نحو تربية أكثر نجاحا.. افعل ولا تفعل مع الأبناء
د. نسرين حاج يحيى- محاضرة جامعية ومعالجة أسرية
في هذا المقال سوف نمعن النظر في مواقف وتصرفات تربوية قد تتخذ مع أبنائنا جهلا منا أو تجاهلًا ونبين العلة فيها، مع تبيان انعكاساتها عليهم. هذا وسوف نستعرض البديل المقترح والذي هو أكثر صحة وصوابا آملين أن نكون بهذا قد ساهمنا في توجيه الأهل في مرحلة الطفولة المبكرة لتربية ناجحة وفي بناء جيل من الأبناء الأكفاء المعافين، جيل يتميز بالصحة النفسية وبقوة الشخصية والثقة بالنفس. فلنبدأ إذًا.
بدلا من الحب المشروط أحب بلا حدود
لا تفعل: الإكثار من القول “بطلت أحبك” … أحضر لي هذا الغرض عشان “أحبك”… تصرف بشكل جيد “حتى احبك” وهكذا…. فحبنا للأبناء يجب ان يكون غير مشروط وغير مرهون بشيء، علما أن الطفل إن سمع منّا هذا التوجه قد يعتقد أن حبنا له غير مضمون وهو مرتبط بالأحداث والظروف، مما يهز من استقراره وشعوره بالأمن والأمان، وقد يشكك بأنه محبوب أصلا من قبل والديه ولهذا بالغ الانعكاس على ثقته بنفسه وتقبله لذاته.
لذا افعل: قل لطفلك أحبك كثيرًا ولكنني لا أحب تصرفك، أو حبيبي الصغير أنا متعب فهل لك أن تساعدني وتحضر لي هذا الغرض. قل له أحبك دائما وأتوقع أن تتصرف بشكل جيد وهل يليق يطفل مميز مثلك أن يقوم بما تقوم به الآن.
تجنب الإهانة والتعنيف واللجوء إلى العقاب لتقويم السلوك
لا تفعل: إهانة الطفل والتعامل معه بعنف في أي وقت وحين، مرفوض وايضا أمام الآخرين، وتحديدا إن كانوا من أبناء جيله. فإن توبيخ الطفل أمام الآخرين والتعامل معه بعنف لهو الأمر المهين الماس به، مما يهز من ثقته بنفسه ويهدم اعتزازه بذاته وقد يجعل الطفل مشككا في مدى حبنا واهتمامنا به وبالتالي يصبح مشككا بنفسه وبالآخرين.
لذا افعل: احرص على عدم إهانة ابنك وتعنيفه عموما، واحرص على عدم توبيخه أمام الآخرين على وجه التحديد. وبدلًا من ذلك إن أساء التصرف واخترق القواعد والقوانين المتفق عليها فيما بينكم مسبقا، فيمكن التوجه لأسلوب العقاب التربوي الذي يكون مناسبا لجيله، ويقدم مباشرة بعد تصرف غير المقبول، لأن تأجيله أو عدم ملاءمة العقاب لحجم التصرف غير اللائق قد يضيع مفعول وتأثير العقاب وبالتالي سيتم الإضرار بعملية تقويم السلوك ولا يكون العقاب ناجحا أو له أثر في تعديل سلوك الطفل.
شجع وعزز ولا تقايض وتساوم
لا تقل: “إذا حصلت على معدل 100 سوف أعطيك مبلغا من المال أو هدية باهظة الثمن” لأن العلاقة بينك وبين ابنك ستصبح تجارية ومبنية على أساس صفقة وتبادل ومقايضة.
لذا قل: “أنا فخورة بك … انظر كم انت قادر ومميز… ولأنك بذلت مجهودا كبيرًا سوف احتفل بإنجازك وأعطيك هدية (على ان تكون مناسبة للعمر وغير باهظة الثمن).
اجعل طفلك يدرس لأجله وليس لأجلك
لا تقل لابنك أريدك أن تدرس لأني أحلم أن تكون طبيبا واياك ان يذهب تعبي في هذه الحياة سدى. لا تقل أيضا “جبلي” شهادة منيحة او “جابلي” ابني 90 بالامتحان. ترى هل الأبناء يحصلون على العلامات لنا أم لهم؟ هل هي شهادتنا ام شهادتهم؟ علما أن لهذا التوجه بالغ الأثر على شعورهم بالضغط النفسي خاصة اذا لم يحصلوا على الشهادة التي “نريد” وقد يقلل من دافعيتهم للتعلم. إن الطفل يجب أن يدرس لأجل ذاته وليس لأجلك ولأن الدراسة ما هي إلا وسيلة ليحقق عبرها أحلامه هو وليس أحلامك انت، وإن من شأن الضغط على الطفل للدراسة والتحصيل لكي يحقق أهداف الأهل أن يفقده المحفز الحقيقي للنجاح والدافعية الذاتية والمثابرة وبذل المجهود، وأن يجعله أداة لديهم عبرها يحققون أهدافهم التي لم ينجحوا لربما في صباهم وطفولتهم من تحقيقها والحصول عليها. وإن من شأن هذا الأمر أحيانا أن يجعل البعض من الأهل يقدمون للطفل التنازلات تلو التنازلات دون الانتباه والوعي لهذا الأمر، ليوفروا له الأجواء ليحقق أحلامهم أو على العكس قد يضغطون عليه أكثر من المقبول لينجح، والخطورة في هذا الأمر أيضًا أن الطفل قد يدخل في دوامة لزيادة التحصيل وأحيانا قد يصبح غير مقتنع بأي نجاح وينظر للجانب المعتم ويتعامل مع نفسه كفاشل. علما أن هناك من الأولاد من تكون لديهم ردود فعل عكسية فتتولد لديهم مشاعر اللامبالاة ورويدا رويدا نجدهم يتقهقرون إلى الوراء في الجوانب التحصيلية.
لذا نقترح أن يقول الأهل: “ما حلمك يا بني وماذا تريد أن تصبح حين تكبر؟ فيقول: أريد مثلا أن أكون مهندسا فنقول: هذا رائع ولكن كي يتحقق حلمك لا بد أن تحصل على معدل يؤهلك للالتحاق بكلية الهندسة، فان انجازاتك تقربك من تحديد احلامك وبمن ترغب ان تكون مستقبلا” وهكذا نربطه بأهدافه ونعزز دافعيته للتقدم.
مقارنة الأخوة ببعضهم: امدح ولا تقارن
لا تقل: انظر إلى صحن أخيك لقد أكله كله، تعلم من أختك النظافة، انظر إلى صديقك ما أرتبه: اذهب إلى بيت ابن عمك وانظر مدى نظافة غرفته.
ان هذا التوجه غير ناجح ولا يؤدي بالطفل إلى شيء سوى أنه يزداد نقمة على أخيه وأخته وابن عمه ولا يعدل من تصرفاته شيئا، ولذا نقترح البديل التالي:
عزز وشجع وامدح تصرف الآخرين دون النظر إليه ودون لفت نظره للأسلوب التلميحي غير المباشر، ونترك الاستنتاج للطفل نفسه بحيث إن أراد أن يحصل على هذا المدح والاهتمام والتعزيز منا ما عليه إلا أن يتصرف كالآخرين، من منطلق أنه هو استنتج وفهم ما هو التفوق الذي يحظى بتشجيعنا وقام باختياره بانتهاجه دون توبيخه أو اهانته.
فنوجه حديثا مثلا للأخ وعلى مسامع طفلنا ودون الالتفات إليه بل إلى أخيه لنقول له: كم أنت طفل مرتب لقد رتبت غرفتك، إن هذا لرائع، أو نقول: أنت بطل لقد أكلت كل ما في صحنك. ونترك لطفلنا الذي يشاهد هذا المدح إن أراد أن يحصل على مثله، ان يحذو حذو أخيه مثلا فيذهب للأكل أو الترتيب ولا ننسى أن نعززه حينها على فعله ومدحه.