احتجاجات لبنان.. منحى تصاعدي وتحذيرات من “فوضى”
بمنحى تصاعدي، دخل لبنان الأسبوع الثاني من الاحتجاجات الشعبية، وعاد زخم الشارع إلى ما كان عليه في بداية انتفاضة “17 أكتوبر/تشرين الأول” 2019.
فقد أشعلت ضريبة مرتقبة تم الإعلان عنها في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 احتجاجات شعبيّة عارمة أرغمت سعد الحريري على تقديم استقالة حكومته في 29 من الشهر ذاته، قبل أن تتواصل لأشهر.
لكن اليوم، فإن هذه التحركات ترافقها تحذيرات من انفجار اجتماعي وانفلات أمني، فيما يواجه الحريري، الذي عاد للواجهة من جديد، عقبات تعرقل منذ أشهر تشكل حكومة جديدة.
ويبدو، وفق مراقبين، أنه لا وجود في الأفق القريب لأي حل للأزمة السياسية والاقتصادية، بينما المعاناة المعيشية تتوسع لتطال شرائح أوسع من اللبنانيين؛ ما قد ينذر باستمرار الاحتجاجات وأعمال قطع الطرقات التي بدأت الإثنين.
وأمام هذا الواقع تخوف برلمانيون وخبراء من انزلاق البلاد نحو فوضى شاملة في ظل غياب المعالجة، كما ألمح بعضهم إلى أن أحزابا سياسية تستغل غضب الناس لتمرير أجنداتها.
والإثنين، تظاهر مئات اللبنانيين في بيروت وعدة مدن، لليوم السادس على التوالي، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية وتدهور سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع الأسعار، إذ تخطى سعر صرف الدولار الواحد 10 آلاف ليرة في السوق الموازية (السوداء)، بينما سعره الرسمي 1510 ليرات.
وفيما أوصال البلاد كانت لا تزال مقطعة بفعل الاحتجاجات الغاضبة، اجتمع قائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون، بكبار الضباط، وأطلق جرس إنذار، تضمن تحذيرا للسياسيين من جهة، وتأييدا للمطالب المعيشية من جهة أخرى.
وتوجه العماد عون في حديثه للمسؤولين اللبنانيين، متسائلا: “إلى أين نحن ذاهبون؟ ماذا تنوون أن تفعلوا.. لقد حذّرنا أكثر من مرّة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره”.
وكان بارزا في كلام العماد عون قوله إن “العسكريين يعانون ويجوعون مثل الشعب”، وذلك في إطار انتقاده تخفيض موازنة الجيش عاما بعد آخر.
الجيش لن يكون طرفا
ومعلقا على كلام قائد الجيش الذي وصفه بأنه “بعيد عن أي اصطفاف سياسي”، قال النائب عن “الحزب الاشتراكي”، بلال عبد الله، في حديث صحفي، إنها “رسالة واضحة إلى كل السلطة السياسية أن الجيش لن يكون طرفا في أي صراعٍ مع الناس، وأنه سيكون حاميا لاستقرار البلد”.
وفيما يجزم عبد الله بأن “الشعب وصل مرحلة معاناة غير مسبوقة”، لكنه لا يستبعد أن تكون الاحتجاجات “تحمل رسائل متعددة الأوجه من بعض الأحزاب السياسية من بينها حث المعنيين على الإسراع في تشكيل الحكومة”.
ودعا عبد الله من هم في موقع القرار إلى “تسهيل مهمة تأليف الحكومة، وعدم التشبث بالمطالب السياسية”، مضيفا أن “الإنقاذ الاجتماعي الاقتصادي هو الأهم اليوم، بانتظار التسوية الإقليمية والدولية”.
وجراء خلافات بين القوى السياسية، لم يتمكن لبنان حتى الآن من تشكيل حكومة جديدة، منذ استقالة حكومة دياب في 10 أغسطس/آب 2020، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.
أحزاب سياسية تستغل غضب الناس
وبدوره، أكد آلان عون، النائب عن “التيار الوطني الحر” (حزب رئيس الجمهورية)، أن هناك “امتعاضا شعبيا كبيرا جراء الانهيار المالي والاجتماعي”.
لكن عون أشار، في حديث صحفي، إلى “دور أساسي لأحزاب سياسية معارضة” (لم يذكرها) في التحركات الأخيرة بالشارع، وهي “أحزاب ترفع علنا مطالب سياسية كاستقالة رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة”.
ومحذرا من الوصول إلى الفوضى الشاملة، لفت عون إلى أن “عدم تشكيل الحكومة، واستمرار تدهور سعر صرف الليرة، وغياب تدابير إنقاذية، كل ذلك يأخذ البلد نحو المجهول”.
ونوّه عون إلى أن كلام قائد الجيش “اتسمّ بنبرة قاسية تجاه السياسيين”، كما رأى أنه يحمل أيضا في جزئه الآخر “انخراطا أكبر للجيش في المرحلة السياسية المقبلة، وما تحمله من تحدّيات واستحقاقات”.
نظرة غير متفائلة
أما النائب محمد نصر الله، عن كتلة “حركة أمل” التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، فرأى أن “استمرار التعنت في إدارة الشأن السياسي والعجز عن تشكيل الحكومة ومعالجة الأزمة الاقتصادية أدى إلى فلتان الشارع”.
“ليست ثورة وإنما فوضى”.. بهذه الكلمات تخوّف نصر الله، في حديث صحفي معه، في حال استمر تدهور الوضع، ولم يخف “عدم تفاؤله بمعالجة قريبة”، ورأى أن “الأمور ستتدحرج إلى مزيد من المتاعب في حال عدم المعالجة”.
وأشار إلى أن “كلام قائد الجيش يتناسب مع الواقع الحالي ويحاكي طبيعة المرحلة التي نمر فيها”.
ووسط استقطاب حاد، يمر لبنان بأزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990).
بانتظار التسوية السياسية
المحلل السياسي أمين قمورية، أشار إلى أن “ثمة غضبا حقيقيا في الشارع”، لكن يبدو أن “هناك قوى سياسية (لم يذكرها) تسعى إلى استثمار الغضب الشعبي؛ للنيل من بعضها البعض، وتمرير أجندات خاصة مرتبطة إلى حد كبير بالمحاور الخارجية”.
وتوقع قمورية، في حديث معه أن تشتد وتيرة الاحتجاجات والتحركات في الشارع، و”قد تأخذ منحى أمنيا، أو انفجارا اجتماعيا، في ظل تفاقم الأوضاع، وانسداد الأفق السياسي، وعدم تأليف حكومة”.
ولفت إلى أن كلمة قائد الجيش “حملت رسائل قوية، تجاه الطبقة السياسية التي تجاهلت مسؤولياتها في تدهور الأحوال المعيشية”، كما أنها رسالة إلى الناس “بأن الجيش حامي الشعب، ما يكسبه شعبية ويشجع الحراك الشعبي على المواصلة”.
وقبل كلمة قائد الجيش، الإثنين، كان الرئيس ميشال عون قد طلب، خلال اجتماع مالي-أمني، من الأجهزة الأمنية والعسكرية أن “تقوم بواجباتها كاملة وتطبق القوانين دون تردد”، في ظل قطع الطرقات، معتبرا أن الأمر “تجاوز مجرد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظم”.
من جهته، رأى العميد المتقاعد جورج نادر، وهو أحد ناشطي انتفاضة “17 تشرين” أن التطورات الأخيرة طبيعية؛ نتيجة “احتقان الناس وفشل السلطة في معالجة أي ملف من الملفات”.
وتوقع نادر، في حديث صحفي، استمرار تصاعد الاحتجاجات في الأيام المقبلة، مشيرا إلى أن كلام قائد الجيش “جاء حاسما ودستوريا ومتناغما مع صرخة الشعب، ونحن إلى جانبه”.