وحدة الأمة الإسلامية والفكر الاشتراكي (8)
د. محمود مصالحة
يتمحور هذا المقال حول مخطط رهيب لمحاربة الإسلام؛ نشرته مجلة “كلمة الدعوة”، في عددها الأول الصادر في (إبريل) عام 1967م، والمخطط هذا أعده الشيوعيون في موسكو لضرب الإسلام في دياره.
إنه المخطط الشيوعي الرهيب لمحاربة الإسلام في هذه الوثيقة التي تقول:
1. “لابد من القيام بمهادنة الإسلام ليتم القضاء عليه، حتى نضمن السيطرة، ونجتذب الشعوب العربية للاشتراكية.
2. ولا بد من تشويه سمعة رجال الدين، والحكام المتدينين، واتهامهم بالعمالة للاستعمار والصهيونية.
3. ولا بد من تعميم دراسة الاشتراكية في المعاهد والكليات والمدارس في جميع المراحل، ومزاحمة الإسلام ومحاضراته حتى لا يصبح قوة تهدد الاشتراكية.
4. ولا بد من الحيلولة دون قيام حركات دينية في البلاد مهما كان شأنها ضعيفا، والضرب بعنف، بلا رحمة لمن يدعو إلى الدين، ولو أدى إلى الموت. مع أن الدين دوره خطير في بناء المجتمعات.
5. ولا بد من تشجيع الكُتّاب الملحدين واعطائهم الحرية كلها في مهاجمة الدين، والشعور الديني والضمير الديني والعبقرية الدينية، والتركيز في الاذهان على أن الإسلام انتهى عصره، ولم يبق منه اليوم إلا العبادات الشكلية التي هي الصوم والصلاة، والحج، وعقود الزواج والطلاق، وسنخضع هذه العقود للنظم الاشتراكية.
6. ولا بد من قطع الروابط الدينية بين الشعوب الإسلامية، واحلال الروابط الاشتراكية محل الروابط الإسلامية.
7. ولا بد من خداع الناس بأن نزعم للمسيحين أن المسيح اشتراكي، وإمام الاشتراكية، وهو فقير ومن أُسرة فقيرة دعا إلى محاربة الأغنياء. ونقول عن محمد ﷺ: إنه إمام الاشتراكيين فقير، وتبعه الفقراء، وحارب الأغنياء المحتكرين، والاقطاعيين، والمرابين، ونبعد القداسة والمعجزات والروحية والوحي عنهم، لنجعلهم بشرا عاديين.
8. ولا بد من شَغْل الجماهير بالشعارات الاشتراكية، وشغلهم بالأناشيد والحماسة الوطنية، وإلقاء مسؤولية التأخر الاقتصادي على الجوع، والفقر، وعلى الرجعية، والاستعمار، والصهيونية، ورجال الدين”.
9. وتقول الوثيقة: “لا بأس من استخدام الدين لهدم الدين، ولا بأس من أداء الزعماء الاشتراكيين بعض الفروض الدينية الجماعية للتضليل والخداع”.
وهذا المخطط الرهيب قد مورس في بعض البلاد العربية والإسلامية من قبل بعض الأنظمة، ومورس على نطاق حزبي في بلاد أخرى، وليعلم المسلمون كم بلغ هذا العداء البغيض للإسلام وأهله من قبل أصحاب الفكر الاشتراكي.
وصدق الله العظيم الذي قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ سورة ال عمران، آية 149.
ولقد خلق الله عز وجل الناس متفاوتين في كثير من الميزات والقدرات الخلقية، وأودع فيهم فطرة التملك، والتنافس في الأمور المادية، وحتى الروحية، وجعل الله تعالى الإنسان مُستخلَفاً في الأرض بالنظام الاستخلافي الإسلامي الشامل العادل عقيدةً، وعبادةً، وشريعةً، وتربيةً، وفكراً، الداعي لتعبيد الناس لله رب العلمين، فتتميز أمة الإسلام عن غيرها بهذه الشمول، وتسعى جاهدة لإنقاذ الشعوب من جحيم أصحاب تلك الفلسفات، إذ أعلنوا حربهم على الإسلام، وقد أذاقوا الإسلاميين سوء العذاب، في سجون نظام عبد الناصر الاشتراكي في مصر والبعثي الاشتراكي السوري، فشكلت تلك الأنظمة الاشتراكية العربية عقبة في وجه الوحدة الإسلامية حيث أذاقت الأمة مرارة الهزائم والانحطاط والتأخر.
ولكن مهما تَزَيَّن الفكر الاشتراكي الفلسفي، بدعوى تحقيق المساواة الطبقية، وسياسة عدالة التوزيع، ومجانية الخدمات الصحية والتعليمية، إلا أن هذا النظام قد قام على أسس مفصلية، صادم بها الفطرة الإنسانية من خلال التطبيق العملي لنظامه الإلحادي القمعي، فاغتصب المِلكية الفردية وصادر حريات الشعوب؛ لذلك لم يُكتب له طول البقاء، حيث ألقته شعوبه عبر التاريخ، وخاصة الاتحاد السوفيتي الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بما نادى به من أيديولوجية، فتبعثر إلى خمس عشرة دولة، فكان ذلك السقوط السحيق لتلك الأنظمة التي نُجملها في عدة نقاط أساسية منها:
1. المركزية الشديدة في تركز السلطة: في طبقة الحزب الحاكم، الذي يتحكم بكل مفاصل بالدولة وفي كل شيء في الدولة، بدء من جهاز التخطيط، وقد نتج عن هذه المركزية الشديدة، أن وقع في العديد من الأخطاء التي حالت دون تحقيق الكفاءة الاقتصادية، والكفاءة الإنتاجية.
2. البيروقراطية والتعقيدات المكتبية :عُرفت البيروقراطية بالتعقيدات المكتبية، وكلها قرارات يتم اتخاذها من جهاز التخطيط المركزي الذي يتطلب وجود عددٍ كبيرٍ جدًا من الموظفين الذين يقومون بجمع البيانات والإحصاءات وتبويبها وتحليلها، ودراستها ومقارنتها، عدا موظفين بأجهزة الرقابة، مما أدى ذلك إلى تضخم الجهاز الإداري نتيجة لذلك؛ فاعتاد التأخر في تحديد كمية ونوعية الإنتاج واختيار طرق وأساليب الإنتاج، وبالتالي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتأخر في اتخاذ القرارات أدى إلى تأخر وصول البيانات التي تُرفع إلى السلطة العليا صاحبة القرار، لينعكس ذلك على سوء استغلال الفرص.
3. إشباع الحاجات العامة والقضاء على الطبقية: الأمر الذي ألغى حافز الربح، فبات النظام غير ربحي تحت دعوة أن الربح وسيلة سوء الاستغلال يؤدي إلى سوء التوزيع في الدخل والثروة، فاستبدلوه بحافز اقتصادي، وهو الشعور القومي والشعور الوطني، فوقعوا في عدم القدرة على إشباع حاجات المجتمع مجانًا؛ فهذه سقطة مهمة من سقطات النظام الاقتصادي الاشتراكي.
4.عدم القضاء على الاستغلال: لم يستطع النظام الاشتراكي تحقيق العدالة في التوزيع؛ بل حدث خلاف ما ادعاه، ففائض القيمة الذي كان قد ذهب إلى الدولة في النظام الاشتراكي، بدل أن يُحَوْل منه إلى الطبقة العاملة، وهكذا ظلت العمالة مستغلة حتى في النظام الاشتراكي، مما زاد من امتعاض طبقة العمالة.
ولكن الذي سقط ليس الإسلام إنما أنظمة الدول بهذه العينة التي تحولت إلى دول رأسمالية:
ففي بولندا: أطاحت حركة تضامن بالحكومة الشيوعية، وحكمت البلاد عناصر غير شيوعية لأول مرة وأصبح الحزب الشيوعي هامشياً.
وفي المجر: تم حل الحزب الشيوعي المجري وقيام حزب اشتراكي ديموقراطي خلفاً له يؤمن بالتعددية الحزبية، وبالديموقراطية وتبني قوانين السوق (الرأسمالية).
وفي تشيكوسلوفاكيا: خرجت الجماهير في مظاهرات ضخمة تنادي بالإصلاح، واختفى وجه الزعيم الشيوعي التشيكي “ميلوس جاكيس” ودعا “باتسلاف هاقل” الرئيس الجديد إلى محو كل آثار الشيوعية في البلاد، وتعهد بإقامة دولة جديدة تحترم حقوق الإنسان.
وفي رومانيا: خرجت الجماهير في مظاهرات تطالب بالإصلاح، وانتهت بإعدام الرئيس “شاوشيسكو” بعد اتهامه بالخيانة ونهب أموال الدولة. وفي يوليو 1990م وافق برلمان رومانيا على التحول إلى نظام الاقتصاد الحر.
حتى الاتحاد السوفيتي نفسه: القطب الاشتراكي المواجه لقطب الرأسمالية في العالم سقط مع بزوغ فجر 1992م وتفكك إلى خمس عشرة دولة على رأسهم جمهورية روسيا.
خلاصة القول: إن انهيار الفكر الشيوعي بأنظمته هي حتمية السنن الربانية فإن للكون ربا خالقا إلها يعبد بما شرع، وسننه ماضية لا تحابي أحداً، ولما تصادم النظام الشيوعي الإلحادي الاستبداد بتأليهه للمادة، حقت عليه سنن الاستئصال فاستأصله الله تعالى بعد سبعة عقود من الاستبداد، وانجلى سواد الباطل الشيوعي وعادت الشعوب الإسلامية تمارس حرية العبادة، فيجب على مجتمعات الأمة الإسلامية أخذ العبرة، ولتمارس أعمالها وفق سنن التمكين ليمكَّن الله عز وجل الأمة في الأرض، لقوله تعالى: “الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ” الحج:41.
من كتاب: “وجوب وحدة الأمة الإسلامية دراسة موضوعية” د. محمود مصالحة.