“مهرجان الأقصى في خطر” ودوره في رفع الوعي (4)
أثر المهرجان المعنوي على المقدسيين
أثر المهرجان المعنوي على المقدسيين
ساهر غزاوي
استئنافًا لما ذُكر في المقال السابق، فإن الحركة الإسلامية (المحظورة إسرائيليا من 2015) حرصت بالوعي الذي تمتعت به، أن يكون مهرجان “الأقصى في خطر”، عرسًا وطنيًا فلسطينيًا، خاصة أنه الملتقى الذي يحشد عشرات الآلاف من فلسطينيي الداخل وبمشاركة وفود كبيرة من القدس المحتلة والجولان السوري، إضافة إلى ممثلين عن كافة الأحزاب والطوائف الدينية المسيحية، إلى جانب فقرات خطابية لممثلين عن دول عربية وإسلامية وممثلين عن منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، إلى غير ذلك.
فعلى الصعيد أهل القدس المحتلة، كان للحركة الإسلامية الدور الكبير في إحياء قضية القدس والأقصى، وخلق حالة من الوعي والالتفاف حول هذه القضية لدى المقدسيين على وجه الخصوص، إلى جانب أن تصبح القضية قضية كل الشعب الفلسطيني والعالمين العربي والإسلامي.
فعبر عقدين متتاليين، وبمشاركة وفود كبيرة من القدس المحتلة، كانت الحركة الإسلامية مُنظمة مهرجان “الأقصى في خطر” تُخصص كلمات خطابية لقيادات مقدسية من أبرزها، الدكتور عكرمة صبري، مفتي الديار المقدسة سابقًا، ورئيس رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، ود. جميل حمامي- عضو الهيئة العليا لشؤون القدس، ومفتي القدس والديار الفلسطينية وخطيب المسجد الأقصى الشيخ محمد حسين، والسيد حاتم عبد القادر، وزير سابق ومسؤول ملف القدس سابقًا من قبل السلطة الفلسطينية وغيرهم من الشخصيات القيادية التي كانت دائمًا تؤكد في خطابتها أنّ الحشد الكبير في مهرجان “الأقصى في خطر” يؤكد التفاف الناس حول الأقصى وأن للأقصى حماة وفي مقدمتهم أهل مدينة القدس المحتلة وأن الأقصى خط أحمر…
هناك من يرى، من باحثين ومتابعين لهذا الشأن أن مهرجان “الأقصى في خطر” كان أحد الأدوات الجوهرية في رفع الوعي بقضية المسجد الأقصى المبارك ومتابعة تطورات الأوضاع فيه على المستوى الداخلي والخارجي، كما أنه كان ذا أثر كبير في الداخل المقدسي، وكان له انعكاس إيجابي في شحذ همم وتقوية عزائم المقدسيين ليكونوا خطّ الدفاع الأول عن القدس والمسجد الأقصى لإفشال مخططات الاحتلال الإسرائيلي الرامية لفرض سياسة الأمر الواقع على المدينة المقدسة، وإقامة “هيكله” المزعوم على أنقاض المسجد المبارك.
وحسب الباحث د. عبد الله معروف، أستاذ دراسات بيت المقدس والتاريخ الإسلامي، في مقابلة خاصة أجريت معه (الكاتب)، حول ما يتعلق بأثر مهرجان “الأقصى في خطر” على المقدسيين، فإن المهرجان قد كان يمثل تظاهرًة سنويًة يعتبرها المقدسيون خاصة بهم في الحقيقة، وذلك لشدة أهميتها في الوعي الجمعي المقدسي. فمن المعروف أن قضية المسجد الأقصى المبارك ذات مركزية خاصة في الوعي الاجتماعي في القدس، وذلك لاعتبارات كثيرة ليس أقلها الجغرافيا، خاصة وأن المقدسيين هم الفئة الأكثر احتكاكًا يوميًا بما يجري في المسجد الأقصى المبارك وهم أول من يؤثر في الأوضاع هناك وأول من يتأثر بها بحكم إحاطتهم بالمسجد الأقصى المبارك من كافة الجهات تقريبًا. بما يجعل المسجد الأقصى المبارك مدارًا أساسيًا في أي حديث داخل القدس.
ويرى الباحث معروف أن المقدسيين يعانون في علاقتهم مع الاحتلال بالدرجة الأولى من محاولات الاحتلال اليومية عزلهم عن محيطهم وتصوير الأوضاع أمامهم على أنهم وحيدون في المعركة ضد الاحتلال، ومن هذا المنطلق، فقد كان المقدسيون يعتبرون أن هذه المناسبة السنوية رافعةٌ معنوية أساسيةٌ تُؤكد لهم سنويًا مدى الالتفاف الشعبي حول قضية المسجد الأقصى المبارك خارج مدينة القدس، وبأنهم ليسوا وحدهم في المعركة. ولهذا فلم يكن من الغريب ازدحام عشرات الحافلات في يوم المهرجان في القدس وحشد الآلاف من المقدسيين للمشاركة في المهرجان، فقد كانوا يعتبرون أنفسهم المعنيين الأوائل بهذا المهرجان.
بالمقابل، فقد مثل غياب هذه التظاهرة السنوية تغييبًا للرافعة المعنوية السنوية التي كان يستفيد منها المقدسيون لشحن أنفسهم بما يحتاجونه من طاقة في مواجهة الاحتلال ولإيصال صوتهم في نفس الوقت إلى العالم كله مع الاهتمام العالمي بهذا الحدث السنوي في غياب الإعلام العربي والعالمي عن قضية القدس في ذلك الوقت.
ختامًا، إن مهرجان “الأقصى في خطر” رغم غيابه وتغييبه بسبب الحظر الإسرائيلي، ما زالت صرخاته ونداءاته والمعاني التي غرست في قلوب المقدسيين تبعث في نفوسهم الروح المعنوية وتعزز من دورهم في أن يكونوا سدًا منيعًا في وجه مخططات الاحتلال ومشاريعه التهويدية في المسجد الأقصى المبارك، لتأتي معركة البوابات الإلكترونية صيف 2017، ومعركة باب الرحمة مطلع عام 2019، ومعارك أخرى من معارك الرباط والنفير العام ليُثبت المقدسيون من خلال تقديم أنفسهم أنهم في مقدمة حراس المسجد الأقصى ومدينتهم المقدسة ويثبتوا انتصارهم في معركة الوعي الشعبي ذاتيًا الذي كان لمهرجان “الأقصى في خطر” الأثر الكبير في رفعه وتعزيزه، وهذا ما لم يكن في حسابات الاحتلال الإسرائيلي.