من المسؤول عن جعلنا أرقاما تكتب بالدماء؟!
أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
1. سأكتب اليوم بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن كل صاحب ضمير، سأكتب عن الأمهات اللاتي حرقت قلوبهن وتفطّرت أكبادهن، سأكتب عن الآباء الذين قتلتم فلذات أكبادهم ودمرتم أحلامهم، سأكتب عن الأرامل اللاتي فقدن شريك حياتهن وحب قلوبهن، سأكتب عن الأطفال اليتامى الذين فقدوا المعيل والأمن والأمان، سأكتب عن كل من بكى دما ونزف ألما ووجعا لما وصلنا إليه. نعم إنني أكتب كلماتي هذه والحزن والألم يعتصر قلبي والحيرة والضياع تنهش بروحي، بحثا عن إجابة مقنعة، أو سبب وجيه يجيب عن الحال الذي وصلنا إليه!! وأسأل نفسي من المسؤول؟!! هذا السؤال بإجابته المركبة أضاع القضية وميّعها!! نعم ضاعت القضية وسط تراشق الاتهامات بالمسؤولية بين جميع الجهات!! “وبين حانا ومانا ضاعت ضحايانا!!”.
2. دائرة مغلقة: جريمة، واستنكار وبيان ومظاهرة ضد العنف وسبات حتى نستيقظ على وقع جريمة أخرى. وكأننا نتابع حلقات مسلسل مشاهده تتكرر بلا توقف، هنالك ضحية ولا يوجد قاتل!
3. قُتل الحلم وغدا رقما دمويًا: نعم كل ضحية تم قتلها بدم بارد كانت إنسانًا له اسم وأحلام، له حياة كان يخطط لتحقيق أحلامه وطموحاته فيها، له أهل يحبهم ويحبونه، لكن بضغطة على الزناد تم إنهاء حياته التي وهبها الله له، وأصبح رقما يُكتب بالدم على لائحة ضحايا القتل في مجتمعنا العربي الفلسطيني، سرعان ما ننساه عند إضافة رقم دموي آخر، وكأن برودة أجسادهم المسجّاة وقبل أن تجمد دماؤهم جمدت مشاعرنا فبتنا لا نشعر بحجم مصيبتنا في أنفسنا ومجتمعنا المنحدر نحو الهاوية بسقوط حر!
4. (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ) فإلى المفسدين المفتنين اتقوا الله، ولا تجعلوا لكم أسهما في جهنم، فعلينا جميعا إسكات صوت الشيطان فينا، وصوت الانتقام وصوت الأخذ بالثأر.
5. وبشر القاتل بالقتل: هي بشرى لا بد نافذة أيها القاتل، فمهما تعاليت وتجبّرت لا بد لك من عقاب في الدنيا قبل الآخرة، وإليكم هذه القصة التي حدثت مع قاتل في إحدى البلاد، حيث يقول محدثا: قصتي أنني قتلت إنسانا قبل عشرين سنة ولم يعرف أحد بذلك، ومرّت السنون إلى أن تواجدت بالصدفة في مكان تمت فيه جريمة قتل، واتهمت بها لتوفر الأدلة ضدي، وحكم عليّ بالإعدام، فجُن جنون أقاربي ومعارفي لذلك الحكم الجائر بحقي، ولكنني وقفت أمام القاضي وأخبرته أنني بريء من هذه الجريمة، فلم أقتل هذا الشخص، لكنني قبل عشرين سنة قد قتلت فلان الفلاني!! نعم بعد عشرين سنة نال عقابه الدنيوي بانتظار عقابه في الآخرة، الخلود بالنار، والعياذ بالله، لقوله تعالى: (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما).
فماذا استفدت أيها القاتل؟! هل استراح ضميرك؟! هل حللت مشكلتك بالقتل؟! أم أنك خسرت الدنيا والآخرة معا لأسباب تافهة؟! ما الداعي لأن تقتل أخاك؟! أو جارك، أو ابن بلدك!!! ألسنا جميعا إخوة في الدين والوطن؟! ألم تكفنا المعاناة من الظلم والاضطهاد والتمييز الذي نعاني منه تحت وطأة السياسة الممنهجة من قبل المؤسسة الإسرائيلية؟! يكفينا قتلا وسفكا للدماء.
6. الشرطة الإسرائيلية: الشرطة ذلك الجهاز الذي من المفترض أنه وجد للمحافظة على أمن وأمان المواطن في الدولة- هذا المتعارف عليه والطبيعي في كافة الدول- لكن بالنسبة لنا الشرطة هي الداعم الأول والمتواطئة مع عصابات الإجرام! ففي عام 2020 كانت هنالك 113 ضحية قتل في مجتمعنا العربي الفلسطيني، وهنالك جرائم تمّ تنفيذها تحت أعين الشرطة وبتواجدها ساعة تنفيذ الجريمة، كما حدث في جريمتي الأخوين من جت، وجريمة (شارع 6) التي راح ضحيتها طفل يبلغ من العمر 15 سنة!! ولغاية الآن لم تحل رموز هذه الجرائم ولم يكشف عن مرتكبيها. بالمقابل عندما وقعت جريمة قتل في غابات ريحان وكانت القتيلة يهودية لم تمض سوى سويعات حتى تم القبض على الجاني!
نعم هكذا تتعامل مؤسسة الشرطة الإسرائيلية مع قضايانا. كيف لا وهي المتهم الرئيس في توفير السلاح وضخّه إلى الشارع العربي الفلسطيني، ولا يخفى على أحد أن أكبر مصدر للسلاح هو الجيش الإسرائيلي حيث أن نسبة 70% من السلاح المنتشر بين أوساط الشباب مصدره الجيش الإسرائيلي!!! والكل يعلم أن الشرطة تغض الطرف عن تجار السلاح، لا بل وإنها متواطئة مع عصابات الإجرام!! وكل هذا سببه سياسة السلطات الإسرائيلية التي تريد من مجتمعنا أن يغرق في فوضى العنف والسلاح والإجرام، ولا يستطيع الخروج منها، وبذلك يحققون ويثبتون نظرية (الفوضى الخلاقة) لإشغال المجتمع العربي الفلسطيني بالعنف والإجرام الداخلي، ولفت نظره عن العنف والإجرام الذي تنتهجه المؤسسة الإسرائيلية بحق مقدساتنا وأرضنا وأوقافنا الإسلامية!!! وإلا ما معنى أن نسبة الفلسطينيين في البلاد تبلغ 21%من عدد سكانها لا يمتلكون إلا 2% من مسطح الأرض من مساحة البلاد، فأي توافق بين هذه النسب؟! هل يعقل أن يعيش الـ 21% على الرقعة الصغيرة جدا بظروف طبيعية!! ولا تنتج مشاكل سكنية للأزواج الشابة، ومشاكل للاستثمار والازدهار الاقتصادي، ومشاكل زراعية وإنتاجية. بالله عليكم كيف سيفي هذا المسطح الصغير لهذه النسبة من السكان؟! أليست هذه سياسة احتلالية عنصرية للزجّ في مجتمعنا إلى هاوية العنف والإجرام، بسبب ما ينتجه هذا الواقع من ظروف اقتصادية سيئة وبطالة، وفقر.
7. من يصحح بوصلتنا: لا ننكر أننا فقدنا السيطرة على البوصلة بسبب المتغيرات الاجتماعية والثقافية في مجتمعنا العربي الفلسطيني، وفي ظل هذه السياسة الاحتلالية الممنهجة ضدنا كأفراد وكمجتمع عربي فلسطيني، وفي ظل حظر حركات ومؤسسات فاعلة على الساحة المجتمعية الفلسطينية، وأكبر مثال حظر الحركة الإسلامية التي كانت تقوم بدور المضمد أو الإسعاف الأولي لتلبية احتياجات المجتمع في الداخل الفلسطيني، من خلال مؤسساتها الإغاثية والتربوية، وفي ظل سجن قيادات واعية و فاعلة رافضة لكل هذا الاضطهاد العنصري، ثابتة على موقفها بالمطالبة وأخذ حقوقنا كاملة، وعلى رأس هذه القيادات فضيلة الشيخ رائد صلاح الذي لا زال يدفع ثمن وقوفه بوجه هذا الظلم الجائر بحقنا كفلسطينيي الداخل!!
لكننا على يقين أن ظاهرة العنف والإجرام هذه ستندثر بإذن الله، لأنها ليست أصيلة متأصلة في مجتمعنا الفلسطيني (والأصل غلاّب) كما يقولون. صحيح أن علاج هذه الظاهرة قد يستغرق سنوات ويحتاج جهدا مضاعفا من الأهل والمربين والمشايخ بتغيير مفاهيم غريبة ومعايير مشوهة استفحلت في عقول أبنائنا وشبابنا وجعلت من العنف والعنف المضاد الحل الأمثل لحل مشاكلهم، إلا أننا إذا كثفنا الجهود، وأخلصنا النية لله في تغيير هذا الوضع، استطعنا الخروج بمجتمعنا الفلسطيني إلى بر الأمان من خلال استحضار وغرس القيم الإسلامية والأخلاق العربية في نفوس أبنائنا وبناتنا، وتربية جيل متسامح رحيم لا يلجأ في حل مشاكله إلى العنف، بل إلى استحضار الوازع الديني، وتأدية الحقوق والواجبات، وإرضاع أطفالنا مع الحليب أن دم المسلم على المسلم حرام، وأن العنف لا يولد إلا عنفا وإجراما، ولم ولن يكون القتل حلا لأي مشكل كان. فيا أيها الشباب، لا تجعلوا من دمائكم وقودا لتفكيك مجتمعنا الفلسطيني.