الانتصار لقيم المشروع الإسلامي
د. أنس سليمان أحمد
إن الانتصار للمشروع الإسلامي يستدعي انتصارًا لقيمه وخطابه، بمعنى أنه يجب أن تكون القيم إسلامية والخطاب إسلاميًا، ولا ينفع أن تكون القيم إسلامية والخطاب فظًا غليظًا، أو أن يكون الخطاب إسلاميًا والقيم لا إسلامية، بل لا بد من وحدة القيم والخطاب في عروة وثقى لا تقبل الانفصام، فالخطاب الإسلامي يعتمد الحوار والإقناع ومقارعة الحُجة بالحُجة، بعيدًا عن الإكراه وخنق الأصوات، ومصادرة آراء الآخرين، وفي ذلك يقول الله تعالى في القرآن الكريم: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ)، ولذلك فإن أبناء المشروع الإسلامي يرفضون تكفير الناس بغير وجه حق، ويرفضون التشديد عليهم بالنكير والوعيد فيصل الناس إلى اليأس والإحباط.
وعليه فإن أبناء المشروع الإسلامي قدوة، يرفقون بكل الناس ويتدرجون معهم في الإصلاح، ويحرصون على تأليف القلوب، ووحدة الصف وعدم إثارة الشحناء والبغضاء، والتسلح الدائم بالكلمة الطيبة وسمت الحِلم، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الحِلم في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه).
فأبناء المشروع الإسلامي لا يتوجهون بالإساءة لمن خالفهم، (لا يشغلون أنفسهم بالرد على من تطاول عليهم أو من انتقدهم إذا كان الحوار مظهره الجدال واللدد في الخصومة.. فما يشغلهم أكبر من هذه الخلافات)، ورحم الله تعالى الإمام الشهيد حسن البنا، عندما قال : “كونوا كالشجر يرميه الناس بالحجر ويرميهم بالثمر”، ومع ذلك يعتقد أبناء المشروع الإسلامي (بجواز الخلاف في الفرعيات بل هو ضروري لا بد منه، فلا يقفون عند هذا الخلاف ولا يجعلونه نقطة مفاصلة وافتراق) ولكن يتمسكون في نفس الوقت بحقهم بالحفاظ على خصائص مشروعهم الإسلامي وعدم جرّه إلى متاهات لا تُحمد عُقباها، قد تجرُّ السلبيات عليهم كما جرَّ على غيرهم، كلعبة الكنيست ولعبة التفريط بالثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية تحت أية ذريعة كانت، ولعبة شحذ الألسن والأقلام للتنابز بالألقاب ، ثم سيبقى أبناء المشروع الإسلامي قبل ذلك وبعد ذلك متمسكين بأدبهم في المكره والمنشط وفي أجواء كل طقس ومناخ، وفي ذلك يقول الله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
وعليه، فأبناء المشروع الإسلامي يؤمنون أنهم لن يكونوا فوق النقد في يوم من الأيام، لأنهم ليسوا معصومين، ولذلك سيخطئون، ولكنهم يتمنون على الجميع أن يتحلى بأدب النقد- أسلوبًا ومضمونًا- وسيتعاملون مع من انتقدهم بأدب النقد بقول الفاروق عمر رضي الله عنه: “رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي”، ثم سيتعاملون مع من أساء نقدهم في أسلوب نقده أو مضمونه بالنصيحة الذهبية التي يقول فيها الإمام حسن البنا: “وستسمعون أن هيئة من الهيئات تتحدث عنكم فإن كان الحديث خيرا فاشكروا لها في أنفسكم ولا يخدعنكم ذلك عن حقيقتكم، وإن كان غير ذلك فالتمسوا لها المعاذير وانتظروا حتى يكشف الزمن الحقائق، ولا تقابلوا هذا الذنب بذنب مثله ولا يشغلنكم الردّ عليه عن الجد فيما أخذتم أنفسكم بسبيله”.
فمن النقاط التي يؤمن بها أبناء المشروع الإسلامي أيضًا:
1. بأن لا يحتكروا المشروع الإسلامي، فهم ليسوا جماعة المسلمين بل من جماعة المسلمين، وليسوا الأمة الإسلامية بل من الأمة الإسلامية، وليسوا الدعوة الإسلامية بل من الدعوة الإسلامية، وسيظلون يدعون للتعاون من الآخرين، والمشاركة في كل صالح ومفيد.
2. إن أبناء المشروع الإسلامي يرفضون أسلوب العنف والإرهاب أو الإرغام مع الخصوم والهيئات المخاصمة، ويرفضون استخدام القوة بالشارع تحت مسمى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم سيظلون يتذرعون بالصبر والأناة والحكمة والموعظة.
3. إن أبناء المشروع الإسلامي يصرّون على دفع روح الإحباط واليأس وإيقاظ الإيمان والأمل، طامعين أن يحيوا في كل فرد من الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني: القلب الحي والروح المحلّقة، والنفس الشاعرة، والوجدان اليقظ، والإيمان العميق.
4. إن أبناء المشروع الإسلامي يدعمون (أية فئة من الأمة تستهدف الإصلاح والتعاون معها في ذلك، سواء المسلمين أو غيرهم من أبناء الوطن، أو حتى ممن لا يتبنون الشعار الإسلامي) مع التأكيد أن (هذا التعاون أو التأييد لبعض المواقف لا يعني القبول والرضا بأي منهج أو نظام يخالف منهج الإسلام ولا يقوم على أساسه) مع التأكيد الواضح أنه محال على أبناء المشروع الإسلامي أن ينضووا تحت لواء أي حزب هجين عن المشروع الإسلامي كائنًا من كان.