ألا تستحق دماء أبناء شعبنا التخلي عن الكنيست؟
توفيق محمد
بات من المؤكد أن الشرطة لا تزال جزءا من المشكلة، فهي لم تكن جزءا من الحل يوما ما، ليس لأنها قتلت الشهيد الممرض أحمد حجازي ابن طمرة فقط الذي كانت أمه المرابطة تنتظر أن تراه باللباس الأبيض لباس التمريض بعد إذ يكون قد تخرج من دراسة التمريض، ولكنها بدل ذلك رأته بالكفن الأبيض.
يعتب البعض على الشرطة بأنها لا تعمل على مكافحة الجريمة والعنف وكل مظاهر الإجرام وعصاباته في مدننا وقرانا، ويقارن البعض تعاملها مع ما حدث في بني براك نهاية الأسبوع الماضي، حيث قام الرعاع هناك بإيقاف حافلة مليئة بالركاب واعتدوا على سائقها ثم حرقوها، وامتدت ألسنة النيران إلى خطوط الكهرباء، وتم إخلاء السكان من بيوتهم خشية أن تصلهم ألسنة النيران أو خشية أن تحدث انفجارات فتؤدي إلى إصابات في الأرواح، وكان تعامل الشرطة مع الحدث عدم الدخول والتدخل علما أن سائق الحافلة التي كانت تبعد أمتارا قليلة عن مركز الشرطة قد اتصل عدة مرات بالشرطة لإنقاذه وإنقاذ حافلته من الاعتداءات الهمجية، فكانت الإجابة ليست هناك تعليمات للدخول إلى بني براك، يقارن البعض هذا الحدث بقمع شرطة مخالفات الأحزمة والكورونا للمظاهرات السلمية في مدننا التي تطالبها بوقف انتهاك القانون وانتهاك الحياة وانتهاك الملك الخاص والعام وقتل الناس الذي بات ينهش بجسد أهلنا كما النار في الهشيم.
لسنا بحاجة لاستحضار الأدلة والبراهين على تواطؤ الشرطة، وعدم جديتها في مكافحة الجريمة، لسنا بحاجة إلى استحضار اعتراف وزير الأمن السابق بمصدر السلاح المنتشر بين أيدي عصابات الإجرام وغير عصابات الإجرام، لأننا بتنا على يقين بوجود قرار سياسي غير مدون ببث الجريمة والرعب والخوف بين أهلنا وتغذية نزعات قتل العربي بيد العربي.
مرة أخرى ليست المسألة مسألة ثقافة، فثقافتنا هي ذات ثقافة شعبنا الفلسطيني، وهي امتداد لثقافات شعوبنا العربية المحيطة بنا، ولكن المسألة هي قرار الدولة غير المعلن رسميا بقتلنا بأيدينا وإتاحة أدوات الجريمة لكل طالب ومريد، وقد نجحت الدولة في صناعة أدوات الجريمة التي باتت تقتل شبابنا حتى بتنا ننام ونصحو على جريمة جديدة.
وما دمنا نتحدث عن الثقافة، فإننا نقول نعم هناك ثقافة متأصلة في أجهزة الدولة ولدى الحكومات الإسرائيلية بتأصيل الجريمة وإتاحتها في أوساط أهلنا عبر إتاحة نشر السلاح والتغاضي عن أدوات الجريمة في صفوف أهلنا.
جريمة طمرة ليلة الثلاثاء كانت جريمة مزدوجة قتلت خلالها الشرطة الطالب الجامعي الشهيد أحمد حجازي الذي خرج من بيت صاحبه الدكتور محمد عرموش لاستطلاع الجلبة في الخارج فاصطادته رصاصات الشرطة المجرمة وأردته قتيلا فيما أصابت الدكتور محمد عرموش بقدمه، والجريمة الثانية هي انتظارها لوقوع الجريمة التي أتت لـ “منعها” لتتبادل إطلاق الرصاص في حي مأهول بالسكان كانت نتيجته التي نعلم جميعا.
أيها السادة، لسنا بحاجة إلى خطط حكومية لمكافحة الجريمة، فالعناوين معروفة ومعلومة، ولسنا بحاجة إلى افتتاح مراكز شرطة جديدة في بلداننا، ففي كل بلد تم افتتاح مركز للشرطة فيه كانت النتيجة ارتفاع نسبة الجريمة والعنف إن كانت موجودة سابقا، وإيجادها إن كانت منعدمة، لذلك نحن بحاجة إلى إلزام الشرطة بجمع سلاحها الذي نثرته، عن طريق التغاضي عنه، في بلداننا.
يجب أن ندرك أن الدولة تتعامل معنا وفق مساقات متعددة، فهي من جانب توفر لنا المواطنة المنقوصة التي بمقتضاها ندفع استحقاقات المواطنة الكاملة من الضرائب، ونأخذ الاستحقاقات منقوصة من الحقوق، ومن الجانب الثاني تتعامل معنا وفق المنظور الأمني كأعداء، فتعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي لشعبنا، وتفتح المجال على أوسع أبوابه للجريمة تسيد وتميد دون رقيب أو حسيب، وإذا حدث وتظاهر شبابنا وطالبوها بتوفير الأمن والكشف عن المجرمين فإنها تعتقل هؤلاء الشباب بحجة الإخلال بالنظام العام الذي هو ليس سوى تنظيم الجريمة وعصاباتها وإتاحة المجال لها لتتسيَّدَ الموقف.
يحدث ذلك كله وهناك من أبناء شعبنا ممن لا زالوا يصرون على إقناعنا بالمواطنة التي أرادتها لنا إسرائيل عبر إقناعنا بأن مشاركتنا في انتخابات الكنيست هو قمة وأوج هذه المواطنة “الموهوبة” الموهومة.
عند كل الشعوب الحية لم تنتظر الجماهير الغاضبة القرارات الموزونة التي تجتمع القيادات لاتخاذها، دائما سبقت هذه الجماهير قياداتها وأنتج ميدانها قيادات جديدة مليئة بالحيوية والتمرد على الألم والتعاسة والذل الذي أريد لها، وفي حالة شعبنا كذلك فإن شبابنا قد قرروا أن لا ينتظروا أحدا وهم يرون شلالات الدماء لا تتوقف فانتظمت الحراكات الشبابية التلقائية لوحدها، وضبطت إيقاعها نحو مصلحة شعبها وأهلها فقط، وقررت “مداخل البلدات مخارج الأزمات” ولذلك باتت تنظم أسبوعيا صلاة جمعة في مداخل البلدات تعقبها مظاهرات وفق المتاح قانونا أمام مراكز الشرطة لإلزامها بما يجب ان تقوم به وليس بما أُحضرت للقيام به في بلداتنا، وما يجب ان تقوم به هو مكافحة الجريمة وعصاباتها وتوفير الأمن والأمان للناس، أما ما أُحضرت للقيام به حسب ما تثبته الوقائع فهو قمع كل صوت حر شريف في مجتمعنا واعتقاله وإرهاب الناس والتعامل مع ناسنا وأهلنا وشعبنا فقط وفق العدسة الأمنية.
إن هذا الحراك الشبابي حراك مبارك ومحمود ويجب أن ينتظم على إيقاع واحد، وأن يعم كل مدننا وقرانا في نفس التوقيت وعندما نقول: “كل” فإننا نقصد جميع المدن والقرى العربية لا فرق في ذلك بين من أصابتها الجريمة، وبين من لم تصبها والتي نسأل الله لها وللجميع السلامة والأمن والأمان، لأن المطلب فيها واضح جلي لا لبس فيه وهو توفير الأمن والأمان لشعبنا والقضاء على عصابات الإجرام والجريمة.
في أعقاب جريمة طمرة وفي أعقاب بيانات الشرطة في هذه الجريمة، وفي غيرها، والتي تساوي بين الضحية والجلاد، والتي تتعامل بفوقية مقيتة مع إعلامنا العربي بادرت رابطة صحفيي الداخل مساء الثلاثاء إلى الانسحاب من كل المجموعات الإخبارية الشرطية التي تصدر البيانات الإخبارية المترجمة عن “جوجل” للإعلام العربي، ولا شك فإن هذه الخطوة هي خطوة جريئة ومتقدمة وممتازة، فالصحفي العربي هو ابن شعبه، وهو يعاني مما يعانيه شعبه، بل إنه يعاني كثيرا، فهو من يتابع أخبار الجريمة يوميا وهي ما توجع قلبه، فهو قبل أن يكون صحافيا فهو ابن لعائلة ومجتمع وشعب، له نفس قضايا شعبه ونفس آماله ونفس آلامه، وهذا ما نراه من الإعلام العبري في قضاياه، فكله إعلام متحيز لما ترويه الدولة وإن كان خطأ وظلما، أما إعلامنا واعلاميونا وقد قرروا الآن (وهم كذلك دوما) الانحياز إلى هموم شعبهم فلهم كل التحية والتقدير.
أعتقد أن الخطوة التي قام بها صحافيونا يجب أن تكون مادة للتفكير الآن الآن وليس غدا للأحزاب العربية التي تخوض انتخابات الكنيست، ولا أقول الكلام للمناكفة السياسية حاشا وكلا، إنما هي الحرقة، حرقتنا جميعا على شعبنا وأبنائنا وأهلنا، أقول أنه آن الأوان لأعضاء الكنيست العرب وللأحزاب التي يمثلونها أن ينسحبوا من هذه الانتخابات الآن كما فعل شعبنا في العام 2000 عندما كانت انتخابات رئاسة الحكومة بين باراك وشارون لما كان انتخاب رئيس الحكومة مباشرا دون علاقة بحزبه، فقررت الأحزاب العربية ولجنة المتابعة مقاطعة هذه الانتخابات ولم يسألوا عن النتيجة وعن ماذا ستسفر، وكان هذا هو الموقف السليم والصحيح وللتذكير فقد جاء هذا الموقف في أعقاب هبة القدس والأقصى والتي قتلت خلالها شرطة رئيس الحكومة في حينه باراك 13 شابا من شبابنا وجرحت المئات.
أقول إن دماء 114 قتيلا في العام الماضي 2020 ودماء 93 في العام الذي سبقه 2019 ودماء 70 أو يزيد في الذي قبله 2018 ودما ما يزيد عن 50 في الذي قبله 2017 وكما نرى فان الدالة في تصاعد وازدياد مقلق ومتطرف ولذلك فإنه بحاجة الى خطوة متطرفة، فهل يمكن أن يقول أعضاء الكنيست العرب وأحزابهم هذه المرة: بطلنا نلعب لعبتكم؟!
صحيح أن انتخابات 2000 كان محصورة بين شخصي باراك وشارون كونها فقط لرئاسة الحكومة، ولذلك فلم تكن مكلفة للأحزاب العربية إذ بقيت مقاعد الأحزاب في الكنيست كما هي، أما هذه المرة فإن قرروا ذلك فإن هذا معناه خسارة مقاعد الكنيست، ومع ذلك أقول ان شعبنا يستحق ذلك … جربوه ولو لمرة واحدة وانحازوا إلى النضال الشعبي بعيدا عن الكنيست.