الرسائل الخفية في الإعلام وكيف تجدها؟ (21)
عائشة حجار
هذا الاسبوع بالذات لا أدري أي حدث أتناول لأتحدث حول جانبه الإعلامي، بدءًا من “مبادرة” الشبكات الاجتماعية لإيقاف حسابات الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب، بعد أن كانت هي من أوصله للحكم اساسًا، استمرارًا الى زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الى المدن العربية معوّلًا على عرض نفسه كالسيد الذي جاء بيده كيس من البقايا يجب ان نشكره عليه، مرورًا بما يبدو كنهضة شبابية ترك فيها “جيل الانترنت” حواسيبهم وخرجوا الى الشارع يرفضون الجريمة والمهانة في ذات الوقت، وانتهاءً بوفاة الملياردير اليهودي شيلدون ادلسون الذي كان هو متوج الملوك الامريكيين والإسرائيليين في السنوات الاخيرة.
في تراكم كل هذه الاحداث خلال اسبوع واحد خلاصة لا بد من أن نفهمها ونعترف بها: للإعلام عامةً والشبكات الاجتماعية خاصةً، دور أساس ليس فقط في عرض الواقع أمامنا، بل في صياغة الواقع الذي نعيشه. كيف تحصل صياغة الواقع هذه؟ يبدأ الاعلام بتغيير العالم داخل عقول الجمهور اولًا، ثم يتكفل هذا الجمهور بالباقي. خذ كمثال ما فعله شلدون ادلسون ليتوج بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسطوريًا اسرائيليًا، لقد اختار الرجل إنشاء صحيفة يومية مجانية (يسرائيل هيوم) اطاحت بسهولة بباقي الصحف (لأنها مجانية، طبعًا، من منا لا يريد شيئًا بالمجان؟) لتصبح أكثر الصحف الاسرائيلية شيوعًا. الصحيفة كانت بوقًا لليمين الاسرائيلي وركّزت على تصوير العالم بنظرة يمينية مؤيدة لنتنياهو خاصة حيث كانت تؤيده حتى بثمن ضرب قادة يمينيين آخرين. مثلًا، نفتالي بينت كان ذا حظ بتبديل نتنياهو، فبدأت مساعي الاطاحة الإعلامية به بقصص مثل تناول زوجته الطعام في مطعم يقدّم أكلات محرّمة في الديانة اليهودية، لتظهره بمظهر الكاذب، بينما غضّت الطرف عن ذات الفعل من قبل الوزيرة الليكودية ميري ريغف، بهذا صور بينت على أنه كاذب وليس متدينًا حقًا. الآن لنفكر في هذا المثال، هذه المعلومة لا يفترض أن تغير، منطقيا، من توجه الجماهير، يفترض أنهم يصوتون للرجل وليس لزوجته، ولفكره السياسي وليس لتصرفه الديني، لكن هذه وسيلة من وسائل التسويق المعروفة، فإذا صعب عليك أن تجد قصة تظهر من قبالتك على انه سياسي سيء يمكنك إظهاره على أنه شخص سيء، أن تجعله أقل تحببا للجماهير، كشخص وليس كسياسي، والجمهور سيخلط بين الجانبين وقد يرفض التصويت بسبب قصة لا أساس لها، بسبب إشاعة.
أمر مشابه فعله ادلسون، عندما توّج دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الامريكية، فقادت أمواله أول حملة انتخابية، اعتمدت بالكامل على معلومات شخصية سخيفة ومكذوبة في شبكات التواصل الاجتماعي، وجعل الامريكي يصوت لدونالد المتنمر العنيف الجاهل سياسيًا. وأثبت لكل من لا زال يشكك أن العالم يدار بالمال فقط، وأن عقول الجماهير يمكن بلورتها وعجنها وتغييرها أكثر مما نعتقد، وأثبت ما نردده دومًا حول أن الواقع ليس أمرًا مسلمًا، إنما هو مجموعة من المعلومات تصنع السلوك الجماهيري.
لذلك، من المهم أن تتذكر أنك حاصل جمع المعلومات التي تستقيها طوال الوقت، عيناك ترى العالم عبر ما تقرؤه وتسمعه، وبذلك تتصرف، تصوّت، تغضب، تحزن، وتدفع مالك حسب ما تراه في وسائل الإعلام. فإذا كان للإعلام كل هذا التأثير عليك تذكر أن تختار جيدًا لمن تسمع وماذا تسمع.