حدث في شعبان
محمد عبد أبو شقرة
نحن الآن في النصف الثاني من شعبان، بل في الأيام الأخيرة منه، وأنا إذ أكتب هذه الكلمات، فإنما أكتبها، استمرارا ومتابعة لما جاء في العدد السابق، عن أبرز الاحداث التي حدثت في شعبان، والآن لا بد لي، من ذكر الحدث الأعظم والأقرب إلى قلوبنا، والذي عشناه ونعيشه، جميعا صغارا وكبارا، رجالا ونساء، وكلنا بانتظاره الآن، إنه الحدث الرئيس والذي كان في شعبان، إنه بشرى فريضة الصوم في رمضان. ففي الثاني من شعبان، من السنة الثانية للهجرة النبوية للمدينة المنورة، نزل الخطاب الرباني، على رسوله صلى الله عليه وسلم، مناديا ومخاطبا جماعة المؤمنين من الرعيل الأول، من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) إلى قوله تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).
بنزول هذه الآيات، استبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، بهذه الفريضة، التي جاءت لتكون سببا وطريقا لمغفرة الله لنا، وإذ به يعتلي المنبر خطيبا بجماعة المؤمنين، وليقول لهم مهنئا: (أتاكم رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم). أتاكم رمضان، هكذا قال المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونحن بدورنا نقول: جاءنا رمضان لنتساءل بيننا، ترى ماذا اعددنا له؟ وكيف نستقبله؟ رمضان، موسم من مواسم الطاعات والحسنات، إنه سوق من أسواق الخيرات، الرابح فيه، من أحسن استقباله، وقام بواجبه، والخاسر من قصر في هذا الواجب تجاه هذا الشهر العظيم.
إن أجمل ما نستقبل به رمضان، هو أن نستقبله بنيات صادقة، وقلوب طاهرة. من هنا فقد دعانا الله الى التوبة النصوح، وألا نقنط من رحمة الله مهما عظمت ذنوبنا، فمنّا التوبة الصادقة بشروطها، ومنه العفو والمغفرة وما يترتب على ذلك، من تبديل سيئاتنا بحسنات، رحمة منه إنه هو الغفور الرحيم. وصدق الله القائل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). كذلك كم بالحري بنا، معشر الاخوة والاخوات، أن نستشعر أن رمضان، ضيف كريم، وحسن استقباله، بحسن صيام أيامه، وقيام ليله، وتلاوة كتابه العزيز، ولا بد لكل هذه العبادات الرمضانية أن تهذب نفوسنا لنتحلى بأحسن الاخلاق وأرقاها، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكثر شيء يدخل الناس الجنة فقال: (تقوى الله وحسن الخلق).