نفس القنبلة: الفلسطيني بين قمعين في القدس ورام الله
توفيق محمد
خلال تأديتها واجبها الإعلامي في تغطية أحداث الشيخ جراح قبل ما يزيد عن ثلاثة أسابيع اعتدت قوات الاحتلال الإسرائيلي على الصحفية جيفارا البديري مراسلة قناة الجزيرة، ثم اعتقلتها بعد ذلك لساعات، ليس قبل أن تقوم هذه القوات بتكسير كاميرا التصوير الخاصة بزميلها نبيل مزاوي، وروت الزميلة جيفارا للجزيرة بعد إخلاء سبيلها أن قوات الاحتلال اعتدت عليها بالضرب خلال وبعد اعتقالها.
وفي تاريخ 15.11.2019 فقد الصحفي المصور معاذ عمارنه عينه على يد الجيش الإسرائيلي خلال تأدية عمله في تغطية فعالية ضد الاستيطان في بلدة صوريف غرب مدينة الخليل.
وفي رام الله لكن هذه المرة على يد قوات الأمن الفلسطيني وقعت هذه الاعتداءات:
يوم السبت 26-6-2021:
- إصابة الصحفية شذى حماد بقنبلة في وجهها.
- إصابة كل من الصحفي محمد غفري، والصحفية سجى العلمي، والصحفية نجلاء زيتون، والصحفية فيحاء خنفر وإبراهيم الرنتيسي جراء الاعتداء عليهم.
2- يوم الأحد 27 -6-2021:
- الاعتداء على الصحفية بتول كوسا من قبل عناصر أمنية بلباس مدني.
- الاعتداء على الصحفي هادي صبارنة وتحطيم الكاميرا الخاصة به.
- الاعتداء على الصحفي أحمد طلعت وتحطيم الكاميرا الخاصة به.
- الاعتداء على الصحفي إيهاب الخصيب ومصادرة هاتفه.
- الاعتداء على الصحفية جيهان عوض ومنعها من التغطية.
- تحطيم كاميرا مصور وكالة AP .
الشريحة المستهدفة في كلتا الحالتين هي شريحة الصحفيين، والمعتدي في كلتا الحالتين هي قوات الأمن، لكن في الحالة الأولى اسمها الاحتلال الإسرائيلي، وفي الحالة الثانية اسمها قوات الأمن الفلسطيني.
خلال الاعتداءين تم ضرب الصحفيين والتسبب بأضرار متفاوتة لهم، وتكسير كاميراتهم لإخفاء الحقيقة، ومنعهم من تغطية حدث يعتقد المعتدون أن تغطيته تفضح ممارساتهم القمعية وغير القانونية وتسبب لهم حرجا محليا ودوليا وإعلاميا .
لكن في الحالة الإسرائيلية يتعامل المواطن الفلسطيني مع قوة احتلال قمعية تمارس العنف والعدوان بغرض الاستيلاء على الأرض والبيت الفلسطيني في صوريف والشيخ جراح وسلوان، ولذلك فإنها تعتبر عدسة الكاميرا عدوا يجب فقأ عينه حتى لا تتمكن من نقل ممارساته العدوانية الاحتلالية بحق أبناء شعبنا الفلسطيني وحتى يخلو الميدان لحميدان يفعل ما يشاء دون رقيب وحسيب.
أما في الحالة الفلسطينية فقد أيقظ مقتل نزار بنات خلال اعتقاله في سجون الأمن الفلسطيني الشارع الفلسطيني الذي خرج في مظاهرات حاشدة في رام الله وفي مدن الضفة الغربية تنديدا بمقتل بنات، وسرعان ما أصبح شعار هذه المظاهرات “الشعب يريد اسقاط النظام” و “إرحل إرحل يا عباس” و “إرحل” ما يدل على حالة الاحتقان الداخلي التي تختلج صدور أبناء شعبنا الفلسطيني من ممارسات وسياسات السلطة الفلسطينية ومن يقف على رأسها .
قوات الأمن الفلسطيني التي من المفروض أن توفر الأمن، والمساحة الآمنة من حرية التعبير والتظاهر والتنظيم، والتي من المفروض أن تقف على مسافة واحدة من السلطة ومن المعارضة، والتي من المفروض أن تنحاز انحيازا كاملا إلى الشعب ومصلحة الشعب، والتي من المفروض أن تحمي الشعب وتحفظ له حق التظاهر، كما عملت زميلتها، بل شريكتها الإسرائيلية تلك التي حافظت على أمن المواطنين الإسرائيليين خلال أكثر من عام وهم يتظاهرون أمام منزل رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو في شارع بلفور وفي تل أبيب تحت شعار “إرحل” أيضا، هذه القوات الفلسطينية بدل أن تقوم بمهمتها الطبيعية تلك، فإنها تتقدم- حسب صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية- بطلب إلى الحكومة الإسرائيلية بتزوديها بوسائل لقمع المظاهرات بعد أن نفذ مخزون القنابل الصوتية والغاز المدمع وغير ذلك من مخازن السلطة الفلسطينية إثر قمع المظاهرات آنفة الذكر، ومن نافل القول إن طلبا من هذا النوع يقدم لوزارة الأمن الإسرائيلية بوصفها المسؤول عن ذلك، وبالتالي فإن نفس المواطن الفلسطيني الذي تظاهر وما يزال في الشيخ جراح ضد التهجير وفي بيتا ضد الاستيطان ومصادرة الأرض والذي يتظاهر في رام الله والخليل ضد مقتل نزار بنات وضد ممارسات السطلة، هو هو الذي يتم قمعه بنفس السلاح ونفس القنبلة المسيلة للدموع ونفس قنبلة الصوت التي ربما تكون مؤذية جدا في حالات معينة، هناك في القدس وبيتا تلقيها عليهم عناصر الاحتلال وهنا في رام الله وبيتا تلقيها عليهم عناصر الأمن الفلسطيني.
أبعد من ذلك يحصل حيث تقوم عناصر الأمن الفلسطيني المختلفة- حسب روايات العديد من الصحفيات والمتظاهرات- بمصادرة أجهزة الهاتف خاصتهن واستخراج صورهن الخاصة والتهديد بنشرها في حال استمرت المعنية بالأمر في المشاركة في المظاهرات، بل أبعد من ذلك يمتنع الأطباء في المستشفيات حسب- رواية المحامين الفلسطينيين- عن إصدار التقارير الطبية للجرحى الذين أصيبوا في المظاهرات على أيدي الأجهزة الأمنية الفلسطينية بأوامر عليا حتى يتم دفن الحقيقة وعدم توثيق حالات الاعتداء على المتظاهرين، وهكذا فإن نتيجة أي بحث لأي لجنة تحقيق قادمة في الأحداث ستكون عدم وجود إصابات جسدية على أيدي قوات الأمن الفلسطينية لأن السلطة ذاتها منعت التوثيق الرسمي لها، فمن أين يأتي المحققون بالتقارير؟!!
أما عن الألفاظ والشتائم والمسبات التي يتعرض لها المتظاهرون فهي من الدونية بمكان يجعلني أترفع عن توثيقها في مقالي.
وأخيرا، فإن من يتوجب عليه حماية الشعب من الاحتلال هو نفسه من يعتدي عليه بأدوات الاحتلال، وبدلا من أن يتوجه شعبنا بطلبات التحاكم الدولي ضد الاحتلال وعناصره وبطلب الحماية الدولية من بطش الاحتلال وعناصره وعدوانه، أصبح الآن يوثق اعتداءات أبناء الوطن من عناصر أمن السلطة ليتقدم بها للتحاكم الدولي! كم هو هزيل هذا الوضع!!