هل صدق فينا المثل القائل: كالمستجير من الرمضاء بالنار؟!
محمد عبد أبو شقرة
في موسوعتنا التراثية، ما يكفينا من الحِكم والامثال، ذات الوزن الثقيل، والتي تصلح لتطفو على السطح في مثل هذه الأيام المظلمة، حتى نستعين بها، لتسليط الضوء على حقيقة واقعنا الأليم الذي يحياه وسطنا العربي في هذه البلاد. إن الألم لم يبارحنا على إثر جرحنا النازف، منذ السنوات الأولى من هذا القرن ولا يزال هذا الألم حتى يومنا هذا.
وما الأمثال المتداولة على الالسنة، وتتلقاها الآذان، إلا بمثابة قواعد أساسية، اشبه ما تكون البوصلة الدقيقة، لمن ضلّ الطريق، فتأتيه هذه البوصلة، لتهديه الى السبيل الأمثل، وللمفتاح الأنسب للحل، حتى تخرجه مما هو فيه من تيه وضلال.
من منّا لا يشعر، بأننا نعيش في حاضر، قانون الغاب فيه هو المسيطر، بل هو سيد الموقف! ومن قال غير ذلك، فإنما يجانب ويخالف الصواب لا غير.
قانون الغاب، معناه سيطرة القوي على الضعيف، حيث يكون الازعر قاتلًا ومدمرًا وحارقًا، نعم هو قاتل الجسد، قاتل النفس، وقاتل الروح الطلائعية للمجتمع كله، بشتى الوسائل.
قانون الغاب معناه، الانحناء والخضوع والذل للذين يعيثون في الأرض فسادًا، أمّا السواد الأعظم فهو الصامت الابكم، الذي لا حول له ولا قوة.
ترى كم هي السنوات العجاف، التي مرّت علينا وبما حملته علينا من ويلات ومآسٍ، ولا زالت، ونحن ننادي بأعلى أصواتنا، من حناجر قد بُحت، أن الحل بيد الشرطة لا غير. فهل هذا الشعار هو الشعار الصحيح؟!
أنا لا أدري لماذا نسينا؟ أو تناسينا، أننا أصحاب تجربة عريقة مع الشرطة، هذه التجربة علّمتنا كيف تعاملت وتتعامل مع العنف الذي يخيم علينا، تلك التجربة التي أثبتت لنا أنّ الشرطة بالنسبة لنا ما كانت في يوم من الأيام جزءا من الحل، بل هي المشكلة بحد ذاتها، أنا شخصيًا إن كنت لأنسى فلا أنسى ذلك اليوم، والذي كان قبل أكثر من خمسين عاما، وبالتحديد في أواخر الستينات من القرن الماضي، يومها دخلت قوات مدجّجة من الشرطة وحرس الحدود، إلى بلدنا، فطوّقت بيتًا من بيوت الجيران، وقامت بتفتيش كل زاوية، بل كل جحر في ذلك البيت بحثًا عن مسدس، حتى أنها اضطرت لإنزال أحد عناصرها الى بئر المياه العادمة، (المجاري) وكأني بها، عملية إنزال عسكري، للحصول على قنبلة نووية موقوتة، وما هي إلا دقائق معدودة، وإذ بذلك الشرطي البطل، يخرج من البئر ملطخ الملابس، وهو يلوح بمسدس، يقطر بمياه عادمة من تلك البئر.
تلك الحادثة، والتي لا تزال راسخة في ذهني، أذكرها ، لأقارن بين بحثهم عن قطعة واحدة من السلاح، في تلك الأيام مقارنة مع إهمالهم، وعدم بحثهم عن السلاح المنتشر بعشرات الآلاف من القطع بين البلاد والعباد، بلا سائل ولا مسؤول، ولا باحث عنه، الكل منّا، رأى بأمّ عينيه كيف أن الشرطة ردّت ردها العنيف على من جاء، يتظاهر ويستنجد بها لإيقاف العنف وشلال الدم، الذي يمزقنا شر ممزق.
القراء الأعزاء، إننا نعيش في زمن الرسائل الخفية، والتي عادة ما تقرأ، من بين السطور، فمعالمها واضحة، ولعل في هجمة الشرطة المسعورة، على العشرات من إخواننا وأخواتنا، وفي مقدّمتهم أصحاب الحصانة: عضو الكنيست، د يوسف جبارين، ورئيس البلدية د سمير محاميد، خير دليل، على استهداف قياداتنا ففيه ما فيه، من رسائل بعثتها الشرطة، لحاجة في نفس يعقوب، وإلا فبماذا نفسّر هجمتهم علينا، يوم الجمعة الماضي، بسبب مظاهرة ضد العنف، يردون علينا بهذه الهمجية؟! وهذا ما يذكرنا بالمثل: (كالمستجير من الرمضاء بالنار). فما أحوجنا لهذ المثل حتى لا نحرث في البحر أو نبني قصورا في الهواء.