أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء عام وبداية عام ميلادي جديد!! وبغض النظر عمّا أؤمن به كمسلمة من أن مولد عيسى ابن مريم عليه السلام لم يكن في هذا التاريخ الذي يحتفل به إخوتنا المسيحيون، وإنما مولد المسيح عيسى ابن مريم كان في فصل الصيف وفقا لما جاءت به كتب التاريخ الإسلامي، إلا أنني أحترم معتقداتهم وثوابتهم الدينية لأن ديني الإسلامي يفرض عليّ ذلك: (لكم دينكم ولي دين) وبغض النظر كذلك عمّا أؤمن به من أن الشجرة التي هزّتها السيدة مريم العذراء لم تكن شجرة الصنوبر، بل كانت شجرة النخل كما ذكر القرآن الكريم: (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) وبغض النظر عمّا أؤمن به من أن عيسى ابن مريم نبي الله وليس ابنه أو أنه حتى الرب كما يدعون والعياذ بالله: (قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد). برغم كل ما ذكرت من عقائد ثابتة في ديننا الإسلامي الحنيف، إلا أنني وبسماحة الإسلام التي نشأت عليها ومن خلال تعاليم الإسلام التي تدعو لتقبل الآخر واحترامه واحترام معتقداته، حتى وإن كنا كمسلمين نخالفها على مبدأ (لكم دينكم ولي دين)، إذ لكل إنسان على هذه الأرض ديانته الخاصة التي ارتضاها لنفسه، ويقوم بشعائرها وأركانها وما علينا إلا احترام هذه الاختيارات.
لكن وللأسف الشديد أصبح بعض المسلمين وبحجة التسامح الديني والتعايش- لا سيّما وأننا نعيش في نفس الوطن مع إخوتنا المسيحيين- يحتفلون برأس السنة الميلادية أي في 12/31 من كل عام، ويضعون في بيوتهم شجرة الميلاد، وبابا نويل، ويضعون الهدايا تحت الشجرة، لا بل والأدهى أن هنالك من يشترون لباس بابا نويل لأطفالهم! وكل هذه الطقوس لها دلالات عقائدية في الديانة المسيحية، تخص المسيحيون فقط يحرم علينا نحن المسلمون القيام بها، لأننا بذلك نتفق معهم على أن هذه الشعائر النصرانية بامتياز!! وقد يسأل أحدنا إذن أين التسامح الإسلامي الذي تتغنون به؟! الجواب باختصار، أنه ليس من التسامح بشيء أن نصهر نحن كمسلمين ونذيب الفوارق العقائدية الأساسية بيننا وبين الديانات الأخرى، فلا يعقل أن يتساوى التوحيد والتثليث بحجة التسامح والتعايش. ولنتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم حُشِر معهم) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يكون أحدكم إمعة إذا أحسن الناس أحسن وإن أساء الناس أساء) بل على المسلم أن يتميز بشخصيته وتصرفاته وأسلوبه ويفتخر ويعتز بدينه وعقيدته.
وخلاصة القول: إنه وبحكم أننا نعيش مع إخوتنا المسيحيين فلا يجوز الاحتفال بأعيادهم الشعائرية، ولكن يمكننا على سبيل حسن الجوار أن نهنئهم فقط بأعيادهم إذا صدف أن التقينا بأحدهم في العمل أو كانوا جيرانا لنا كأن نقول لهم: ربنا يجعلها سنة خير على الجميع مع العلم، أنه لم يصدف أن سمعت أو قرأت عن أحد من النصارى قد احتفل معنا نحن المسلمون بأحد أعيادنا، فلما هذا التنازل عن الثوابت الدينية من بعض المسلمين كأفراد أو حتى كدول، ومن يريد التأكد فلينظر إلى التحضيرات الهائلة والمبالغ الطائلة التي تصرف على الاحتفال برأس السنة الميلادية في بعض الدول الإسلامية، والتي لو أنفقتها على الفقراء والمساكين لربما موّلتهم لسنة وسدت رمق عيشهم!! أليس فقراء المسلمين بل وفقراء العالم أجمع أولى بهذه الأموال؟!!!
جرد حساب وتقويم: لعلها فرصتنا الأخيرة ونحن نودع عاما ونستقبل عاما جديدا أن نقوم بجرد حساب لأعمالنا خلال هذا العام، ونبحث عن مواطن الخلل في حياتنا ككل، لنقوم بتحسينها. وحين أقول ربما تكون فرصتنا الأخيرة والوحيدة، ذلك أن أعمارنا بضعة أيام كلما انقضى منها يوم انقضى بضعه. لذلك علينا أن نستهلك هذه الأيام استهلاكا صالحا، ونستثمرها بطاعتنا لله، والخضوع لمنهجه والعمل الصالح الذي يقربنا إلى طريق الفلاح والنجاح، ولا نكون من الخاسرين (إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة).
فما أعظمها من خسارة، ألا تجد لك مكانا في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض!! لذلك علينا محاسبة أنفسنا قبل أن نُحاسب، ونزن أعمالنا قبل أن توزن علينا. فالمحاسبة سلوك الأذكياء الذين يعرفون كيف يصححون مساراتهم حتى يتفوقوا ويرتقوا لأعلى الدرجات (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني).
والمحاسبة التي أعنيها هنا ليست جلد الذات التي تعودنا عليها، والبكاء على الأطلال، إنما أقصد بالمحاسبة التقويم والتحسين وتنمية مواطن القوة في كل واحد منا، وأن نكون إيجابيين في حياتنا، ويمكن أن نقوم بهذه المكاشفة مع الذات كل نهاية يوم أو كل نهاية أسبوع أو كل نهاية شهر أو كل نهاية سنة، المهم أن نقوم بها حتى نزيل أدران أنفسنا ونجليها بالاستغفار وعقد النية على التوبة وتجديد بيعتنا لله ولرسوله.
فقف أمام مرآة نفسك، وأنظر أين الخلل، وقم بإصلاحه، قبل أن يتعذر عليك ذلك، فالأيام تجري سراعا ولا تدري أيها الإنسان متى موعد أجلك.
وآخر دعوانا اللهم إنا نستودعك سنة من عمرنا فاغفر لنا وارحمنا، وتقبل منّا صالحات أعمالنا واجعل السنة القادمة علينا سنة خير ويمن وإيمان على الجميع، وفرّح قلوبنا بنصر دينك وتحرير مسرى نبيك وأعز الإسلام والمسلمين. وصلّ اللهم على سيدنا وحبيبنا خاتم الأنبياء والمرسلين.