أتبكي على لبنى وأنت قتلتها
ليلى غليون
لعل من أبرز المشاكل والصعاب التي تواجه كثيرا من الآباء والأمهات وتشغل بالهم، تلك التي تتعلق بالأبناء وتربيتهم ومدى الصعوبة التي يواجهونها مع هذا الجيل الذي يخضع للعديد من المؤثرات التربوية، التي باتت تؤثر سلبا على سلوكياته وأخلاقه، حتى أن الكثير من الأهل يعتقدون بأن تربية عشرة أبناء قبل عشرين سنة أو أكثر، أسهل بكثير من تربية ولد واحد من أبناء هذا الجيل الذي يغلب عليه طابع العناد والتمرد وعدم طاعة الكبار والمربين.
وكأن اللغة المشتركة بين الجيلين أصبحت معدومة أو تكاد، فهؤلاء في واد وهؤلاء في واد آخر، لنجد الكثير من الجلسات التي يجتمع فيها الآباء أو الامهات لا تخلو من الحديث عن الأبناء ومشاكل الأبناء وإبداء التذمر والشكوى من تصرفاتهم وأفعالهم.
والملفت للنظر أن هؤلاء الذين يتذمرون من سوء تصرفات أبنائهم يقسمون الأيمان الغلاظ أننا ما قصرنا بشيء من حقوق أبنائنا، وأننا نوفر لهم كل أسباب السعادة والرفاهية، فطلباتهم مجابة ومسموعة، فمن ملابس وألعاب وأجهزة الكترونية ورحلات الى الاماكن الترفيهية المجمعات التجارية وماكدونالدز وووو… وغيرها العديد من الأمور الترفيهية التي لا يطلبونها إلا وتلبى لهم على الفور، فما الذي يريدونه أكثر من ذلك؟ وما الذي ينقصهم حتى أصبحوا بمثل هذه الاخلاقيات ويمارسون مثل هذه التصرفات؟ وما الذي لم نفعله لأجلهم حتى يقابلوننا بمثل هذا العناد (وقسوة الرأس) لقد منحناهم حياتنا وصحتنا وسعادتنا ولا زلنا نضحي من أجلهم ولا نبخل عليهم بشيء فما هذا الذي يحدث يا ترى؟!
نعم، إن هذه الصورة تجسد واقعا نعايشه مليء بمظاهر الانحراف والسلوكيات غير السوّية لدى العديد من الأبناء، الأمر الذي يضع الأهل في دائرة الحيرة والخوف والقلق على حال هؤلاء الأبناء ومستقبلهم، بل يبكون دمًا بدل الدموع على ضياعهم وتشتتهم في المسالك المنحرفة، ويضربون الكف بالكف حسرة وجزعا عليهم، وما علم هؤلاء الآباء والأمهات الذين يذرفون الدموع على مصير أبنائهم بأنهم هم الذين ربما مهدوا لهم سبل الضياع من حيث لا يدرون!! وأنهم هم الذين ربما ألقوا بهم في مهب رياح الانحراف من حيث لا يعلمون!! وأنهم هم الذين ربما قتلوا مستقبلهم من حيث لا يشعرون!! ولله در القائل:
أتبكي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فماذا أنت فاعل
نعم، لقد قتل الأهل مستقبل أبنائهم بتربية الدلال الزائد بل المفرط في بعض الأحيان عندما قتلوا فيهم روح الجدية والطموح، وذلك بتوفير كل مطالبهم الضرورية وغير الضرورية، لدرجة أن إحدى الأمهات كلما اشترت لطفلها لعبة يكسرها ويطالب بغيرها، وهي بدورها تستجيب لكل طلباته بدون تردد، وعندما قيل لها إن هذا يضر بتربية الطفل ولا ينفعه، اعترضت قائلة: (اعط ابنك واكرمه أحسن ما ييجي غيرك ويحرمه)!
لقد قتل الأهل مستقبل أبنائهم عندما تساهلوا بل فرّطوا بأسس التربية السليمة، فتركوا لهم الحبل على غاربه يخالطون رفقاء السوء، يتعاملون مع الاجهزة الذكية والألعاب الالكترونية بلا رقيب ولا حسيب والتي تعمل على إفساد الأخلاق، ويدخلون إلى شتى مواقع الانترنت والتي بكبسة زر يصبح العالم أجمع بين أيديهم، يدخلونه من أي باب شاءوا، يمارسون عادة التدخين وربما الكحول والمخدرات، ويسهرون حتى ساعات متأخرة دون سؤال أين كانوا ومع من!
لقد قتل الأهل مستقبل أبنائهم عندما تنازلوا عن مسؤولية تربيتهم وأوكلوها لأشواك تربوية حادة استنزفت فيهم الطاقات وروح الاقدام وعلو الهمة والنشاط، وذلك في غمرة انشغالهم بأمور الدنيا التي لا تنتهي ولهثهم وراء حطامها، فانشغلوا عنهم فلم يسألوهم عن الصلاة، هل أدوها في وقتها أو هل يؤدون الصلاة أصلا، وعن صلتهم بالقرآن كيف أحوالها، بل أخذتهم المشاغل بعيدا فلم يعلموهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه القدوة التي يجب أن يقتدوا بها ويستنوا بسنته.
فإذا كان الكثيرون في هذه الأيام يشكون من عقوق الأبناء وسوء تصرفاتهم، فلا نقول لهم إلا راجعوا أنفسكم أنتم، وراجعوا حساباتكم لتعلموا أنه ربما كان هناك فعلا تفريط وتساهل منكم لما لم تزرعوا في أبنائكم قيم الحياة الفاضلة ومعاني الاستقامة والخلق النبيل منذ نعومة أظافرهم، لقد حرصتم أشد الحرص على تحصينهم وهم صغار بل رضع من الأمراض التي من الممكن أن تصيب اجسامهم، ولكن نسيتم تحصينهم من الأمراض والآفات التي من الممكن أن تغزو قلوبهم وأخلاقهم والتي هي أشد خطورة وفتكا من الأمراض الجسمية.
أيها الأهل، أيها المربون، تعلمون أنكم لستم وحدكم على الساحة التربوية، هناك وكلاء غير شرعيين ينافسونكم على تربية أبنائكم، فإن نامت عيونكم فعيونهم لا تنام، وإن لم تكونوا أنتم من يرشد ويوجه ويربي، فسيقومون هم بهذه المسؤولية وهذه المهمة، ولكن كونوا على يقين بأنهم لن يقودوهم ولن يوجهوهم إلا إلى الدمار والبوار وخراب الديار، ولا يخفى عليكم ما وصلت إليه مجتمعاتنا من هذا كله، فانتبهوا أيها الآباء، أيتها الأمهات وخذوا حذركم والزموا مواقعكم حتى لا يأتي اليوم الذي تبكون فيه على أبنائكم وتكونون كما قال ذاك الشاعر:
أتبكي على لبنى وأنت قتلتها لقد ذهبت لبنى فماذا أنت فاعل