أخبار رئيسيةأخبار عاجلةشؤون إسرائيلية

“هآرتس”: بدون ضجيج وبعيدًا عن الأضواء.. مصر ترغب في توسيع نطاق تعاملاتها مع تل أبيب

نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية مقالًا للكاتب ديفيد روزنبرج، سلَّط فيه الضوء على رغبة مصر في تعزيز تعاملها مع إسرائيل، ولكن شريطة أن تجري هذه التعاملات في أجواءٍ هادئة بعيدة عن الصخب والضجيج.
ويستهل المحلل السياسي في الصحيفة العبرية مقاله بالإشارة إلى أن هناك دلالات كثيرة تعكسها حقيقة أن ستة أشهر فقط من العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة أثمرت أعمالًا تجارية وسياحية، أكبر بكثير مما أنتجته أربعة عقود من السلام مع مصر. وحتى قبل إقامة العلاقات الرسمية، كانت الشركات الإسرائيلية والإماراتية تتبادلان الحديث بالفعل، ومنذ ذلك الحين توالت الصفقات تَتْرى وبسرعة وبقوة في قطاعات عدة.
على سبيل المثال لا الحصر، مثل الأعمال المصرفية وتحلية المياه والتكنولوجيا الفائقة والطاقة والدفاع. وظهرت مطاعم «الكوشر» التي توافق التعاليم اليهودية في دبي، وحتى صالات الألعاب الرياضية التي تعلم أساليب رياضة الدفاع عن النفس «كراف ماجا» (من فنون القتال الإسرائيلية). وقبل قرارات الإغلاق المرتبطة بمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد، زار بالفعل حوالي 130 ألف إسرائيلي دولة الإمارات.

مصر وتل أبيب.. موقف مختلف
وتابع الكاتب: لم يحدث شيء من هذا القبيل في حالة مصر. ففي العام الماضي، كان حجم التبادل التجاري الثنائي 171 مليون دولار أمريكي فقط، أي أقل مما كان عليه حجم التجارة بين البلدين قبل عقد من الزمان. ويزور السياح الإسرائيليون سيناء المجاورة بأعداد هائلة رغبة في الاستمتاع بشواطئها، ولكن قليلًا منهم يزورون أماكن أخرى في مصر. وعلى الجانب الآخر، في 2019، حتى قبل أن تفرض جائحة كوفيد–19 قيودًا على السفر، زار 8 آلاف مصري فقط إسرائيل.
وأوضح الكاتب أن مصر تبنَّت تقليديًّا موقفًا مختلفًا تجاه السلام مع إسرائيل مقارنةً بالإمارات؛ فقد رغبت القاهرة في توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979؛ لأنها ضاقت ذرعًا بالحرب وأرادت استعادة سيناء. وفي المقابل، كانت القاهرة مستعدة لتبادل السفراء والتعاون في مجال الأمن، ولكنها لم تُشجِّع رسميًّا التجارة والسياحة بين البلدين، ناهيك عن التبادل الثقافي. لقد كان سلامًا مستقرًا، لكنه كان على مضض من الجانب المصري.

بداية تغيير
وأشار الكاتب إلى أن هناك علامات على أن الأمور بدأت تتغير. وظهرت تلك العلامات لبعض الوقت في قطاع الطاقة، فقد مضت إسرائيل ومصر قدمًا في إبرام صفقات بمليارات الدولارات لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر، سواء للسوق المحلية، أو لإعادة التصدير إلى أوروبا في نهاية المطاف.
وقد امتد نطاق التزام مصر بالشراكة في مجال الطاقة مع إسرائيل ليشمل تشكيل منظمة إقليمية في العام الماضي؛ لتعزيز تنمية الطاقة في شرق البحر المتوسط. وفي الشهر الماضي، أكَّدت القاهرة اهتمامها بالشراكة في مجال الطاقة عندما زار وزير الطاقة، طارق الملا، إسرائيل لدفع خطط رامية إلى مَدِّ خط أنابيب تحت البحر، يربط حقل «ليفياثان» في إسرائيل بمحطتي تسييل الغاز في مصر. وكانت هذه أول زيارة من نوعها لوزير مصري منذ خمسة أعوام.
ونوَّه الكاتب إلى أن المؤشرات على أن مصر تريد توسيع الروابط الاقتصادية إلى ما هو أبعد من قطاع الطاقة؛ أضعف لكنها مشجِّعة. وكان الربط الجوي بين القاهرة وتل أبيب أحد المؤشرات الرمزية على الجهود التقليدية التي تبذلها مصر لتنأى بنفسها عن إسرائيل.
وعلى مدى عقود، كانت القاهرة تُسيِّر رحلاتها إلى إسرائيل عبر شركة طيران واحدة مخصصة لهذا الغرض تدعى «طيران سيناء»، بدلًا من أن تكون تحت مظلة شركة مصر للطيران، شركة الطيران الرسمية التابعة للدولة. ولكن في وقت سابق من هذا الشهر، قدَّمت شركة مصر للطيران طلبًا إلى إسرائيل لتسيير الرحلات باسمها.

والتقى وزير المخابرات الإسرائيلي، إيلي كوهين، الأسبوع الماضي نظيره المصري ناصر فهمي، نائب رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، في منتجع شرم الشيخ بسيناء، وكان جدول الأعمال هو المحور المعتاد للروابط الثنائية، وتحديدًا الأمن. لكن الوزيرين جاءا برفقة وفود من رجال الأعمال، ضمَّت 60 شخصية، وقد وُصِف هذا التجمع بأنه أكبر تجمع من نوعه منذ 20 عامًا.

محفزات التوجه الجديد
وتطرق الكاتب إلى ما وراء هذا التوجُّه المصري الجديد للتعامل مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن هذا الاستعداد قد يعود جزئيًّا إلى رغبة مصر في أن تُظهر لإدارة بايدن، أنها الصديق الوفي لإسرائيل، وبهذا ربما تغض واشنطن الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر. لكن السبب الجوهري في هذا التحول يكمن في الشرق وليس الغرب.
وأوضح الكاتب أن التطبيع مع الإمارات والبحرين والمغرب فتح فصلًا جديدًا في العلاقات الإسرائيلية العربية؛ فهذه الدول لم تكتفِ بالانخراط متأففةً في سلام بارد مع إسرائيل، لكنها تطمح بدرجة أو بأخرى إلى روابط أوسع، لا سيما في مجال الأعمال التجارية والتكنولوجيا المتقدمة. لكن مصر تخاطر بتهميش نفسها من خلال الاقتصار على سلامها البارد، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى التعامل مع شركاء أكثر استعدادًا للانخراط معها. وإذا قرر السعوديون ذات يوم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن مصر قد تجد نفسها مهمشة بالكامل.
وتُشكل الصداقة الناشئة بين إسرائيل والإمارات بالفعل تهديدًا لعائدات قناة السويس المصرية من خلال صفقة محتملة لشحن المنتجات النفطية الإماراتية عبر خط أنابيب إسرائيلي.

عائق كبير
وأردف الكاتب أن مصر تدخل حلبة المنافسة على الأعمال الإسرائيلية في وجود عائق كبير. وقد تجلَّى ذلك في اجتماع كوهين-فهمي في الشهر الماضي: بناءً على طلب مصر، كانت التغطية الإعلامية لهذا الحدث ضئيلة. وحدث الشيء ذاته أثناء زيارة الملا؛ إذ أصدر مكتبه إعلانًا عن لقائه القادة الإسرائيليين، لكن البيان تجاهل ذكر وجوده في إسرائيل.
وبحسب الكاتب، فإن مصر تبعث برسالة مزدوجة: فمن جهة ترغب في المزيد من الأعمال التجارية مع إسرائيل، ومن جهة أخرى ترى ضرورة أن تكون تلك الأعمال دون ضجيج وألا تخضع للرقابة الإعلامية. ويعتقد الكاتب أن القاهرة تواجه مشكلة في أن عامة الشعب المصري، وخاصة طبقة الثرثارين، ما زال معاديًّا لإسرائيل بشدة. وحتى الآن، يبدو أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليس مستعدًا لمعارضة هذا التوجُّه، رغم أن نظامه يفرض الرقابة منتشيًا، ولكن عندما يرغب في ذلك فحسب.
وبالنسبة لصفقات الطاقة، فإن سياسة الوجهين التي تنتهجها مصر لا تشكل لها كثيرًا من العقبات؛ فهناك عدد قليل من شركات الطاقة الكبرى توقع اتفاقيات وتُشيد البنية التحتية دون الحاجة إلى مشاركة الجمهور. ولكن بالنسبة لنوع الروابط التجارية العميقة والمتعددة الأوجه التي تعكف إسرائيل على تطويرها مع الإمارات، يستلزم ذلك المشاركة والانخراط من الجميع: رجال الأعمال يتفاوضون على الصفقات، ومسؤولون حكوميون يوافقون عليها، ووسائل إعلام تمتدِحها أو تنتقدها، وعمال يُنجزونها. ومن المستحيل تخيل حدوث ذلك في مصر اليوم، بحسب ما يختم به الكاتب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى