خاتمة: حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي (7)
نقاش ما بعد قرار الحظر
نقاش ما بعد قرار الحظر
ساهر غزاوي
بعد نحو 20 سنة من صناعة الأجواء المُهيئة، من المداولات والتصريحات من قبل الحكومات الإسرائيلية المختلفة المتعاقبة بدءًا بحكومة نتنياهو الأولى عام 1998 ومرورًا بحكومة شارون مرورًا بحكومة أولمرت وآخرها حكومة نتنياهو، بخصوص كيفية التعامل السياسي والأمني والقانوني مع الحركة الاسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح، وتكرار مصطلح “إخراج الحركة الإسلامية عن القانون”، فرض أمرًا واقعًا على مدار هذه السنوات التي خلت أن ملف تعامل الحكومات الإسرائيلية مع الحركة الإسلامية حسم منذ زمن وأصبح واقعًا لا خلاف فيه سوى السؤال: كيف سيتم ذلك قانونيًا ومتى الموعد المناسب؟.
في ليلة الـ17 من تشرين الثاني/نوفمبر (2015) أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو أن المجلس الوزاري المصغر(الكابينيت) قرر حظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، وقد تزامن مع اقتحام قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة، في ذات الوقت، مكاتب 17 مؤسسة أهلية تابعة للحركة الإسلامية، وقد تبع ذلك بأيام قليلة قرار بإغلاق جديد ليصل إلى نحو 30 مؤسسة وجمعية أهلية تابعة للحركة الإسلامية، التي تقدم الخدمات الإنسانية والاجتماعية والإعلامية والتربوية والاقتصادية والبحثية العلمية والدعوية وغيرها بهدف إنشاء رافعة محلية بجهود ذاتية، تسد النواقص الخطيرة في هذا المجال في أوساط أبناء الداخل الفلسطيني، الذين يعانون من تمييز عنصري واضح جراء سياسات الحكومات الإسرائيلية. جاء قرار حظر الحركة الإسلامية موقعًا من (موشيه يعلون) وزير الأمن الإسرائيلي آنذاك، إستنادا إلى أنظمة الطوارئ التي ابتدعها الانتداب البريطاني في فلسطين سنة 1945، وهي أنظمة ذات خلفية عسكرية، وضعت لخدمة الانتداب البريطاني في زمن الحرب، بهدف مواجهة المقاومة الفلسطينية في ذلك الوقت. وقد استخدمت إسرائيل هذه الأنظمة في فترة الحكم العسكري الذي فرضته على الشعب الفلسطيني لغاية 1966، ولكنها مع إنهاء الحكم العسكري لم تلغ العمل بأنظمة الطوارئ تلك، وواصلت استخدامها بين الحين والآخر لتحقيق أهداف سياسية في ملفات لم تكن لتصمد أمام القضاء.
وفي أعقاب تنفيذ قرار حظر الحركة الإسلامية، تواصل النقاش والتباين في الآراء والمواقف بين مؤيد ومعارض على المستوى السياسي الإسرائيلي والإعلامي بشكل خاص، ففي بيان لها باللغة الإنجليزية، علّلت وزارة الخارجية الإسرائيلية قرار حظر الحركة الإسلامية بالقول: “تحت شعار “الأقصى في خطر” يقود الجناح الشمالي للحركة الإسلامية حملة أكاذيب وتحريض باطلة بأن إسرائيل تنوي إلحاق الأذى بالمسجد الأقصى (جبل الهيكل) وتغيير الوضع القائم، في المكان المقدس لليهود وللمسلمين على حد سواء. إن الغالبية العظمى من الهجمات الإرهابية الفلسطينية الأخيرة استوحت أفعالها من البروباغندا والتحريض على العنف. وكجزء من حملتها هذه، ومن خلال التواطؤ مع حماس فقد أسس الجناح الشمالي مجموعتين من الناشطين؛ المرابطين والمرابطات. هذه النشاطات جاءت لتنفيذ أعمال استفزازية والتحرش باليهود وآخرين من المسالمين من غير المسلمين الذين يزورون جبل الهيكل. وإن الأنشطة العنيفة التي يمارسها أعضاء من هذه المجموعات أدّت إلى زيادة التوتر في جبل الهيكل”.
وعلى المستوى الرسمي الإسرائيلي أيضا، بارك يتسحاك هرتسوغ زعيم المعارضة آنذاك، حظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون ودعا إلى استكمال الخطوة في خطوة مماثلة لمنظمة “ليهافا”. وقال وزير الهجرة والاستيعاب؛ عضو الكابينيت زئيف إلكين: هذا قرار تاريخي في مواجهة مباشرة مع التحريض المتطرف للإسلام الراديكالي. بينما ربط وزير الاقتصاد نفتالي بينت بين الحركة الإسلامية وبين عملية داعش في فرنسا وقال: من باريس حتى القدس- حرب واحدة ضد الإرهاب. دولة إسرائيل تنتقل من الأقوال إلى الأفعال، نهدم بيوت مخربين ونسحب الجنسية وهذا الصباح (17/11/2015) أخرجنا الحركة الإسلامية عن القانون. إسرائيل تقود المعركة الدولية ضد الإسلام الراديكالي. أمّا وزير الأمن موشيه يعلون فقال: هذا تنظيم يشكل خطرا على أمن إسرائيل، وهذه أدوات إضافية في حربنا ضد أجسام تشجع التحريض والإرهاب وتتآمر على دولة إسرائيل بوسائل مختلفة. الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية يهدد أمن إسرائيل، وحسب معلومات تجمعت لدينا فإنه (الجناح الشمالي\ المترجم) تعاون مع منظمات إرهابية فلسطينية مثل “حماس”، بهدف إشعال الوضع وجرّه إلى العنف. هذا جسم خطير يعمل من خلال غطاء ديني ضد حق دولة إسرائيل في الوجود. أمّا عضو الكنيست يائير لبيد قال: لقد اتخذ الكابينيت قرارًا صائبا. غير معقول أن الذي يحرّض ويشجع الإرهاب داخل دولة إسرائيل يستطيع أن يستمر ويتحرك بحرية في الشوارع والمساجد، ويطور أهدافه المميتة. (بحسب ما نشره موقع واللا العبري).
وعلى الجانب الآخر المقابل للردود المؤيدة لقرار حظر الحركة الإسلامية، برزت ردود ومواقف إسرائيلية رافضة لهذا القرار، فتحت عنوان “حظر الحركة الإسلامية لن يوفر الأمن”، نشر موقع (حبرتيت) مقالا للكاتب أوري بار حمّل من خلاله الحكومة الإسرائيلية قرار حظر الحركة الإسلامية وقال إن قرار (الكابينيت) يشكل هجمة أخرى من الملاحقة السياسية والتحريض العنصري ضد الجمهور العربي الفلسطيني. والحكومة تحاول التملص من مسؤوليتها عن أزمة التصعيد في الصراع وتوجّه إصبع الاتهام نحو “التحريض الفلسطيني”. وقال لن يؤدي حظر الحركة الإسلامية إلى تحسين أمن أي شخص، لا الجمهور اليهودي الإسرائيلي، وبالطبع، ليس الجمهور العربي الفلسطيني. حتى رئيس جهاز الأمن العام يورام كوهين أوضح أن الحركة الإسلامية لا علاقة لها بالتورط في أعمال إرهابية. بينما قال الصحافي في “هآرتس” جدعون ليفي: أنا ضد إخراج أية حركة عن القانون، لأنه عندما يبدؤون في الإخراج عن القانون فهذا دليل على حشرجات الديمقراطية التي لا تدري ماذا تفعل بنفسها. فقط من يرتكب مخالفات جنائية يقدّم للقضاء.
وفي تقرير لموقع “العين السابعة” العبري، حول قرار حظر الحركة الإسلامية، وخاصة حظر المؤسسات الإعلامية، وعلى رأسها صحيفة صوت الحق والحرية. أشار التقرير إلى أن القرار ظالم، خاصة وأنه يستند إلى أنظمة الطوارئ، وأنه كان يجب عدم حظر وسائل الإعلام التابعة للحركة الإسلامية، لأنها لم ترتكب مخالفات قانونية. وقال التقرير: “إذا كان هناك من يستعمل أنظمة الطوارئ فهذا دليل على أنه ليس عنده ما يثبته”، وتم توقيع عريضة احتجاج على إقالة 46 صحافي وإعلامي من المؤسسات الإعلامية التي حظرتها حكومة نتنياهو بادرت إليها جمعية “إعلام” ووقع عليها 113 رجل إعلام وصحافة من العرب واليهود ووجهت إلى مكتب بنيامين نتنياهو.
وبحسب صحيفة “معاريف”، فإن المحلل العسكري في القناة العاشرة، ألون بن دافيد قال إن إخراج الحركة الإسلامية عن القانون يدلّ على عدم فهم المجتمع العربي الإسرائيلي. القرار يرفع ثانية أسهم الحركة (التي تعاني من هبوط)، وتوحّد حولها الجمهور العربي، لكن السياسيين طلبوا عمل شيء ما والشاباك ضبط موقفه (مع القرار).
في الختام، فإنه بقرار حظر الحركة الإسلامية تفتح الحكومة الإسرائيلية مواجهة وتعلن الحرب ضد المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، وإذا كانت السلطات تأخذ على قادة الحركة الإسلامية تحريضهم على الدولة الإسرائيلية (بحسب زعمهم)، فلماذا لا تحرك هذه السلطات ساكنًا ضد الحاخامات والمرجعيات الدينية اليهودية التي تواصل إصدار الفتاوى العنصرية التي تدعو لذبح العرب، والكثير من هذه المرجعيات هم حاخامات يتلقون رواتبهم من الدولة، مثل الحاخام مردخاي إلياهو الذي أفتى بجواز قتل حتى شيوخ الفلسطينيين ونسائهم وأطفالهم وبهائمهم!!.