الدكتور عُمر الجَيُّوسي مُسْتَشْعِراً نبضَ شيخِ الأقصى رائد صلاح!
بقلم: مروان مُحمَّد الخطيب
للشِّعْرِ في قاموسِ المُجاهدينَ، أبجديَّةُ الجُلَّنارِ، وقافيةُ زهرةِ اللَّوزِ، وموسيقا النَّبضِ الوَقورِ والدَّمِ المُصَّاعدِ إلى عَنانِ المَلَكُوتِ وظِلالِ الماوراء!.
ولهُ في مِدادِ ابنِ أمِّ الفحم الخالدة، شيخِ الأقصى المُجاهِدِ رائد صلاح، فلسفةُ الحَنُّونِ والأُرجوان، وتلكَ العتباتُ العليَّةُ الشَّاهقةُ في عُروجِها إلى المقام الأندى والأعلى، حيثُ معتركُ الامتلاءِ والاحتدامِ النًّورانيِّ لِجَنَّةِ الأولياءِ وفِردوسِ الشُّهداء!.
وللدكتور عُمر الجَيُّوسي في تقديمِهِ أشعار المُجاهِدِ الشَّاعر رائد صلاح، لغتُهُ التي تجاوزتْ فنَّ النَّثيرةِ إلى رُوحِ الشِّعرِ وكُنْهِه الخَلوبِ الآسر… فهوَ يمتشقُ حُروفَهُ عطيرةً بالنَّبضِ السَّخيِّ، وَيُترجمُ رؤاهُ خميلةً مُعَتَّقةً بالحُلمِ الكثيفِ الدائرِ نحو بوتقةِ الاندماج وفسحةِ الاندغام، وإذَّاكَ تحتملُ العِبارةُ لديه ما يحتملُهُ قصيدُ الشَّاعرِ في انسراحِهِ وتَجوالِهِ بينَ عزفِ الفؤادِ ورحابةِ الفكرة!.
لِننظرْ إلى قول صاحبِنا في شِعر شيخ الأقصى رائد صلاح: ” ولأنَّ شِعْرَهُ شرفُ قلم، وشُرفاتُ ألم، تُطِلُّ على مشهدِ القُدسِ، يكونُ شِعرُهُ موقفاً سياسياً أحياناً، وفيلقَ شهداء أحياناً، وأحياناً تكونُ كِتابتُهُ كَتيبةً، ويكونُ حرفُهُ حرباً”.
إنَّ المُدقِّقَ في الذي أشارَ إليه الدكتور الجيوسي من مفرداتٍ تذكرُ الألمَ والقدسَ والشِّعرَ والسياسةَ والشَّرفَ، لا بُدَّ أن يأخدَهُ هذا الحقلُ المُعجميُّ إلى حقلٍ فكريٍّ نابتٍ في ظلالِ شِعريَّةٍ نبَّاضةٍ بالصَّفاءِ والصِّدقِ والإباء، ولسانُ حالِها يقول: إنَّ الأدبَ الرفيعَ هو مُعادِلٌ طبيعيٌّ للدَّمِ والشَّهادةِ، وإنَّ القُدسَ بوصلةُ المبدعين والمجاهدينَ والمناضلين، فمن يحفظِ القُدسَ يحفظْ فلسطينَ، ومن يُفرِّطْ بها، يبعْ فلسطينَ للأعداء والمغتصبين. هو ذا عمقق الموقف السياسيِّ الذي تحتمله عبارةُ صاحبنا المكتنزة بصدقِ الشاعرية وبِشرفِ الكلمةِ والفكرة!.
ولعلَّ المُدقِّقَ في تقديم الدكتور الجَيُّوسي لشعر المجاهد الكبير رائد صلاح، يرى أيضاً رؤيا نقدية على جانب كبيرٍ من العُمقِ والحَذقِ والفِطنة. يقولُ الدكتور عُمر:” الشِّعرُ المنبري الذي انبرى فيه الشاعر رائد صلاح للدفاع عن ربيعِ القدس، لا يتكئ على الحداثة، ولا يقبلُ التعديلات الوراثية في الصورة الشعرية… يتجهُ إلى الجوهر بمباشرةٍ خطابيةٍ لمُستمعٍ صاحبِ قضية، لا وقتَ فيها لتضييع الوقت”.
وكأنِّي بالدكتور عمر الجَيُّوسي يتبنى مقولةَ الشاعر والفقيه البغدادي جميل صدقي الزهاوي:
” لقدْ قرضَ الشِّعرَ الكثيرون في الوَرى
وأكثرُهُ ما فيهِ رُوْحٌ ولا فِكْرُ
إذا الشِّعرُ لَمْ يَهززْكَ حينَ سماعِهِ
فليسَ خليقاً أنْ يُقالَ لَهُ شِعْرُ “.
إِنَّهُ الانتصارُ للفكرةِ في الإبداع، بل إنه الانحيازُ إلى التفاعليَّةِ التشاركيَّةِ بينَ الشاعر المبدع، وبينَ الناسِ والمتلقين، فقيمةُ الإبداع والشعر الملتزم، أن يحمل هموم الناسِ وقضاياهم، وأن ينتصرَ بنبضِهِ وإيقاعٍهِ لقضايا أهليه، ولو جاءَ ذلك على حساب رحابةِ القيمة التخييلية للعبارةِ الشعريَّة، فقيمةُ الالتزام والانتصارِ للفكرةِ، أولى من القيمةِ الفنية البحتة، لأنَّ الغايةَ العليا للشعر والإبداعِ والفن، هي أنْ نسموَ بالإنسان إلى مصافِّ ارتقاء إنسانيته، لا أنْ ننحدرَ به إلى الهبوط نحوَ الأوحال الأخرى القاتلة والفتاكة!. ومن هنا ننظرُ إلى مقولةِ الشاعر الفيلسوف (والت وايتمان)، والتي فحواها: “إنَّ دليلَ شاعريَّةِ الشَّاعرِ أنْ تَتَشَبَّعَ بلادُهُ بحُبِّهِ تَشَبُّعَهُ بِحُبِّها”، هذه المقولة الواردةُ في متنِ تقديم الجَيُّوسي لأشعارِ شيخ أقصانا رائد صلاح، إنَّما تؤكِّدُ على عُمقِ ونورانيَّةِ ما ذهبنا إليه من بيان جوهرةِ الالتزام الأدبيِّ كقيمةٍ عليا للشِّعر الذي باح به صلاح للأقصى وفلسطينَ، وسلَّطَ الضوءَ عليه الدكتور عُمر، مُبرِزَاً تلك الجماليَّةَ في كونِ الشِّعر يُنبضُ به لفكرةِ الانتصار الآتي، ولا يُنحتُ في إيقاعِ المُجاهدينَ والمناضلينَ من أَجلِ جماليَّةِ الصُّورةِ ومشهديَّتِها بعيداً عن القيمةِ الفكريَّةِ الكفاحيَّة!.
وبعدُ… بوسعي أن أزعمَ ملءَ الخاطرِ والفكر، بأن أخانا المُثقفَ النجيبَ والأريب، الدكتور عُمر الجَيُّوسي، كان في تقديمِهِ أشعار شيخ الأقصى الشاعر المجاهد رائد صلاح، كانَ شاعراً في حضرةِ النَّثر، وناقداً في مراقي الشِّعر، وكان موفقاً في هاتيك السَّحابتين الهاطلتين فوقَ فلسطينَ والقدسِ أملاٍ حتمياً بانتصارٍ آتٍ وأكيد، بإذن الله تعالى، الواحدِ الأحد المجيد….!.