محمد عبد أبو شقرة
نحن الآن في النصف الثاني من شعبان، ولنا في شعبان ذكريات جمّة، تربطنا به كمسلمين، وليس عبثًا أو صدفة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يكثر من الصيام فيه، ولما سأله أسامة بن زيد رضي الله عنه عن ذلك، أجابه بقوله: (شعبان بين رجب ورمضان يغفل الناس عنه ترفع فيه أعمال العباد فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم). ولعل من أول الاحداث وأعظمها والتي حدثت في شعبان، تلك الحادثة التي تدعى بحادثة (انشقاق القمر) وذلك أن مشركي مكّة، طلبوا منه أن يشق لهم القمر الى نصفين، فقد جاء في كتاب (البداية والنهاية) لابن كثير: بما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حيث قال: “اجتمع المشركون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام، والأسود بن عبد يغوث، والأسود بن المطلب، والنضر بن الحارث ونظراؤهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت صادقًا، فشقّ لنا القمر فرقتين، نصفا على أبي قبيس (جبل)، ونصفا على جبل قعيقعان (جبل)، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا: نعم، وكانت ليلة بدر فسأل الله عز وجل أن يعطيه ما سألوه، فأمسى القمر، وقد سلب نصفا على أبي قبيس، ونصفا على قعيقعان، ورسول الله ينادي يا أبا سلمة بن عبد الاسلم، والارقم بن ابي الارقم، اشهدوا، وعن انس بن مالك رضي الله عنه، أنّ اهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم اية، فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء بينهما. رواه البخاري.
وكما هو معلوم، فإنّ الله خلّد هذه الحادثة في كتابه العزيز بقوله: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ* وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ).
هذا ما حدث في شعبان قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم. ثمّ هناك حدث من الأحداث البارزة والمهمة التي حدثت في المدينة المنورة، بعد الهجرة بعام ونصف العام، وذاك الحدث الذي يتعلق بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فاستقبال القبلة أمر من الأمور التي تهمّ المسلم في العديد من الاحكام الشرعية، فاستقبال القبلة شرط من الشروط الأربعة لصحة الصلاة، وكذلك الحال لا بد من استقبالها عند: تلاوة القران، الدعاء، الاستغفار، ذبح الذبائح، وإليها يتم توجيه المحتضر، وإليها يوضع الميت في قبره، إذن: يتبين لنا من كل ذلك أن استقبال القبلة أمر له أهميته في حياة المسلم، وفي موته. إن قبلة المسلمين كانت الى بيت المقدس وتمّ تحويلها الى بيت الله الحرام، في منتصف شعبان من السنة الثانية للهجرة، بعد طول عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلع خلالها وتوجه فيها الى الله أن يحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، فجاء قوله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ).
وفي تحويل القبلة الى بيت الله الحرام قيمة عظمى وحكمة بالغة، أرادها الله للمسلم، خاصة إذا علمنا أن هذا التحويل ميّز الله به المؤمنين الصادقين، من غيرهم حيث أفرز لنا هذا الحدث أربعة من الأصناف، فكان أوّل هذه الأصناف وفي المقدمة، فئة المؤمنين الصادقين والمصدقين الذين قالوا سمعًا وطاعة، وأمّا الفئة الثانية، فهي فئة مشركي مكة وغيرهم من مشركي العرب، والذين تساءلوا مستهجنين، ما بال محمد يخالفنا ويعادينا ثم عاد ليتبع قبلتنا؟ والفئة الثالثة، تمثّلت بجماعة اليهود الذين تساءلوا لماذا ترك محمد قبلتنا التي كان عليها؟ أمّا الفئة الأخيرة والأخطر، فهي فئة المنافقين الذين قاموا بدور التشكيك وبثّ الاراجيف، سعيًا منهم لضرب الصف الإسلامي من الداخل، فكان مما قالوا: إذا كانت الصلاة إلى مكة هي الصحيحة، فإن صلاته الى بيت المقدس كانت عبثًا وضلالا، وإن كانت الصلاة لبيت المقدس هي الصحيحة، فلماذا يغير قبلته الآن. هذان مما حدث في شعبان ولنا مع شعبان أجندة أخرى. يتبع