حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي (6)
حسم النقاش الإسرائيلي لصالح قرار الحظر
حسم النقاش الإسرائيلي لصالح قرار الحظر
ساهر غزاوي
في أعقاب النقاشات والمداولات الإسرائيلية الداخلية للبتّ في قرار حظر الحركة الإسلامية حول مؤيد ومعارض، كان من المنتظر أن تؤدي النتيجة إلى أن ترجّح الكفّة لصالح طرف ما. وعليه فقد انتهت إلى أن مبعث الاحباط لدى الأوساط الإسرائيلية الحاكمة مرده إدراكها أن الحركة الإسلامية قد تجاوزت الطور النخبوي وتمكنت من تعميق تفاعلها الجماهيري، فضلاً عن إدراك الكثير من النخب الإسرائيلية أن حملات المطاردة والملاحقة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية ضد الحركة الإسلامية ستؤدي في الأغلب إلى نتائج عكسية.
لذلك، فقد وصلت القيادة الإسرائيلية إلى قناعة بحسم أمرها في ظل الخلاف وتباين الآراء حول حظر الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح بما عبر عنه الكاتب “يوسي تسرويا” في مقال له نشر في موقع (نيوز 1) العبري تحت عنوان “الخطوة ضد الحركة الإسلامية ضرورية” قال فيه: “لا يجب تجاهل الادعاءات المعارضة للحظر، لكن الصعوبات التي ستنتج، لا تلغي ضرورة اتخاذ هذه الخطوة. فالإخراج عن القانون هو رسالة هامة وحيوية. فقادة الحركة الإسلامية وكذلك المتطرفون في قيادة الوسط العربي يجب أن يستوعبوا بوجود حدّ لما تستطيع الدولة ومواطنوها اليهود تحمله. ولا يمكن السماح لحركة معارضة لإسرائيل ولليهود، ونقشت على رايتها تدمير دولة اليهود، وتبث الأكاذيب وتحرض الجمهور العربي المسلم، ولا تتورع عن استخدام كل وسيلة، وتشجع العنف وتؤيد منظمة حماس الإرهابية، أن تستمر وكأن شيئا لا يحدث. دولة إسرائيل هي دولة ديمقراطية، الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المعقدة، لكنها ديمقراطية تدافع عن نفسها، وإخراج الحركة الإسلامية عن القانون هو دفاع خالص عن النفس”.
وما يدعم ذلك أيضا، هو القرار الذي يتماهى في طبيعته مع طبيعة المعاملة التي خُصَّ بها الإسلاميون في ظل الأنظمة الاستبدادية القائمة في منطقة الشرق الأوسط، أثبت فعالية عالية في تحقيق مزيد من التشظي داخل أوساط المعارضة ودفعها إلى الابتعاد عن ممارسة دورها المعارض المسموح به قانونًا. لذلك لقد جاء قرار حكومة نتنياهو بحظر الحركة الإسلامية بعد أيام من هجمات لتنظيم الدولة (داعش) في العراق وسوريا، وكذلك في باريس، وهي هجمات خلفت 130 قتيلا. وقد استغل نتنياهو الهجمات، حتى أنه شبّه الحركة الإسلامية بتنظيم الدولة.
وبناء على ما يقوله الشيخ رائد صلاح، فإن الولايات المتحدة ودول عربية – يقصد الأردن – لعبت دورا رئيسيا في منح نتنياهو الضوء الأخضر. وقال إن الحظر خطط له في أواخر تشرين الأول بين نتنياهو وبين وزير الخارجية الأمريكي كيري. فوفقًا لتقرير في موقع “ميدل ايست ريبورت اون لاين” نشر في (11/1/2016)، أعدّه الصحفي (جوناثان كوك)، أن الشيخ رائد صلاح أخبره في مقابلة أجراها معه بناء على مصادره، أن ذلك الاجتماع (تفاهمات كيري/ المترجم) هدف أكثر على تحديد وسائل لحظر الحركة الإسلامية لإبعادها عن الطريق. “هناك تقديرات مدعومة بمعلومات من مصادر دبلوماسية تفيد بأن الأردن غير مرتاحة لدور الحركة الإسلامية في الأقصى، فعمان- حسب تلك المصادر- كانت قلقة من أن دور الحركة الإسلامية يهدد سلطتها هناك. كما أنها فضّلت إبعاد أضواء موجة الاضطرابات الحالية عن الأقصى. وليس واضحا حتى الآن كيف سيتمكن الشاباك والشرطة من تطبيق الحظر على حركة لها آلاف الأعضاء، داخل الأقلية الفلسطينية الكبيرة في إسرائيل، وكذلك متابعة مؤسسات وجمعيات خيرية على امتداد البلاد. لقد تعهد رئيس الحركة الشيخ رائد صلاح بمواصلة العمل، وأكد أن الحركة ليست أمرا عابرا بل لها جذور في كل مكان. وبناء على ما ذكر، فإن الشباك الإسرائيلي عارض حظر الحركة الإسلامية خوفا من ضعف الموقف أمام الرأي العام الإقليمي والدولي، وتبعات ملاحقة الإسلام السياسي. وعندما حدث الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي في مصر في 2013، فإن خطوة السيسي في حظر حركة الإخوان المسلمين في مصر، وشنّ حملة ضد حركة حماس في غزة، ساعدت نتنياهو على اتخاذ خطوات ضد الحركة الإسلامية. وفي ذات الوقت توتر الوضع في أوروبا والولايات المتحدة عقب هجمات باريس. وقد أدرك نتنياهو أن الموقف الدولي لن يكون ضده في خطوته، وأنه لن يعارض وضع الحركة الإسلامية وحماس وداعش في سلة واحدة. بحسب ما جاء في التقرير.
ويدعم هذا الادعاء، النص التالي من كتاب الشيخ رائد صلاح (إضاءات على ميلاد الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا- صفحة 556، 555) إذ جاء فيه: “كان ذلك قبيل حظر الحركة الإسلامية بأيام معدودات، عندما جمعنا الله تعالى بأحد وجهاء الاهل المقدسيين ويدعى أمجد أبو عصب. وخلال ذاك اللقاء حدثنا على لسان عزام الخطيب (مدير الأوقاف في القدس والأقصى) أن عزام الخطيب كان قد أجرى، بعد إعلان وزير الخارجية الأمريكي كيري عن وجود اتفاق أردني- إسرائيلي حول المسجد الأقصى، كان قد أجرى مكالمة هاتفية مع أحد المسؤولين الكبار في القنصلية الأمريكية في القدس المباركة، فقال له المسؤول الأمريكي في سياق تلك المكاملة إن الاتفاق الأردني الإسرائيلي سيساعد على حظر الحركة الإسلامية”.
ويذكر في هذا السياق أيضًا الشيخ رائد صلاح في كتابه (صفحة 562) أن “محمود مواسي الذي كان يشغل منصب سكرتير الحزب العربي الديمقراطي حدثنا أن لقاء جمع وفدا رسميا من الحزب العربي الديمقراطي مع بعض شخصيات فلسطينية كانت تشغل مناصب رسمية في السلطة الفلسطينية، وخلال ذاك اللقاء قال واحد من تلك الشخصيات الفلسطينية: إن الإسرائيليين حاولوا أن يدّعوا أمامنا أننا لا نعمل ما هو المطلوب للقضاء على حماس. فقلنا لهم بالحرف الواحد: عندكم رائد صلاح، فلماذا لا تقومون بتحجيم تحركاته؟ فأدركنا بعد أن سمعنا تلك القصة من محمود مواسي، أن هناك بعض الشخصيات الفلسطينية مع شديد الأسف، لن يزعجها إطلاقا أن تقوم المؤسسة الإسرائيلية بحظر الحركة الإسلامية”.
الشيخ كمال خطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية قبل حظرها، يدعم بتصريحاته ما ذهب إليه الشيخ رائد صلاح في مقابلة صحافية معه في موقع (عرب 48- 26/11/2017) بقوله: “من الواضح أن سبب قرار الحظر داخلي، ولكن إسرائيل استغلت الحالة الإقليمية العربية، التي تشعرها بالطمأنينة، بأن فعلها لن يجابه حتى بتسجيل موقف، ونحن على قناعة أن قرار حظر الحركة الإسلامية، اتخذ بشكل أولي في اجتماع بتاريخ 25/10/2015، أي قبل 3 أسابيع من إصداره، في اجتماع جمع بين السيسي وملك الأردن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجون كيري، في مدينة العقبة الأردنية، ونسب للحركة الإسلامية أنها وراء هبة القدس عام 2015”.
إلى جانب هذه القرائن التي شجّعت الحكومة الإسرائيلية لحسم قرارها بشأن حظر الحركة الإسلامية، هو ما أعلنه المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أنه لا يوجد أي مانع قضائي يمنع حظر الحركة الإسلامية. فقد ذكرت وسائل إعلام عبرية في صباح اليوم الأول من حظر الحركة الإسلامية أن القرار صدر عقب ضغوط مارستها الشرطة الإسرائيلية خلال الاجتماعات الأخيرة للمجلس الوزاري الأمني المصغر. وقدرت الشرطة أن هذا القرار في حال صدوره لن يؤدي إلى تصعيد الوضع الميداني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في حين أكدت أوساط جهاز الأمن العام “الشاباك” أنه قد تكون له تبعات أمنية ميدانية غير مريحة لإسرائيل. وقالت إنه منذ اندلاع الأحداث أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي (2015)، عقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر خمسة اجتماعات مطولة على الأقل بحثت جميعها في إمكانية إصدار قرار بحظر الحركة الإسلامية واعتبارها خارجة عن القانون. فقرار الحظر كان قد صدر في المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) قبل أسبوعين من تاريخ تنفيذه، وجاء بعد أن قدم جهاز الأمن “الشاباك” أدلة سمحت للنظام القانوني بتقدير قدرته على الدفاع عن القرار في المحكمة العليا. وزعم الشاباك أنه جمع أدلة والتي تثبت أعمال الحركة الإسلامية غير القانونية وأن الأموال جاءت من حركة حماس والإخوان المسلمين. وكانت الجهات الرئيسية المعنية هي جهاز الأمن العام والشرطة ووزارة العدل، كما تم النظر في بدائل قانونية أخرى ولكن في النهاية تقرر حظرها. وبمجرد أن أعلنت وزارة العدل أنها تستطيع الدفاع عن القرار القانوني أمام المحكمة العليا، صدر القرار من مجلس الوزراء بحظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون. وجاء في ردّ الشاباك: “غني عن البيان أن جهاز الأمن العام يعمل على التنفيذ الكامل لأي قرار يتخذه المستوى السياسي”.
وبناء على ما استنتج، فإن ما دفع الحكومة الإسرائيلية المتمثلة بالمجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) إلى حسم أمرها، بحسب القرائن المشجعة لقرار حظر الحركة الإسلامية ما يلي:
• استغلال الأجواء المتوترة على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، خاصة ما حدث في فرنسا واستهداف الإخوان المسلمين في مصر خاصة.
• اعلان المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أنه لا يوجد أي مانع قضائي يمنع حظر الحركة الإسلامية.
• موافقة الشاباك على قرار الحظر بعد أن كان الجهة الإسرائيلية الوحيدة المعارضة وذلك لزعمه جمع أدلة تثبت أعمال الحركة الإسلامية غير القانونية وأن الأموال جاءت من حركة حماس والإخوان المسلمين.
• قرار حظر الحركة الإسلامية، اتخذ بشكل أولي في اجتماع بتاريخ 25/10/2015، أي قبل 3 أسابيع من إصداره، في اجتماع جمع بين السيسي وملك الأردن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجون كيري، في مدينة العقبة الأردنية، ونسب للحركة الإسلامية انها وراء هبة القدس عام 2015.