هل صدق من قال: ليست القدس لمن سكنها… لكن القدس لمن سكنت في قلبه ووجدانه؟
محمد عبد أبو شقرة
الدروس والعبر، المستفادة من حادثة الإسراء والمعراج، كثيرة وما أكثرها، ولعل أول هذه الدروس، ما جاء جليا واضحًا ومستفادًا، من قوله تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير)، فالمسجد الحرام والمسجد الأقصى، توأمان سياميان، بجسد واحد، وقلب واحد، وروح واحدة، فالتقصير في حق أحدهما، إنما هو تقصير في حق الثاني.
هذه حقيقة، يجب أن تبقى مترسخة في وجدان وعقيدة كل مسلم، وبغض النظر عن مكان تواجده، أو سكناه، في مكة، أو في المدينة المنورة، في فلسطين أو في الصين، في السند أو في الهند، فالأقصى، ينتمي الى كل من ينتمي إليه، فالارتباط والانتماء إليه، ما كان ألا ارتباطا وجدانيا تعبديا، كيف لا! فهو ثاني مسجد أقيم لله على هذه الأرض بعد المسجد الحرام، وقد كان قبلة للمسلمين ثلاثا من السنين في مكة قبل الهجرة، وستة عشر شهرًا بعد الهجرة الى المدينة المنورة، صلاها المسلمون وهم يأتمون برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذلك تكون القدس ثالث مدينة معظمة ومقدسة بعد مكة والمدينة، فلها خصوصيتها، كخصوصيتهما، بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: (لا تشدّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى).
ونحن إذ نتعامل، وننظر لحادثة الاسراء والمعراج، كنظرتنا لمعجزة ربانية باهرة، علينا أن نتذكر، أن الله بقدرته وإرادته، كان من الممكن أن يعرج بنبيه مباشرة من مكة إلى سدرة المنتهى في السماوات العلا، إلا أن هذا لم يحصل أبدا، فقد أرادها الله، رحلة ربانية، من مكة الى بيت المقدس، حتى يلتقي نبيه هناك، مع كل من سبقه من النبيين والمرسلين، من آدم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
هنا، وفي هذه البقعة المباركة، صلى بهم المصطفى خاتم النبيين إماما، فكان لهذا اللقاء الايماني، وبتلك الإمامة، رسالة لنا ولغيرنا، رسالة حملت بكلماتها ومن بين سطورها وطياتها، أن قيادة البشرية على وجه هذه الأرض، قد تحوّلت وتبدّلت، من القيادات الخاصة لكل أمة، ولكل نبي، إلى قيادة عالمية عامة موحدة، تحت لواء واحد، ونبي واحد، حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أقرّه الله في كتابه لما قال: (وإن هذه أمتكم أمة واحدة وانا ربكم فاعبدون) وقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
وأخيرا، عزيزي القارئ: …..هل توافقني الرأي، في صدق، قول القائل: “ليست القدس لمن سكنها، ولكن القدس لمن سكنت قلبه ووجدانه”.