بمعدل 3 حالات كل ساعة.. فرنسا أمام موجة من الكشف عن الاغتصاب وسفاح القربى
في الأسابيع الأخيرة ازدادت اتهامات الاعتداء الجنسي في فرنسا ضد شخصيات مؤثرة في عالم السياسة والإعلام والفن، إذ أصبحت تهم التحرش والاغتصاب خبراً شبه يومي في وسائل الإعلام الفرنسية، لا يمر يوم من دون شكوى جديدة وفضيحة جديدة واستياء جديد، بل أصبحت القضايا تتصدر الجدل المجتمعي.
هذه المرة تعود قضايا الاغتصاب من بوابة الفن، بعد أن كشف مصدر قضائي فرنسي لرويترز أن الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو وُضع في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي رهن التحقيق الرسمي في اتهامات بالاغتصاب والعنف الجنسي.
تزامناً مع هذا النسق المتصاعد في هذه الأحداث تعلو الأصوات داخل المجتمع الفرنسي والأوروبي التي تتهم السلطات بالتقصير في حماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية، وتطالبها بسن قوانين أكثر صرامة تجاه ذلك، على الرغم من تورط بعض أعضاء الحكومة في مثل هذه القضايا.
3 حالات كل ساعة
على الرغم من حظر التجول والإجراءات الاحترازية بسبب كورونا التي أدت إلى تراجع معدلات الجريمة العام الماضي في فرنسا بشكل عام، فإن الإحصاءات الصادرة عن وزارة الداخلية مؤخراً تُظهر زيادة في العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب الذي زاد بنحو الثلث في العامين الماضيين.
تقرير وزارة الداخلية الفرنسية الذي نُشر آخر شهر يناير/كانون الأول الماضي يؤكد أن عدد حالات الاغتصاب المبلغ عنها والأعمال العنيفة المرتكبة في الأسر بالبلاد ارتفع خلال جائحة كورونا، إذ زادت حالات الاغتصاب في 2020 بنسبة 11% مقارنة بالعام السابق عليه.
يسجل التقرير أكثر من 24800 حالة اغتصاب بفرنسا في سنة، وهو ما يكشف حجم مشكلة العنف الجنسي هناك، إذ زاد عدد حالات الاغتصاب المسجلة بمقدار الثلث خلال عامين، من 18800 حادثة في 2018، وهو ما يعني أن متوسط حالات الاغتصاب اليومية يصل إلى أكثر من 67 حالة وهو ما يمثل ثلاث حالات اغتصاب كل ساعة.
تقول وزارة الداخلية الفرنسية إنه “يمكن تفسير الزيادة الكبيرة في العنف الجنسي المسجلة في السنوات الأخيرة بشكل خاص من خلال التغيير في سلوك الضحايا لتقديم الشكاوى، إذ أصبح المناخ ملائماً للكلام والحديث عن الاعتداءات”، وهو إقرار باطني بأن هذه الاعتداءات موجودة من سنوات طويلة إلا أن ضحاياها اختاروا الصمت لعدة أسباب.
كمثال على ذلك خضع وزير الداخلية الفرنسية جيرالد دارمانيان للتحقيق في شكوى تقدمت بها سيدة فرنسية تتهمه باغتصابها عام 2009، على الرغم من أنه مضى أكثر من عشر سنوات عن الحادثة إلا أن الضحية اختارت الكلام بعد هذه المدة بسبب المناخ المتوفر مجتمعياً تجاه هذه القضايا.
لكن حسب صحيفة لا كروا فإن السؤال الحاسم في فرنسا حالياً هو كيف يمكن أن تقف عمليات الاغتصاب؟ عشرات الاقتراحات المطروحة من دون تحرُّك من السلطات إلى الآن مما يجعل هذا المحور ذا أهمية انتخابية كبيرة.
العائلة الكبيرة.. سفاح القربى
هذه الأرقام التي تصفها وسائل الإعلام الفرنسية بالمروعة أكدتها كاميلا كوشنر في كتابها “العائلة الكبيرة”، وهي ابنة برنارد كوشنر الوزير السابق في الحكومة الفرنسية والمؤسس المشارك في منظمة أطباء بلاد حدود، ووالدتها إيفلين بيسييه الخبيرة الدستورية المشهورة.
أثار نشر الكتاب الشهر الماضي موجة جدل وانتقادات واستقالات متتالية، بعد فضح ممارسات لا أخلاقية لرجال سلطة فرنسيين اعتدوا جنسياً على قُصّر من عائلاتهم بدعوى أن “الحرية فوق كل شيء”.
إذ ذكرت وقائع اعتداء جنسي تَعرَّض لها شقيقها التوأم حينما كان قاصراً لم يتجاوز 13 عاماً، من أوليفييه دوهاميل الخبير الدستوري ورئيس مجلس إدارة جامعة “ساينس بو” المرموقة، والعضو السابق في البرلمان الأوروبي، الذي كان زوجاً لوالدة كاميلا حينما اعتدى على شقيقها جنسياً، وبعد صمت طويل أخبر الولد أمه بما حدث فعنّفته “واتهمته بإغواء زوجها” حسب صحيفة الغارديان.
وبعد نشر الكتاب بأيام استقال دوهاميل (70 عاماً) من جميع مناصبه ولم يُدلِ بأي تصريحات حول مزاعم الكتاب ضده، ثم أعلنت الشرطة الفرنسية فتح تحقيق حول “اغتصاب وانتهاك جنسي لشخص قاصر”، وأخذت أقوال شقيق كاميلا.
لاحقاً ثارت موجة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي شارك فيها آلاف الفرنسيين بقصصهم مع الاعتداء الجنسي و”سِفاح القربى”، تحت وسم MeTooInceste#، ثم توالت استقالات لشخصيات متنفذة من أصدقاء دوهاميل بينهم إليزابيث جيجو وزيرة العدل السابقة رئيسة لجنة تشرف على الاعتداءات على الأطفال.
ووفق استطلاع رأي لشركة IPSOS فإن واحداً من كل 10 فرنسيين تَعرَّض لاعتداء جنسي داخل الأسرة، 78% إناث و22% ذكور، وقد ارتفعت نسبة سفاح القربى إلى 10% عام 2020، أي نحو 7 ملايين ضحية.
الكاتبة كاميلا أرجعت الأزمة الأخلاقية المتزايدة في المجتمع الفرنسي إلى جيل الستينيات الذي دعا لانفتاح كلي في العلاقات الجنسية، وقدّم عريضة بتخفيض سن الرضا إلى 13 عاماً، كان من الموقعين عليها جان بول سارتر وميشيل فوكو وسيمون دو بوفوار.
ووصفت كاميلا ذلك بـ”الإرث الكارثي” الذي كان مَن يعترض عليه أو يحاول توضيح آثاره النفسية التدميرية يُتّهم بـ”الرجعية وضيق الأفق والعبودية”، مُلصِقاً صفة “التحرر” بكل تلك الممارسات المرعبة التي يدفع المجتمع الفرنسي ثمنها حتى اليوم.
(المصدر: تي آر تي عربي)