فنجان قهوة ووردة على مائدة الخلاف
إيمان راسم مصري
تحلو الدردشة مع فنجان القهوة، خاصة وأنت تتناولينه مع من تشعرين أنهم يقدرون كلامك ويستمعون إليك، يشعرون بك. فكلامك ينزلق إلى وجدانهم قبل أن يصل آذانهم وكذلك نحن معك فتعالي ندردش سويًا.
ويحلو المكان بجانب وردة وليس باقة ورد، فنجان قهوة مع أصدقاء الروح وأشياء صغيرة عابرة تلون طعم الحياة تكفي لأن تغير حياتنا وتقلبها إلى سعادة متزايدة في كل يوم.
لكننا كلما صحونا على فنجان قهوة ووردة وجدنا أن الغربان السوداء تنعق فوق رؤوسنا صباح مساء، فماذا نفعل وقد كثرت خلافاتنا ومشاكلنا مع بعضنا البعض رغم حبنا وودنا ووجودنا سويًا في أكثر من إطار سواء كان ذلك على مستوى العلاقات الاجتماعية أو في إطار العمل أو حتى الصداقة والزمالة.
إننا لا ندرك أننا بكلمة قد نهدم شخصًا ونفقد مهاراته، كم حرب نشنها على بعضنا البعض تشعل ذلك السلام النفسي وتخلخل الثقة بين بني البشر؟!
لماذا نضيق على أنفسنا ونضع ألوان الرؤى المختلفة بين لونين فقط إما أبيض وإما أسود، ولا يكون الصحيح إلا ما نراه نحن؟! إن العقول قد أزهرت وتفتحت وهي إن أقفرت مرة فلن تقفر كل مرة من رؤية الحق والصواب، ستتوافق يومًا معنا، بل أيام وسنتشارك نحن وإياها في كثير من الآراء فكيف نستفيد من هذه المساحات المشتركة بينا وبين أهلنا وأولادنا وأصدقائنا وزملائنا لنشكل وإياهم قوة عظيمة تنجح في فعل المعجزات الإنسانية؟!
هذه بعض النوافذ التي تتناول موضوع الاختلاف في وجهات النظر:
– ليس شرطًا أن نتفق على كل شيء: قال الإمام مالك لا تحسم الخلاف ودع الناس وما اختاروا وكان أول من اعترض على أمير المؤمنين وطالبه ألا يحسم الخلاف ويدع كل بد منهم لأنفسهم ووافقه الخليفة في ذلك.
– الخلاف نابع من رؤية زوايا مختلفة: لو سألنا كل واحد منا ما رأيه في منظر طبيعي وطلبنا أن يقول كل منا ما هو أجمل ما في هذا المنظر لوجدنا أن كل منا يحب جزئية مختلفة وينبع هذا من رؤية مختلفة لنفس المنظر بكل تفاصيله، إلا أن هذه هي فطرة البشر التي فطرنا الله عليها، ومن هنا وجب الاقتناع أننا نختلف أيضًا في فهمنا وسلوكنا وتصرفاتنا وحواراتنا. وإن الاختلاف له زوايا ايجابية كثيرة منها أنه يثري القضية المطروحة ويطور أفرادها ويغذيهم ولو اتفقنا جميعا على كل شيء إذن من الحكمة أن نُلغى كلنا إلا نسخة واحدة!
– الخلاف نحن مرآته: يكون الخلاف إيجابيًا اذا تناولناه بإيجابية دون تعصب لرأينا لمجرد الانتصار للذات وظن السوء بالآخر. ويكون سلبيًا إذا لم نسمع الا ما أردنا أن نسمعه ولا نرى إلا ما نريد أن نراه نحن فهل هناك أنانية أكثر من هذه؟!
روشيته إدارية:
– حاول أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر لترى الصورة من جهته فإن هذا يفيد في التوصل إلى حل مرض للجهتين.
– اطرح وجهة نظرك بقولك أنا أرى، اعتقد، اقترح ولا تصدر الأوامر.
– اجعل موضوع الخلاف ميسورا بحيث حتى لو لم تخرج أنت والطرف الآخر برأي مشترك تستمر العلاقة طيبة بينكما.
– وقر محدثك واثن عليه وعلى جوانبه المضيئة ثم تسلل اليه برفق وبحكمة.
– كن متسامحًا ومتساهلًا وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا زعيم بيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء ولو كان محقًا.
– لا تتعصب لفكرة ما أو لجماعة أو لأي شيء فكل ذلك قابل للخطأ.
– اعلم أن العبرة بالمسميات وليست بالأسماء.
– أحسن الظن بمن يخالفك في الرأي كما تتمنى أن يحسن هو الظن فيك أيضًا.
– لا تتهم أحدًا بنيته وسرائره.
– اعط محاورك الوقت الكافي ليعبر عن نفسه ولا تقاطعه وتصده.
– حاور محاورة نزيهة لا تتعد فيها على الآخر.
– هل ابتسامتك حاضرة مع وجهة نظرك المخالفة؟ إن لم تكن فقد خسرت نقطة.
– انصت لتفهم وليس لترد على خصمك!
– انظر لمحاورك ولا تشيح بوجهك عنه فإن ذلك يعكس عدم احترامك له.
– اجعل شعارك كما قال الإمام أبي حنيفة: رأينا هذا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب وهو أفضل ما توصلنا إليه ولو وجدنا عند غيرنا خيرًا منه لأخذنا به.
ختامًا، ليس أجمل من أن تخرج من حوارك واختلاف مع من حولك بسلامة صدرك، ليس أجمل من أن تحتضن فكرًا آخر وتتقبله وتتعامل معه وتناقشه فإما تستفيد منه وإما لا يضرك!
ليس أجمل من أن تتعطر برأي غيرك فيكون وردة تزين لك حياتك وتنورك، وليس أجمل أن تتشارك قهوة الصباح والمساء كذلك مع من يختلفون معك أيضًا فإن فعلت كنت ممن رزقهم الله هدوء القلب واستقامة التصور فكسبت الورد وكسبت الود، وكسبت نفسك وقلبك سليمًا!