في السّلم والحرب: الأقربون أولى بالمعروف وسلاح الشيكل
محمد خليل شباط
ما زال الفلسطينيون في شتى المناطق على الخريطة يعانون من تبعات عمليّة “سيف القدس”. ما زال حيّ الشيخ جرّاح مغلقا أمام العرب إلا من ساكنيه، تم اقتحام المسجد الأقصى المبارك على يد المستوطنين بحماية أعداد كبيرة من رجال الشرطة الإسرائيليّة، ما زال فلسطينيو الضفة وغزة ينعون شهداءهم ويلعقون جراحهم، وما زال فلسطينيو الدّاخل يتعرضون لحملة اعتقالات واسعة تمارسها الشرطة الإسرائيلية بمساعدة حرس الحدود، وحدات “مكافحة الإرهاب” ووحدات المستعربين، فما هي وسيلة المقاومة الجديدة لفلسطينيي الداخل وهم تحت أنياب أجهزة إسرائيل الأمنية؟
لم تنفك الأذرع الأمنية الإسرائيلية حتى اللحظة تمارس إجراءاتها العدوانية تجاه المدنيين الفلسطينيين بحجة فرض النظام في الداخل الفلسطيني، حملة الاعتقالات الكبيرة قطعت حاجز الـ 1500، والشرطة تصدر إعلانات علنية هدفها ترهيب الفلسطينيين لمحاولة ضبطهم بعد نهضة الداخل الفلسطيني، نهاية رمضان الفائت، نصرة لأهالي الشيخ جراح وللقدس والأقصى. الواقع يقول إن المجتمع الفلسطيني في الداخل غير قادر على مجاراة الأجهزة الإسرائيلية لأسباب غنية عن التعريف. إذًا، ما هو السلاح الجديد- القديم في ترسانة فلسطينيي الداخل لإلحاق الضرر بالمؤسسة الإسرائيلية والحفاظ على وحدوية الهدف الوطني؟ الجواب هو بكل بساطة: الشيكل.
ظهر التذمر من أرباب العمل الإسرائيليين في الإضراب العربي الذي بادرت إليه لجنة المتابعة مؤخرا، وبرزت قدرة فلسطينيي الداخل على إيذاء الإسرائيلي عن طريق سلاح الاقتصاد. أصبح معروفا أن عرب الداخل المحتل يشكلون قوة عاملة كبيرة في البلاد، الأمر الذي من الممكن للعرب استغلاله لفرض أنفسهم على الساحة كما فعلوا في السابق عدة مرات في تاريخهم لإيلام إسرائيل في اقتصادها، وربما هذه اللحظات الحرجة من تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي خير محفز لشد عضد الموقف الوحدوي في الداخل على قدر الاستطاعة، كيف؟
“اشتري من بلدك” باللهجة العامية، هي مبادرة شبابية فلسطينية جديدة في الداخل لحثّ العرب على التخلي عن شراء احتياجاتهم اليومية من المراكز التجارية اليهودية المشهورة بأسعارها المنخفضة. “اشتري من بلدك” هي مبادرة آنية، ولكن لماذا لا تصبح فعلا ثابتا على قدر الاستطاعة؟ الجواب قد ينحصر في سببين: أولهما غلاء الأسعار في المصالح العربية والثاني مشكلة الوعي الوطني التي يعاني منها فلسطينيو الداخل.
تأثير دعم الاقتصاد المحلي والعربي أكبر من أن يحصر في بضع سطور، ومن الممكن تركيز الفوائد في النيل من فائدتين عظيمتين: أولهما إيذاء الاقتصاد الإسرائيلي على قدر الاستطاعة وثانيهما إبقاء المال داخل الجيب العربي وإنعاشه وجعل تدويره محصورا-مرة أخرى- على قدر الاستطاعة في حسابات بنوك العرب وجيوبهم ومصالحهم، ما قد يعينهم على خفض الأسعار كذلك دون أن يتكبدوا الخسائر.
نحن نعيش في هذه الفترة لحظات هادئة نسبيًا بعد إيقاف إطلاق النار بين غزة وإسرائيل، ولكننا لا ندري حتى متى سيستمر هذا الهدوء، وهذه المرحلة هي مرحلة إعداد لا مرحلة العودة إلى الحياة “الطبيعية” ما قبل الأحداث، فالصراع هنا هو الوضع الطبيعي الحقيقي، وحفظ الشيكل العربي في الجيب العربي- على قدر الاستطاعة- هو سلاح جديد وفّرته لنا الظروف الراهنة، وعادة اجتماعية قد تكون سببا في كتابة صفحة بيضاء جديدة في أسطورة المقاومة الفلسطينية، و”الأقربون أولى بالمعروف”.
ولكن لكي يصبح سلاح الشيكل فعالا بحق فلا غنى للمجتمع الفلسطيني بالداخل- نظرا لوضعه الخاص سياسيا واقتصاديا- عن جهة تتبنى هذه الفكرة وتدرس سبل تطبيقها ومن ثم تعممها، جهة قيادية كلجنة المتابعة التي اكتفت بإعلان يوم إضراب واحد ووحيد، دون أن ترسم خطة عمل مبنية من خطوات تصعيدية لإعلاء الصوت العربي الفلسطيني في وجه المؤسسة الإسرائيلية بجرأة وكرامة للاعتراض على سياسة الإرهاب الأمني التي تمارسها أجهزة الدولة تجاههم.