ما حقيقة التعاون السعودي التركي في اليمن.. هل سيغير المشهد؟
لم تكن اللهجة التركية ناعمة في السبع سنوات الماضية كما هي الآن، والمتابع لتصريحات الساسة الأتراك يدرك أن النبرة قد تغيرت وباتت تصالحية، فيما يبدو أنها محاولة لتصفير المشكلات مع الدول العربية وخاصة السعودية ومصر.
فقد شهدت العلاقات التركية مع بعض من أهم الأنظمة العربية تذبذبًا وصل إلى الحضيض مع مصر بعد أحداث 3 يوليو (تموز) 2013 في مصر، وكذلك الأمر مع السعودية بعد اغتيال جمال خاشقجي في السفارة السعودية بإسطنبول عام 2018، بينما العلاقات مع الإمارات اتجهت للانحدار في يونيو (حزيران) 2017 بعد حصار قطر، فيما شهدت العلاقات التركية مع باقي الدول العربية نوعًا من الاستقرار.
والآن بدأت العلاقات تعود تدريجيًّا بين المتخاصمين، ربما لن تكون كسابق عهدها، ولكنها بالتأكيد ستكون أفضل مما كانت عليه في السنوات الأخيرة الماضية. بعد هذا التقارب الواضح، خاصة السعودي التركي، هل سنشهد دعمًا تركيًّا للحرب في اليمن عنوانه «طائرات البيرقدار» والمقاتلون السوريون كما يتحدث البعض؟ أم أن الحديث عن ذلك ما يزال مبكرًا خاصة أن تطور العلاقات ما يزال في بدايته؟ ومن هنا في هذا التقرير سنحاول رصد التطورات وتحليلها للخروج برؤية تحاول تصور ما ستكون عليه الصورة الكاملة.
«تركيا تنتقد صواريخ الحوثي».. صفحة جديدة في الملف السعودي التركي
نشرت وكالة الأناضول الناطقة باسم الحكومة التركية تقريرًا لها تحت عنوان «مؤشرات على تقارب تركي عربي»، وأكدت أنه منذ فبراير (شباط) الماضي، توالت التحركات والتصريحات التي توحي بأن منطقة الشرق الأوسط ربما تكون مقبلة على تقارب بين تركيا وقطر من جهة، والسعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، في ظل إعلان المصالحة الخليجية.
وفي تقرير آخر لوكالة «بلومبرج» الأمريكية قبل شهر تقريبًا، قال إن «الإمارات والسعودية تدرسان إمكانية السعي إلى إقامة علاقات أفضل مع تركيا، بما يفيد التجارة والأمن في المنطقة»، وعلى ما يبدو أن الطريق بات معبدًا لعودة العلاقات بشكل أفضل وأسرع، خاصة أن الأطراف ترسل رسائل إيجابية متبادلة، تهدف لنزع فتيل الأزمات السابقة.
بينما أعرب السفير التركي لدى قطر، محمد مصطفى كوكصو، عن أمنياته بوجود علاقات جيدة بين أنقرة والرياض بوصفهما «دولتين مهمتين في المنطقة والعالم»، كما أبدى تفاؤله بتحسن العلاقات مع مصر. يقول «محمد أمين» الباحث التركي في منتدى الشرق، إنه «بعد أن تولى جو بايدن منصبه في الولايات المتحدة، شعرت السعودية بالحاجة إلى تغيير مسار سياستها الإقليمية، كما أن تركيا هي الأخرى تتكيف مع هذا الواقع الجديد وتحاول إصلاح العلاقات مع أمريكا وأوروبا وأيضًا منافسيها الإقليميين».
يضيف أمين في حديث لـ«ساسة بوست» أن «الرسائل الدافئة بين الرياض وأنقرة ازدادت في الآونة الأخيرة، بل إن تركيا أصدرت بيانًا حول هجمات الحوثيين الأخيرة على الأراضي السعودية، وعبرت عن قلقلها من هذه الهجمات وطالبت بوقف الهجمات على الفور».
كل هذه التصريحات تصب في صالح عودة العلاقات بين الأطراف بسرعة، وقد نشهد تطورات لاحقة في التعاون العسكري بين الرياض وأنقرة، خاصة أن هناك مطالبات محلية من قبل قيادات في قوات الحكومة الشرعية بالسماح للتدخل التركي في اليمن.
لكن هل تتدخل تركيا فعلًا في اليمن مع السعودية؟
تواصلنا في «ساسة بوست» مع أحد أعضاء التجمع اليمني للإصلاح، والذي رفض الكشف عن اسمه، وأكد أن هناك تقاربًا سعوديًّا تركيًّا بخصوص اليمن، ولكنه ما يزال في بدايته، متوقعًا أن يشهد هذا التقارب تطورًا متسارعًا في العلاقات، قد يصل في الأسابيع القادمة وربما الأيام، من ناحية الدعم العسكري.
كما ويوجد في تركيا العديد من القيادات اليمنية السياسية وأيضًا العسكرية من بينهم «حمود المخلافي»، أحد أهم القيادات العسكرية، والذي غادر إلى تركيا بسبب ضغوطات من قبل الإمارات كونه أحد رجال حزب الإصلاح الذي يوصف بأنه يتبع لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن ما تزال قواته ومعسكراته التابعة له في تعز، هذا بالإضافة لعدد من القيادات السياسية المهمة، مثل توكل كرمان، والكثير من الناشطين والإعلاميين اليمنيين.
فمن الممكن أن تستخدم تركيا هذه الورقة خاصة أن من بين هؤلاء اليمنيين من يطالب بضرورة التدخل التركي لوقف تمدد الحوثي، فقد تمكنت القوة العسكرية التركية من إثبات جدارتها في سوريا وليبيا وأيضًا في ناجورنو كاراباخ.
وعن موقف السعودية في ظل استهداف مدنها ومطاراتها ومنشآتها النفطية من قبل جماعة الحوثي، قال الباحث بمركز الجزيرة للدراسات «لقاء مكي» في لقاء متلفز في برنامج «ما وراء الخبر» على قناة الجزيرة أن السعودية أدركت أن الكمون العسكري وانتظار الحل الأمريكي أعطى الحوثي ضوءًا أخضر لتكثيف هجماته على المدن السعودية، واعتبر أن القصف السعودي الذي يستهدف جماعة الحوثي في مأرب لن يحسم المعركة.
وهنا ربما تعلم السعودية أن الحسم العسكري على الأقل في مأرب، ووقف الهجمات على مدنها من الصعوبة بمكان، خاصة مع تقييد أمريكا للدعم الاستخباري والاستشاري التكتيكي المحدود للعمليات التي يشنها التحالف العربي في اليمن، ولحل هذه المعضلة قد تتجه الرياض لأنقرة من أجل طائرات بيرقدار، وليس هذا فقط، بل قد تحتاج الرياض لمقاتلين لحماية حدودها الجنوبية.
مقاتلون سوريون إلى حدود السعودية
حصلنا من مصدر خاص – ناشط إعلامي سوري – على تسجيل لشخص مجهول، يقول المصدر الذي أعطانا تسجيله إنه من فصيل عسكري داخل سوريا وأعطانا اسمه أيضًا، ومن الواضح أن لهجته من مناطق سوريا الشرقية، يتحدث فيه عن نية لإرسال مقاتلين سوريين لحماية الحدود السعودية، مؤكدًا أن هؤلاء المقاتلين سيتبعون للاستخبارات التركية بشكل مباشر ولا يتبعون لأي فصيل.
ويشرح الشخص في التسجيل شروط قبول المقاتلين والمميزات التي سيحصلون عليها، مؤكدًا أنهم بحاجة لمقاتلين متمرسين، حيث سيُنقلون إلى الرياض، ومن ثم إلى معسكرات تدريبية وتأهيلية لمدة 15 يومًا، وبعدها سيجري نقلهم إلى الحدود لحمايتها.
كما يؤكد أن راتب المقاتل الشهري سيكون 2500 دولار والعقد الموقع ستكون مدته ستة أشهر فقط، وعند عودة المقاتل سالمًا إلى سوريا سيجري توظيفه ضمن الفصائل المقاتلة السورية إذا لم يجد عملًا مناسبًا له.
بالطبع هذا التسجيل وحده لا يعد دليلًا على شيء، لكننا تواصلنا مع عدد من الناشطين السوريين لنرى إن كان هناك شواهد أخرى تؤكد صحة التسجيل؛ إذ أكدوا أن هناك مقرًّا يتبع لأحد فصائل الجيش الوطني في مدينة عفرين شمال حلب تسجل أسماء الراغبين بالذهاب إلى السعودية، ولكنهم أكدوا أن الموضوع ما يزال ضبابيًّا، ولم يغادر أي مقاتل بعد من سوريا متجهًا إلى الرياض، وعدَّ بعضهم أن ما تقوم به هذه الجهات هي سمسرة، في حال طلبت تركيا مقاتلين بحيث تكون قوائم المقاتلين جاهزة لذلك.
ولعل الرغبة السعودية في جلب مقاتلين سوريين لحماية حدودها للحد من الخسائر البشرية المتواصلة لجنودها في العمليات العسكرية التي تشنها جماعة الحوثيين داخل الأراضي السعودية موجودة بالفعل؛ إذ تعلن الجماعة باستمرار أنها نفذت هجمات وأدت لمقتل وجرح عدد من الجنود.
ويشير «محمد أمين»، الباحث التركي، إلى أن «شخصيات سورية معارضة ومقربة من الأتراك كانوا قد لمحوا عن الحاجة إلى تكتل تركي سعودي لمواجهة إيران في سياق هجمات الحوثيين على الأراضي السعودية»، وهو ربما ما قد يعني أن هناك نية حقيقية لإرسال مقاتلين سوريين إلى السعودية.
الحوثي يسقط طائرة تركية!
أعلنت جماعة الحوثي يوم 9 مارس (آذار) 2021 تمكنها من إسقاط طائرة استطلاع تركية من نوع «كاريال» في محافظة الجوف، ونشرت صورًا للطائرة، وبالعودة للمصادر المفتوحة على الإنترنت يتضح صحة ذلك، وأن الطائرة تركية فعلًا، ولكن ليس كما روج البعض بسرعة أن التدخل التركي قد بدأ فعلًا، فما يزال للقصة بقية.
الطائرة التي أسقطها الحوثيون من نوع «Vestel Karayel-SU»، وهي موجودة ضمن سلاح الجو السعودي، وذلك بعد توقيع شركة الإلكترونيات المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع السعودية في عام 2017 اتفاقية لتصنيع الأنظمة الإلكترونية لطائرة «Karayel UAV» حيث سيجري نقل تصنيع الأجزاء الإلكترونية وصيانة «Karayel» إلى الشركة السعودية.
وبموجب هذه الاتفاقية فقد أعلنت الشركة السعودية أنها تملك جميع حقوق البيع والتسويق لهذه الطائرات، وأعلنت في عام 2020 أنها استثمرت مبلغًا يقدر بـ200 مليون دولار، وسيجري تخصيص أراضي ومناطق لتطوير أنظمة الطائرة الجوية المذكورة.
ومن هنا يمكن البناء على أن الاتفاق بين أنقرة والرياض ممكن، بخصوص حصول الأخيرة على طائرات بيرقدار. يقول الباحث التركي محمد أمين لـ«ساسة بوست»: «إن طائرات بيرقدار بعد النجاح الكبير الذي حققته جذبت السعودية بالتأكيد».
ويضيف: «أنفقت الرياض مليارات الدولارات في حرب اليمن، ومع ذلك لم تستطع منع الحوثيين من الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية، ولا وقف الهجمات على أراضيها، وبالتالي قد تكون الرياض مهتمة بالحصول على الطائرات التركية بدون طيار».
واستدرك بالقول إنه «من المبكر جدًّا الحديث عن تكتل سعودي تركي في اليمن، إذ إنه ليس لدينا مؤشرات كافية لمثل هذا التكتل، رغم أن البلدين يحاولان تجاوز مشكلاتهما، ولكن إذا شاركت تركيا في الحرب في اليمن من خلال قدراتها المسلحة بطائرات بدون طيار، فقد يكون ذلك في مصلحة السعودية».