فضيلة الشيخ محمد علي الصابوني في ذمة الله
محمد عبد أبو شقرة
من حين لآخر، تطلّ علينا وسائل الإعلام، المرئية منها والمسموعة والمقروءة، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، بأنباء، تنعى فيها، وفاة أحد الأئمة الأعلام، من علماء هذه الامة، فممّن تحضرني أسماؤهم السادة الافاضل: د. وهبة الزحيلي، الشيخ علي الطنطاوي، د. أحمد زيدان، الشيخ ابن باز، وغيرهم وغيرهم، من السادة، من أعلام هذه الدعوة، من المشايخ الذين كان لهم الحضور البارز، في نشر هذه الدعوة، وتعليم العلوم الشرعية، في الجامعة والجامع، في المؤسسة التربوية، أو من على شاشات التلفاز وغيرها.
أمّا في هذه المرة، وفي مساء يوم الجمعة الماضية، فقد نعت لنا وسائل الاعلام المختلفة، نبأ وفاة الداعية الإسلامي، الدكتور الشيخ محمد علي الصابوني رحمه الله ورضي عنه.
إن موت الشيخ الصابوني، العالم، ذكّرني بالمقولة التي تقول: إن موت أي عالم من علماء الأمة، بمثابة مصيبة من المصائب، التي تحلّ على المسلمين، أينما كانوا في كل زمان ومكان، كيف لا، فهؤلاء هم الفقهاء الذين جلوا وبيّنوا الأحكام لنا، نحن أبناء هذا الزمان، الذي نحن أحوج ما نكون فيه، إلى عالم فقيه يفقهنا، فيما جدّ واستجد، من قضايا ومسائل، في عالمنا المتجدد المعاصر.
نعم، موت العالِم مصيبة، تنزل على الأمّة، هذه حقيقة، فهمها بهذا المفهوم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذ يقول، إن موت ألف عابد، أهون من موت عالم، بصير بحلال الله وحرامه، وهذا القول صحيح، وقد أخذ به، من جاء بعده، من العلماء، كانت وجهة نظرهم في ذلك، أن العابد، إنما يعيش لنفسه وذاته، بعبادة لا يشاركه فيها أحد، كلنا يرقب العابد، ويحسده حسد غبطة، على ما وفّقه الله إليه، من عبادة، ثم، يعيش العابد لذاته، فإن أحسن أو اساء فله الخير إن أحسن وعليه الوزر إن أساء، بينما العالِم، يعيش خادمًا لغيره، فيخدمهم بعلمه، يسهر باحثًا ومجتهدًا، حتى يوصل لنا المعلومة الدّقيقة والصحيحة، بأمانة علمية متناهية، يبيّن فيها الحلال من الحرام، لذلك شرّفهم الله رب العالمين، ورفع من منزلتهم وشأنهم لما قال: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) وقال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء، لم يورّثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه، أخذ بحظ وافر”. إن أحسن
وأخيرًا وليس آخرا، رحل عنّا كوكب، من كوكبة علماء هذا العصر، رحل عنّا الشيخ الصابوني، الشيخ الجليل والذي أفنى زمنا طويلا من سحابة عمره، وهو في بوتقة القهر والتعذيب كانت خاتمتها، سنوات طوال قضاها مهاجرًا طريدا، من بلد إلى بلد، بعيدًا عن وطنه الأم.
رحل الشيخ، بعد أن ترك لنا، سجّلا حافلا، من الكتب والمؤلفات وفي مقدمتها كتاب – صفوة التفاسير – والذي فسّر فيه كتاب الله، مستعينًا بمن سبقه من خيرة كبار المفسرين، فكان تفسيره زبدة لها، واختزالا بلغة فهمها العامة والخاصة، خاطب فيها أهل هذا العصر بلغتهم، وعلى قدر عقولهم.
رحل عنا صاحب الفضيلة وترك لنا ميراثا قيّما، يزيد على خمسين كتابا والمئات من الحلقات التلفزيونية المسجلة. فرحم الله شيخنا ونرجو أن يكون من هؤلاء العلماء، الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وإن العالِم ليستغفر له من في السماوات والأرض، والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالِم، على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب”. رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته.