نتنياهو بين حظر الحركة الإسلامية واحتضان الحركة الإسلامية (5)
توفيق محمد
ما كان الإسلام يوما من الأيام حزبا سياسيا حتى يقاس أداء اتباعه بصوابه، وما كانت الحركة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية عالميا حزبا سياسيا في منشئها واستمرارها حتى يقتصر تقييمها على الأداء السياسي لأتباعها أو المتسمين باسمها، وإن كانت السياسة جزءا من أدائها الكلي الشامل الذي تظلل فروعه كل تفاصيل الحياة، ولذلك فإنه في الوقت الذي تطغى فيه السياسة على مجمل التفاصيل فإنه ينبغي على متعاطيها وقفة تأمل ومراجعة حتى تعاد المياه إلى منبعها الأصيل الصافي، وإلا فإن وصف الحركة الإسلامية أو الصحوة الإسلامية يصبح كبير المقاس عليهم، لانهم حينئذ يكونون حزبا سياسيا كباقي الأحزاب السياسية الدنيوية تتعاطى فن الممكن السياسي بفضفاضيته غير المتزنة وغير المؤدلجة بمرجعيتها الإسلامية ببعدها العقدي والشرعي.
نعلم أن السياسة هي فن الممكن، وأن متعاطيها يراوحون بين أهدافهم وبرامجهم، وبين أهداف نظرائهم وبرامجهم، وبالتالي فإن التوفيق بين الإثنين ضمن الممكن الذي يرضى به الطرفان يكون هو الحكم في كثير من الأحيان، ولذلك فإن خوض هذا المعترك على مستوى وضعنا نحن في هذه البلاد ينقسم إلى قسمين:
1. السياسة المحلية التي نتعاطى بها مع النسيج السياسي العربي في مجتمعنا العربي الفلسطيني، وهو ما يتيح الكثير من المرونة السياسية التي تبقي على المسلمات العقدية والدينية كما هي، حيث نقاط الالتقاء بين الفرقاء السياسيين في مجتمعنا كثيرة، تتغلب في أغلب الأحيان إن لم يكن في كلها على نقاط الافتراق، بل يمكن أن تتغاضى فيها الأطراف مجتمعة على المختلف عليه بما لا يثلم مبادئها ومواقفها وأدائها الديني والوطني، لأن الكل يعاني من سياسة الدولة اتجاه شعب كامل.
2. المشاركة في الكنيست وفي السياسة على مستوى الدولة بما تجمع من أحزاب يهودية وصهيونية على مختلف مشاربها الدينية والصهيونية واليمينية واليسارية، إن بقي من اليسار في هذه الدولة شيء، وهنا تتداخل الأمور بعضها ببعض، ويختلف الأداء ويصبح فن الممكن في دائرة الشبهات التي تثلم هيبة الدين لما تثلم من هيبة حامليه إذ بسطاء الناس وعوامهم يأخذون دينهم عن قيادات العمل الإسلامي بالمفهوم الوعظي والسياسي، فإذا وقع أحدهم في المحظور دينيا، أو المحظور سياسيا، أو المحظور وطنيا (ولا أقصد التخوين أو التأثيم لا سمح الله) وهو يعتقد أنه يتحصل من خلال ذلك على مصلحة جامعة لشعبه، فإنه سيكون بذلك قدوة لأبناء مجتمعه، وسيؤدي إلى هدم أسوار حماية المجتمع والشعب من السقوط في هاوية المحظور دينيا ووطنيا، تلك الأسوار التي طالما عمل على بنائها لتحصين المجتمع والشعب.
منذ نشأت في مطلع سنوات الثمانين سعت الصحوة الإسلامية، أو الشباب المسلم وما اصطلح على تسميته لاحقا باسم الحركة الإسلامية إلى تذكير الناس بما غُيِّبَ عنهم من أمور دينهم بفعل انقطاعهم عن محيطهم الإسلامي والعربي والفلسطيني بعد النكبة، وكان ولن يتغير هدفها تذكير الناس بدينهم ودعوتهم إلى سيادة الإسلام في كل أمور حياتهم، واتبعت في سبيل ذلك كل السبل وأنشأت لذلك المؤسسات والجمعيات الخيرية التي ما تركت جانبا من جوانب الحياة في المجتمع يمكن من خلاله خدمة هذا الهدف وهذا الشعب إلا واتبعته، وغني عن التبيان أن حكومة إسرائيل حظرت من حظرتهم في 17/11/2015 وأبقت على من أبقت، وكان ثمن ذلك هو الانخراط في السياسية الإسرائيلية عبر الكنيست.
سبق وقلت في مقالات سابقة من هذه السلسلة أن ولوج العتبة الأولى من عتبات الكنيست يوجب على داخلها إلقاء الكثير من الأحمال والتخلص منها حتى يتسنى له العيش مع نتنياهو وجوقته، أو مع غانتس، أو غيرهم في هذا العالم.
لذلك ولما كانت الحركة الإسلامية ليست حركة سياسية، وإنما السياسة جزء من كينونتها، ولما كانت الحركة الإسلامية في الأساس حركة دعوية تدعو الناس إلى العودة إلى الدين فإن كل ما من شأنه أن يعيق هدفها ذاك ينبغي ان يُحَيَّد من طريقها، وإن استعدت الحاجة إلى العودة المربع الدعوي الأول فليكن، فما كانت حركة إسلامية إلا لهذا الهدف، ومن أراد أن يبقى هناك، فليفعل ذلك بأي اسم آخر لا علاقة له بالصحوة الإسلامية أو الحركة الإسلامية أو المشروع الإسلامي أيا كان اسمه.
وقديما قال الإمام الشهيد لأبناء دعوته وهو يربيهم: “لسنا حزبا سياسيا، وإن كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا، ولسنا جمعية خيرية إصلاحية، وإن كان عمل الخير والإصلاح من أعظم مقاصدنا، ولسنا فرقا رياضية، وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من أهم وسائلنا، لسنا شيئا من هذه التشكيلات فإنها جميعا تخلقها غاية موضعية محددة لمدة محدودة، وقد لا يوحي بتأليفها إلا مجرد الرغبة في تأليف هيئة، والتحلي بالألقاب الإدارية فيها ..ولكننا .. فكرة وعقيدة.. ونظام ومنهج، لا يحدده موضع ولا يقيده جنس، ولا ينتهي بأمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ذلك لأنه نظام رب العالمين، ومنهاج رسوله الأمين ..
نحن أيها الناس ولا فخر أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتباع صحابته وحملة رايته من بعده، ورافعو لوائه كما رفعوه، وناشرو لوائه كما نشروه، وحافظو قرآنه كم حفظوه، والمبشرون بدعوته كما بشروا ورحمة للعالمين (ولتعلمن نبأه بعد حين).