اهد ابنك وردة كل يوم
د. نسرين حاج يحيى- معالجة أسرية ومحاضرة جامعية
اعتدنا على أن إهداء الورود هو حليف العشاق، يتهادون الأزهار للتعبير عن الحب والاشتياق والغرام، ولم نعتد كما العشاق أن نهدي أبناءنا ورودًا إلا في المناسبات الخاصة، ولكنني اليوم أقترح عليكم الإكثار من منح الورود لأبنائكم بل وتقديمها بشكل ثابت لهم، لأن هذا سيصب في بناء صحتهم النفسية وقوة شخصيتهم حاضرًا ومستقبلًا. علما أن الورود التي أقترح تقديمها هي من نوع خاص وليست المعهودة والتي نقطفها من البستان ،بل هي ورود معنوية وكلامية مكونة من خمس أوراق كل ورقة تتضمن عبارة لها معنى وهدف يختلف عن الآخر، ولكن أثرها ووقعها على مسامع وشخصية الأطفال كبير وعظيم.
وبعد أن حذرنا في مقال سابق من الجمل التي يجب أن لا نذكرها لأطفالنا، فهنا سنقوم بالعكس تمامًا وسنطلب الإكثار من قول تعابير ومفاهيم أخرى ستكون محفورة على كل ورقة من أوراق الوردة اليومية التي أقترح تقديمها وترديد مضمونها على مسامع أطفالنا يوميًا.
وهذا ما تتضمنه كل ورقة:
أنا أحبك
أبدًا لن أنسى فتاتين قالتا لي: إننا لم نسمع طيلة حياتنا كلمات المحبة المباشرة من والدنا، الفتاة الأولى وهي تبلغ من العمر الثالثة والعشرين عامًا قالت: إنها سمعت من أبيها كلمة أنا أحبك مرتين فقط، الأولى من خلال رسالة قصيرة عبر الهاتف الخليوي والأخرى عبر الهاتف حين كان خارج البلاد. كم انفعلت حين قالها لها وحين كتبها لها، ولكن كم بكت دموعًا لتعطشها لهذا الحنان الأبوي المعلن والمصرح به، أما الفتاة الثانية فقالت، إنه حين جاء موعد خروجها “طلعتها” من بيت أبيها يوم زفافها تقدم والدها لعناقها، إلا أنها دفعته عنها رافضة ذلك، وحين سألها عن السبب قالت لي “لقد شعرت أنه غريب عني وأنه مجرد رجل وكيف لي أن أدع رجلًا غريبًا يعانقني!”.
ربما هذه القصص تمثل لنا ضرورة التعبير عن الحب للأطفال وحتى للبالغين من أبنائنا، وأعجب أشد العجب حين أرى وأسمع من لا يقوم بذلك تلقائيًا وغرائزيًا، بل وأعجب أكثر، ممن ما زال يؤمن أن التعبير عن المحبة للأولاد يضر بهم ويجعلهم مدللين …. وقبل أن أعود للاختصاصيين والنظريات الحديثة في علم النفس أعود بكم إلى الأفضل والأعظم من هذا وذاك، إنه الحبيب المصطفى عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام والذي كان الأحن والألطف والأرحم بالأطفال والمعبر عن المحبة والثناء للبالغين أيضاً، فهل كانت الأجيال التي رباها مدللة أم من أفضل خلق الله سبحانه وتعالى؟!
إنني أؤكد بدوري على أهمية التعبير الصريح عن المحبة للأبناء وأن نكثر من قول “حبيبي” وأنا أحبك” “وأنت روحي “واشتقت إليك” وغيرها من الكلمات التي تشعر الطفل بأننا نحبه على أن لا نقول لأنفسنا أن محبتنا لهم هي مفهومة ضمنًا، فالأطفال خاصة في سنوات أعمارهم الأولى يكونون بحاجة دائمة وماسة لتأكيد محبتنا لهم خصوصًا في الفترات الخاصة مثل إنجاب مولود جديد وغيرها من المراحل العائلية التي يحتاج الطفل أن يشعر بأن محبة والديه ثابتة ودائمة وغير مشروطة أو مقرونة بشيء، وهذا ما يمنحه الهدوء النفسي والاستقرار الوجداني ويجعله متفرغًا للنمو والتطور وليس للإحباط والانشغال بعقدة النقص.
أنا مؤمنة بك فأنت قادر
إذا كانت القاعدة الأساسية هي تأكيد الحب، فالثانية هي تأكيدنا على مدى ثقتنا وإيماننا بقدرات وكفاءات الطفل وفي أحيان كثيرة مجرد قولنا لأبنائنا أننا حقاً مؤمنون بهم وأننا نعتقد أنهم قادرون سندفعهم إلى الأمام وإلى المثابرة والتحدي والتغلب على الشعور بالعجز بل والانقضاض على المهمات للفوز والنجاح بها، وذلك للتأكيد لمن حولهم ولأنفسهم أنهم حقاً كما نظن بهم، فلنكثر إذًا من التأكيد على قدرات أبنائنا مع العلم أننا يجب أن نراعي كفاءتهم وأن نؤكد على ما هم فعلًا قادرون عليه، فلا نبيع لهم الأوهام فنقوم بالعملية العكسية تمامًا ونؤدي بهذا إلى إحباطهم، وعليه فلنكثر من القول “إنني أؤمن بك” أنت قادر” “حاول فستتغلب بإذن الله لأنك تقدر على ذلك” ومن المهم حين ينجح أن نؤكد له أنه حقاً كان قادرًا وخير دليل على ذلك نجاحه بالمهمة.
التعزيزات
وتضم التشجيع للأبناء ولعل أهم التعزيزات هي الصادرة عن الوالدين خاصة وهما الشخصان القريبان والمهمان واللذان يُعتبران البوصلة للطفل، فإن هما شجعاه فإن هذا خير دافع ورافع للطفل، فمن خلال تشجيعهما له يشعر بالثقة والإيمان بالذات وهذا يصب في بناء الثقة بالنفس وكذلك يشعر الطفل أنه محط أنظار والديه وأنهما مهتمان به وأنهما يراقبانه وأنهما على اطلاع على تصرفاته وهو الأمر الهام للطفل، والأهم من هذا وذاك أن الطفل يفهم من خلال التشجيع ما هي التصرفات الصحيحة وغير الصحيحة، فتلك التي تشجع، يستمر بها، وتلك التي لا تحظى بالتشجيع يتنازل عنها ولا يستمر بها، فلنكثر إذا حين نرى أن الطفل يحسن التصرف من تشجيعه والقول له إنه : قادر وبطل وشاطر وقوي ومؤدب وحنون ومجتهد وعبقري وأننا فخورون به وأننا نعتز به وغيرها من تعابير التعزيز والتشجيع .
كيف كان يومك
من المهم تعزيز لغة الحوار مع الأولاد والاهتمام بهم وسؤالهم مثلًا: كيف مر عليهم يومهم سواء في المدرسة أو النادي أو زيارة صديق أو قريب وغيرها من الفعاليات اليومية، ومن المهم البدء معهم بذلك من جيل الحضانة حتى يصبح الحوار والمشاركة أمرًا طبيعيًا وتلقائيًا للأهل وللطفل، ويصبح أمرًا عاديًا ودارجًا في البيت فيشعر الطفل أنه بحاجة مع الوقت ليشارك أهله بما مر عليه سواء بما هو جميل وسعيد وبما هو محزن أو غير جيد بدون تردد أو حواجز ويتم تعزيز هذا الأمر إذا قمنا نحن أيضاً بمشاركته بما يمر بنا فتصبح لغة الحوار هي لغتنا البيتية الدارجة.
أنا هنا من أجلك
لعل من أهم ما على الأهل في هذا العصر وخصوصًا في ظل مواجهة أبنائنا للكثير من التحديات في المدارس والحارة والعلاقة بالأقران وحتى في الانكشاف على الإعلام والوسائل التكنولوجية وكم المعلومات الهائل وغير المراقب، أن يؤكدوا للطفل بشكل مباشر وغير مباشر كلاميًا ومعنويًا أننا هنا من أجله، بمعنى أننا عنوانه الأول للمشاركة بما يشغله أو يضايقه أو يحيره وأننا سندعمه ونساعده ونكون مصدر المعلومات له، وأننا سنحفظ سره ولا نفضح أمره على أن نكون حقاً على قدر كلماتنا ووعودنا لأننا إن خذلنا الطفل فلن يتوجه إلينا مجددًا وبدلًا من الاقتراب منه نبني الجدران بيننا وبينه.
أدعو نفسي وإياكم للتفكر بأهمية تقديم هذه الوردة اليومية وبكل ورقة من أوراقها الخمس، فإن اقتنعتم بها كما أنا مقتنعة بها فلتعملوا على تقديمها يوميًا للأطفال فإن فيها الخير الكثير.