ما تفعله غوغل بالضبط، فهي تمثل البائع والمشتري وتدير السوق في ذات اللحظة”.

 

غياب المنافسة وهيمنة كاملة

تقول غوغل إنها ساعدت في تعزيز المنافسة بين المواقع في عمليات التبادل، ولكن غوغل بعد فترة بسيطة من استحواذها على دبل كليك، وجهت المساحات الإعلانية الموجودة على مواقع الإنترنت إلى منصة التبادل الخاصة بها “أدكس”، وفي نفس الوقت لم تسمح بعمليات بيع وشراء المساحات الإعلانية التي تديرها شركات أخرى مثل ياهو ومايكروسوفت بالتنافس على المساحات الخاصة بها.

وتشرح الكاتبة أن “غياب المنافسة أدى إلى أن تصبح غوغل أكبر مسيطر على سوق الإعلانات الرقمية في العالم، وقد دفعت مواقع الويب الثمن وما زالت تدفعه، حيث تبيع غوغل المساحات الإعلانية التابعة لها بسعر يقل 50% عن بقية الشركات، وهو ما أدى إلى هيمنتها شبه الكاملة على السوق، وإخراج أغلب المنافسين منه. وفي الواقع، فإن جميع الممارسات والمخالفات التي يعاقب عليها القانون والمرفوضة في سوق الأوراق المالية، تحدث بشكل كامل، وفي وضح النهار في سوق الإعلانات الرقمية. وهناك حصة كبيرة من دولارات الإعلانات ينتهي بها المطاف في جيب السيدة غوغل. وفي عام 2007 وصلت نسبة عوائد الإعلانات التي حققتها غوغل من بيع المساحات الإعلانية عبر مواقع الإنترنت إلى 35% من جميع عائدات الإعلانات التي حققتها الشركة في ذلك العام. ومنذ ذلك العام والنسبة تزداد باضطراد، ووصلت حصة غوغل من عوائد الإعلانات في عام 2020 إلى 146 مليارات دولار”.

 

المستهلكون يدفعون الثمن في النهاية

نتيجة كل ما سبق فإن المواقع الإلكترونية على الشبكة والتطبيقات والمعلنون بأنواعهم مضطرون لدفع المزيد من الأموال لإيصال سلعهم ومنتجاتهم للمستهلكين من خلال المساحات الإعلانية التي توفرها غوغل، وهم يحققون أرباحا أقل من بيع الإعلانات في مواقعهم، بينما عليهم دفع المزيد من الأموال إلى البورصات والوسطاء الآخرين.

وتقدر الدراسات -حسب سرينيفاسان- أن وسطاء الإعلانات يأخذون من 30 إلى 50% من قيمة كل عملية، بمعنى آخر عندما تقوم بشراء ما قيمته ألف دولار من المساحات الإعلانية على موقع إخباري محلي للإعلان عن منتجات شركتك، سيحصل الوسطاء على نحو 500 دولار من هذا المبلغ، وهو ما يعني أن الموقع المحلي الذي اشتريت مساحة إعلانية عليه بقيمة ألف دولار سيحصل فقط على 500 دولار منها، والباقي يذهب للوسيط الذي هو غوغل  في هذه الحالة، وطبعا المستهلكون هم من سيدفع الفرق في النهاية.

وتختم الكاتبة مقالتها بالقول “حتى الآن، وبسبب غياب القوانين المنظمة فإن عبء حل النزاعات التي تحدث -وهي كثيرة جدا- يقع على عاتق منفذي قانون مكافحة الاحتكار. وقد أعلنت السلطات في فرنسا الشهر الماضي (يونيو/حزيران) عن تسوية تم الوصول لها في قضية مكافحة احتكار في أسواق تبادل الإعلانات رفعت ضد غوغل في فرنسا. أما في أميركا فهناك دعاوى مرفوعة، وهناك مشاريع لتحديث قوانين مكافحة الاحتكار، ولكن المشوار ما زال طويلا لتحقيق العدالة في سوق الإعلانات الرقمية”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى