النقب في مهب الريح… “هجمة” الشتاء والبرد القارس تزيد معاناة الأهالي
أكثر من 100 ألف مواطن معرضون لأضرار الشتاء
أكثر من 100 ألف مواطن معرضون لأضرار الشتاء
بيوت من الصفيح ورعب متواصل من الصقيع
سلمان أبو عبيد
الشتاء والأمطار، خير وبركة على العباد والبلاد، غير أن هذا لا ينطبق بالضرورة على عشرات القرى والمضارب مسلوبة الاعتراف في النقب، وقد يتحوّل الشتاء، لا سيّما أيام عواصف البرد والثلج والرياح، إلى كابوس حقيقي يقضّ مضاجع الصامدين على أرضهم.
ولنا أن نتخيل حجم القلق والخوف الذي ينتاب الأطفال والكبار على حد سواء، حين تجتاح المنطقة موجات البرد القارس والرياح العاتية والأمطار الغزيرة أو حتى الثلوج المتراكمة.
وتبدأ هذه المعاناة من أصوات الرياح الشديدة، تلك التي تشعر ساكني بيوت الصفيح والخيام، أن بيوتهم عرضة للتطاير في كل لحظة، حينها يشعر الآباء بعجز عن فعل أي شي لتهدئة روع الأطفال الذين يسيطر عليهم الخوف والرعب، فضلا عن عجزهم على الوقوف أمام الأضرار الجسيمة جراء الأحوال الجوية الصعبة، فما عادت مئات البيوت قادرة على الصمود أمام الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة، الأمر الذي يحوّل الكثير من القرى والمضارب والتجمعات إلى أماكن محاصرة يطبق عليها الوحل من كل جانب.
انقطاع عن العالم الخارجي
أشد أنواع المعاناة ضراوة في فصل الشتاء على القرى والمضارب والتجمعات مسلوبة الاعتراف في النقب، والتي يزيد عدد سكانها على 120 ألف نسمة، انقطاعهم عن العالم الخارجي بسبب الفيضانات في الاودية، وعدم وجود طرق معبدة وصالحة للاستخدام بالإضافة إلى الطرق الترابية الوعرة، بحيث تشلّ الأمطار والفيضانات حياة السكان بالكامل، ويبقى الأهل في تلك المضارب والقرى رهينة السيول والفيضانات، ولا يتمكن أحد من الدخول أو الخروج من تلك المضارب والقرى حتى تخف حدة الفيضانات وتتحسن الأحوال الجوية.
مئات العائلات تفتقد سبل التدفئة
يكشف فصل الشتاء في كل عام، حجم المعاناة التي يعيشها سكان القرى والمضارب والتجمعات مسلوبة الاعتراف في النقب، بحيث تظهر حاجة مئات العائلات إلى سبل التدفئة بسبب سياسات الحرمان التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وإمعانها في إلحاق الأذى بالسكان من خلال ملاحقتهم وهدم بيوتهم وحرمانهم من أبسط مستلزمات الحياة الأساسية من كهرباء وبنى تحتية.
وتبرز المعاناة في الشتاء تحديدا حيث تحتاج مئات العائلات إلى سبل التدفئة في البيوت المحرومة من التيار الكهربائي ويلقي هذا الأمر بظلاله على نفسية الأطفال وصحتهم.
من يقف إلى جانب المنكوبين؟!
هكذا تساءل الخبير الاجتماعي، خير الدين الباز، والذي يواكب حياة السكان في القرى والمضارب والتجمعات مسلوبة الاعتراف في النقب، منذ عقود من الزمان.
وفي حديث مع صحيفة “المدينة” يقول الباز: “في مثل هذه الأيام من فصل الشتاء البارد حيث تنهمر الأمطار الغزيرة، يصارع أهلنا في القرى العربية غير المعترف بها في النقب، من أجل تفادي أضرار هذا الطقس. هذه الأضرار والمخاطر تحيط بالأهل والأطفال من كل حدب وصوب. البرد القارس والامطار الشديدة والرياح القوية تدمر المباني العاجزة عن البقاء أمام الرياح الشديدة والأمطار الغزيرة. داخل هذه المباني تسكن العائلات والأطفال دون حماية كافية من البرد والمياه الجارية، دون تدفئه ملائمة لعدم وجود الكهرباء للتدفئة والإضاءة بشكل منتظم. ففي أغلب البيوت هناك أجهزه شمسية لتوليد كمية بسيطة من الكهرباء، تكفي بصعوبة لتشغيل اجهزه بسيطة وللإضاءة. لكن هذه الأجهزة لا تعمل بشكل منتظم بسبب الغيوم التي تحجب الشمس لساعات طويلة في فصل الشتاء”.
يضيف الباز: “هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تنعدم في القرى غير المعترف بها كل الخدمات المدنية، والطرق المعبدة، ممّا يؤدي في بعض الأحيان إلى انقطاع هذه القرى عن العالم الخارجي بسبب جريان الاودية. هذا الانقطاع يكون السبب لعدم استطاعة أهلنا في هذه القرى، ولمدة أيام في بعض الأحيان، من الوصول إلى العيادات لتلقي العلاج في حالات الطوارئ. كل هذا بالإضافة لعدم وجود تنظيم أو مؤسسة لتقديم خدمات الطوارئ في الحالات الحرجة أو الحوادث داخل البيوت أو الكوارث الطبيعية، لا سمح الله. في هذه الظروف الصعبة، ولكي يحافظ أهلنا في القرى غير المعترف بها على أنفسهم وأطفالهم، يقومون بالتزود بالمواد الغذائية وتثبيت مبانيهم وتقديم يد العون لبعضهم البعض”.
وختم الخبير الاجتماعي، خير الدين الباز، بالقول: “واجبنا جميعا، أن نبادر لتنظيم طواقم طوارئ من متطوعين في كل القرى لتقديم المساعدات عن الحاجة”.
الشيخ أسامة العقبي: واجب الوقت يحتم علينا أن نهب لنجدة أهلنا في النقب
من جانبه، طالب القيادي الشيخ أسامة العقبي، بضرورة الإسراع في نجدة الأهل في النقب والوقوف إلى جانبهم لتفادي أضرار الشتاء القارس وسوء الأحوال الجوية.
وقال العقبي في حديث لـ “المدينة”: “ها هم أهلنا في النقب يواصلون دفع الثمن في مسيرة صمودهم وثباتهم على أرض الآباء والأجداد، وما زالت المؤسسة الإسرائيلية تمعن في اضطهادهم في محاولاتها لثنيهم وتثبيط مسيرة صمودهم، وأنّى لها ذلك، فأهلنا رغم المعاناة المتواصلة والاجحاف والحرمان والأذى، يصرون على الصمود والتّجذّر في قراهم ومضاربهم وبيوتهم”.
وطالب العقبي، “بضرورة الإسراع في تقديم العون للأهل المتضررين من الأحوال الجوية الصعبة، من خلال توفير سبل التدفئة وتسهيل وتذليل الصعاب أمامهم لا سيّما في هذا البرد القارس”.
وختم الشيخ أسامة العقبي بالقول: “واجب الوقت يحتّم علينا أن نهب لنجدة أهلنا في النقب وتعزيز صمودهم وثباتهم على الأرض، ويجب أن يدرك أهلنا الصامدين على أرضهم أنهم ليسوا وحدهم”.