حكاية حزمة الحطب ونظرية “شوال الفيران”… درسان لفلسطينيي ألـ 48
الإعلامي أحمد حازم
في التاريخ حكايات وعبر، وفي روايات الشعوب أحداث واقعية نستطيع تطبيقها على ما نعيشه اليوم: فالتاريخ لا يكذب والحكايات هي تراث مرتبط بالشعوب والأمم. وما قصة الأب الذي جمع أولاده وطلب منهم إحضار حزمة من الحطب إلاّ واحدة من تلك الحكايات التي تحض على وحدة الصف، وهي قصة موجهة للعرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص. أمّا حكاية “شوال الفيران” فهي الأخرى تستهدف عدم إفساح المجال للخصم التوغل في المجتمع، وهي حكاية نستطيع تطبيقها على الفلسطينيين ولا سيّما في مناطق ألـ 48 وبالتحديد في هذا الظرف الانتخابي. فاسمعوا وتعقّلوا وكونوا على قدر المسؤولية:
قرر والد أن يسدي نصيحة أخيرة لأولاده، بعدما شعر باقتراب أجله بسبب تقدمه في العمر، وبسبب أمراض يعاني منها جعلته طريح الفراش. فجمع أولاده الخمسة شباب، طالبًا منهم إحضار حزمة عيدان قصب، ففعلوا ذلك مستغربين طلب والدهم. وعندما جلسوا حوله، طلب من أحدهم أن يكسر الحزمة فلم يستطع. وطلب من آخر فلم يستطع هو الآخر، وبقي يطلب منهم بالتوالي نفس الطلب، لكن لم يتمكن أحدهم من كسر الحزمة. عندها قال لأحدهم أن يفك حزمة عيدان القصب عن بعضها ويكسرها، ففعل ذلك بكل سهولة. عندها قال الأب بصوت خافت: “شايفين يابا.. لما تكونوا مع بعضكم قوة واحدة ما حدا بقدر عليكو… ولما تتفرقوا بتضعفو”.
هذه عبرة للوحدة، حكاية يجب أن يتعلمها الصغار قي المدارس ويطبقها الكبار في الحياة العملية، ففي الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف، ولا يتم عمل والتعاضد مفقود ولا يكون فشل والاتحاد موجود. وفي هذا درس جيد للعرب. فلو كانت الأنظمة العربية تقف صفًا واحدًا أمام إسرائيل، لما تمكّنت من الانفراد بهم دولة تلو الأخرى، و”الحبل ع الجرار”.
ويحكى أن مهندسًا زراعيًا كان يعمل في إحدى قرى الصعيد في مصر، ركب القطار في طريقه إلى القاهرة، وجلس بجانبه فلاح مسن من أهالي القرية، لاحظ المهندس أن بين قدمي الفلاح كيسًا (شوال)، وخلال الطريق كان الفلاح يقلب الكيس، ويخلط محتوياته كل ربع ساعة، ثم يعيد تثبيته بين قدميه، واستمر على هذا الحال طيلة الطريق. استغرب المهندس الزراعي تصرف الفلاح، فسأله: ما قصة هذا الكيس!! قال الفلاح: أنا أقوم باصطياد الفئران وأبيعها إلى المركز القومي للبحوث بالقاهرة حتى تستخدم في التجارب المخبرية. قال المهندس: ولماذا تقلب هذا الكيس وتهزه؟!
قال الفلاح: هذا الكيس فيه فئران، ولو تركت الكيس من دون تقليب وهزّ لأكثر من ربع ساعة ستشعر الفئران بالراحة والاستقرار، وسيتوقفون عن التوتر الغريزي، ولن يطول الوقت حتى يبدأ كل واحد منهم بقضم الشوال ومن ثم ثقبه، لذلك أهزّه كل ربع ساعة كي أثير خوفهم وتوترهم، فينشغلون بالعراك مع بعضهم بطبيعة غرائزهم وينسون الشوال ريثما أصِل إلى مركز البحوث. عقدت الدهشة لسان المهندس من طريقة تفكير الفلاح ومن (نظرية شوال الفئران)، وسرح بأفكاره في سياسة الغرب الأمريكي والأوروبي وصهاينة العالم وفلسفتهم تجاه بلادنا.
عندما شعر نتنياهو بأن “المشتركة” قوية وأصبحت القوة الثالثة في المجتمع العربي، أراد أن يهزّ “كيس العرب” ليشغلهم بقضايا أخرى تفرقهم عن بعض، فبدأ بالمشتركة، وأكمل مشواره في زيارات تتواصل لمناطق عربية ويجري لقاءات مع رؤساء بلديات ومجالس في عقر دارهم أحيانًا وأحيانًا أخرى في اجتماعات “عبر الزوم”.
نتنياهو الذي تجري مظاهرات يومية ضده وأمام بيته في الوسط اليهودي، لم يرد يومًا خيرًا للعرب، يستهدف من زياراته ولقاءاته ظاهريًا الاطمئنان عن وضع كوفيد 19 (كورونا) بين العرب، لكن عمليًا يستهدف الدعاية له انتخابيا للحصول على أصوات العرب. بهذه الطريقة يريد نتنياهو ثقب الكيس العربي، من خلال تهدئتهم بزياراته ليتسنى لمناصريه وأعوانه من العرب في الكيس البدء بالقضم، لفتح ثغرات خلافية، لكن الواعين لا تمر عليهم أخاديعه، وهم له بالمرصاد:
رئيس بلدية عرابة عمر نصار، الذي كان أحد رؤساء البلديات والمجالس الرافضين للمشاركة في اجتماع “عبر الزوم” مع نتنياهو، قال بصراحة “إن اللقاء المقرر “تفوح منه رائحة انتخابية قوية”، أما رئيس المجلس المحلي لبلدة كفر كنا يوسف عواودة، فقد صرّح: “طالما أننا نسمع جعجعة ولا نرى طحينا، فلا طائل من المشاركة في هكذا جلسة”. وهناك رؤساء مجالس آخرين رفضوا المشاركة، لأنها محض انتخابية.
حتى أن “إذاعة مكان” الرسمية اعترفت في خبر بثّته باللغة العربية بأن “نتنياهو بدأ منذ أسابيع بمغازلة المجتمع العربي لكسب المزيد من الأصوات، حيث قام بزيارات لمدن وقرى عربية وبالتعاون مع النائب منصور عباس سعيا للحصول على مقعدين أو ثلاثة من الناخبين العرب”.
فانتبهوا واصحوا يا عرب وافهموا أن نتنياهو لا يمكن أن يكون صديقًا وفيًا للعرب يخدمهم بإخلاص كما يفعل مع أبناء دينه، ومن شبّ على العنصرية شاب عليها، وتذكروا دائمًا أن “ذيل الكلب بضل أعوج لو حطّوه في قالب مدى الحياة”.