لماذا تريد الولايات المتحدة تفكيك فيسبوك؟
رفعت لجنة التجارة الفدرالية الأميركية و48 مدعيا عاما للولايات المتحدة، يوم الأربعاء الماضي، دعاوى قضائية كبرى ضد شركة فيسبوك (Facebook) تصف فيها عملاق وسائل التواصل الاجتماعي بالاحتكار الذي تؤذي ممارساته المناهضة للمنافسة الأميركيين.
وبحسب تقرير موقع ريكود (Recode) تأتي الدعاوى بعد أكثر من عام من التحقيقات، وهي أكبر تحد يواجه فيسبوك لمكافحة الاحتكار. وتطالب الدعاوى بشكل أساسي بتفكيك فيسبوك عن طريق إجباره على التراجع عن عمليات الاستحواذ على إنستغرام (Instagram) وواتساب (WhatsApp) واللذين يضمان معا مليارات المستخدمين.
وتزعم الدعاوى القضائية أن مثل هذا الإجراء قد يكون ضروريا لأن فيسبوك قد سحق منافسيه وحقق الهيمنة من خلال شراء منافسين محتملين، وأن هذا يحد من خيارات المستهلكين الأميركيين ويقلل من قدرتهم على حماية الخصوصية.
وقالت ليتيتيا جيمس المدعي العام في نيويورك، التي قادت الدعوى القضائية التي رفعتها 46 ولاية بالإضافة لواشنطن العاصمة، للصحفيين “لقد خنقوا الابتكار، وأضعفوا حماية الخصوصية لملايين الأميركيين، لا ينبغي لأي شركة أن تتمتع بهذه القوة غير الخاضعة للرقابة على معلوماتنا الشخصية وتفاعلاتنا الاجتماعية”.
ووصف منشور على مدونة الشركة الدعاوى القضائية بـ “التاريخ التحريفي” وأكدت فيسبوك أن استحواذها على واتساب وإنستغرام تمت الموافقة عليه من قبل لجنة التجارة الفدرالية (FTC) منذ سنوات، وقالت إن السماح بـ “تجاوز” هذه الحقيقة من شأنه أن يثير سابقة مثيرة للقلق للشركات مفادها “لن يكون هناك أي بيع في المستقبل على الإطلاق”.
تأتي الدعاوى القضائية في وقت محوري بالنسبة للشركة، حيث يقوم الجمهور والمنظمون والمشرعون بفحص هذه الشركات وتأثيراتها على المجتمع والاقتصاد.
فقد اختتمت لجنة مكافحة الاحتكار بمجلس النواب في أكتوبر/تشرين الأول تحقيقا استمر 16 شهرا بإصدار تقرير واسع النطاق وجد أن فيسبوك وزملاءها من عمالقة التكنولوجيا مثل أمازون (Amazon) وآبل (Apple) وغوغل (Google) لديها ممارسات احتكارية وتحتاج إلى تنظيم أفضل.
السؤال الذي لا يزال دون حل: هل قوانين مكافحة الاحتكار المكتوبة منذ عقود ترقى إلى مستوى مهمة تنظيم الشركات في عصر الإنترنت؟
ورغم أن النتائج متشابهة، فإن الدعاوى القضائية الجديدة تختلف عن تقرير المشرعين الذي يقدم توصيات، ولكن لا يمكنه فعل الكثير لتنفيذ تلك الاقتراحات.
ومع ذلك، قد تؤدي هذه الدعاوى إلى إجبار فيسبوك على اتخاذ إجراءات معينة، مثل دفع غرامات أو بيع واتساب وإنستغرام استنادا إلى القوانين الحالية. ومن السابق لأوانه تحديد تأثير هذه الدعاوى القضائية.
لماذا تقول الحكومة إن فيسبوك سيئ؟
ورغم أن القضايا من لجنة التجارة الفدرالية والمدعين العامين ليست متطابقة تماما، فقد اجتمعت الأطراف في طرح قضية واحدة حول كون شركة فيسبوك معادية للمنافسة.
ففي حين أن الدعاوى القضائية تركز على عمليات الاستحواذ على واتساب وإنستغرام، تجمع على أن سلوك فيسبوك المانع للمنافسة هو جزء من نمط أوسع. فقد وجدوا أن فيسبوك احتكار قوي لوسائل التواصل الاجتماعي يجمع كمية هائلة من البيانات عن المستخدمين الأميركيين التي تستخدمها الشركة لبيع الإعلانات.
وتشير الكثير من الأدلة في القضايا إلى تعليقات من كبار المديرين التنفيذيين في الشركة، بما في ذلك الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ، كدليل على أن فيسبوك مناهض للمنافسة عن قصد.
وتستشهد لجنة التجارة الفدرالية برسالة بريد إلكتروني أرسلها زوكربيرغ إلى زميل له في اليوم الذي أعلن فيه فيسبوك أنه سيشتري إنستغرام، قال فيها “أتذكر مشاركتك الداخلية حول إن كان إنستغرام يمثل تهديدا لنا وليس غوغل+ (+Google). كنت على حق في الأساس. ولكن هناك شيء واحد جيد بخصوص الشركات الناشئة هو أنه يمكنك غالبا الحصول عليها”.
وقالت سالي هوبارد من معهد الأسواق المفتوحة “ما تعنيه الدعوى القضائية أن قوة احتكار فيسبوك وشبكات التواصل الشخصية لم تكن مجرد نتيجة للابتكار أو كونها أفضل منتج أو خدمة متاحة، بل بالأحرى أن فيسبوك انتهكت قوانين مكافحة الاحتكار من أجل ضمان عدم مواجهته أي منافسة ذات مغزى”.
أي تفكيك محتمل طريق طويل
إذن ما الحل للتراجع عن بعض الأضرار التي تقول هذه الدعاوى القضائية إن فيسبوك يتسبب فيها للمستخدمين والسوق؟
تأمل الدعاوى بأن يقوم عملاق وسائل التواصل بتفكيك نفسه. لكن الوصول إلى هذا سيكون صعبا، وإذا حدث، فسيستغرق وقتا. وترى هوبارد أن التقاضي بشأن إجبار فيسبوك على بيع إنستغرام وواتساب قد يستغرق سنوات. وقال خبراء آخرون لموقع ريكود أنه من المحتمل ألا تبدأ العملية حتى العام المقبل، أو حتى وقت متأخر من عام 2022.
ويكمن التعقيد الآخر في مواصلة فيسبوك بربط تطبيقاته، مما قد يجعل فصلها أكثر صعوبة، ففي عام 2019، أعلن فيسبوك أنه سيبدأ في دمج البنية التحتية التقنية لأنظمة المراسلة المباشرة التي تستخدم في منتجاته الثلاثة (فيسبوك وإنستغرام وواتساب) وتمتلك الشركة أيضا آمالا أكثر طموحا بشأن واتساب، حيث أشارت الشركة إلى أنها قد تربط خدماتها الإعلانية على فيسبوك وإنستغرام بمنصة المراسلة.
في منشور لفيسبوك على مدونتها، جادلت الشركة بأنها تواجه منافسة على خدمة الإعلانات من منصات أخرى مثل غوغل وتيك توك (TikTok).
ليس هذا الدفاع الوحيد الموجود في ترسانة فيسبوك لمواجهة الدعاوى القضائية، فهي تقول “نظرا إلى ما فعلناه مع الشركات التي استحوذنا عليها. هل وضعناهم للتو على الرف؟ هل جمدناهم؟ لقد أخذنا مشاريع صغيرة نسبيا في مرحلة هشة وغير موكدة، وقمنا بتحويلها إلى شيء خاص”.
وأبلغ الخبراء موقع ريكود أن البيع القسري بالتأكيد احتمال وارد، لكن من السابق لأوانه تحديد كيفية حدوث ذلك.
وفي حين لا تعتبر الاتهامات بأن فيسبوك يمارس سلوكا مانعا للمنافسة جديدة، تمنح الدعاوى القضائية الجديدة منتقدي الشركة المزيد من المؤيدين، كما تشير إلى أن الضغط من أجل تنظيم أكثر صرامة لشركات التكنولوجيا الكبيرة لن يختفي عندما يتولى الرئيس المنتخب جو بايدن منصبه عام 2021.
المصدر: مواقع إلكترونية