حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي (5)
النقاش الإسرائيلي الداخلي حول قرار حظر الحركة الإسلامية (ب)
النقاش الإسرائيلي الداخلي حول قرار حظر الحركة الإسلامية (ب)
ساهر غزاوي
كنّا قد تناولنا في المقالة السابقة الكلام حول الجدل العميق الذي دار داخل المؤسسة الحاكمة وفي أوساط النخب الإسرائيلية عبر تمرير مشروع قانون في الكنيست تعتبر بموجبه الحركة الإسلامية حركة غير قانونية. وحول جدوى نزع الشرعية القانونية عن عمل الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون الإسرائيلي، وأكدنا من خلال قرائن ودلالات تم رصدها عبر تصريحات وخطابات الساسة وكبار الجنرالات والباحثين والصحافيين الإسرائيليين الإعلامية من “الطرف المؤيد” الذين رأوا أن الخطوة الأولى التي يتوجب اتخاذها من أجل مواجهة الحركة الإسلامية بنجاعة تتمثل في حظرها وإخراجها عن إطار القانون الإسرائيلي.
الطرف المعارض
في مقابل “الطرف المؤيد”، في النقاش الإسرائيلي الداخلي حول قرار حظر الحركة الإسلامية، برز طرف معارض، ليس من باب الإنصاف والعدل ولا ارتكازا على أسس الحرية والديمقراطية التي تتشدق بها المؤسسة الإسرائيلية وتتباهى أمام دول الغرب بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، إنما من باب حسابات وتقديرات ممكن أن تعود بالسلب على المؤسسة الإسرائيلية في حال أقدمت على مثل هذه الخطوة.
فقد رأى “الطرف المعارض” أن إخراج الحركة الإسلامية عن إطار القانون سيرتد كسهم إلى عنق الدولة الإسرائيلية ذاتها. ويشارك في هذا الرأي أوساط عسكرية وأمنية وسياسية. فقد كشفت الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية النقاب عن أنه خلال مداولات سرية أجراها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون في مارس 2004 حول مسألة إخراج الحركة الإسلامية عن إطار القانون اعترض قادة شعبة الاستخبارات العسكرية وبعض قادة “الشاباك” على هذه الفكرة على اعتبار أن مثل هذا الإجراء سيدفع الحركة الإسلامية للعمل السري بشكل يجعل من الصعب على مؤسسات الدولة متابعتها، إلى جانب أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى تعاظم شعبيتها في أوساط فلسطينيي 48، وقد يدفع الحركة للانتقال للعمل العنيف ضد أهداف الدولة.
وذكر موقع “ميدل ايست ريبورت اون لاين” بالإنجليزية في (11/1/2016) في تقرير أعدّه، أنه بعد أسابيع من الاضطرابات في القدس وفي الضفة الغربية، والتي بدأت في أواخر الصيف الماضي، صرّح نتنياهو في تشرين الأول (2015) قائلاً: نحن نتعرض لموجة من الإرهاب بالسكاكين وإطلاق النار والتفجيرات والحجارة، ومع أن هذه الأعمال غير منظمة، فإنها جاءت نتيجة للتحريض من حماس والسلطة الفلسطينية ودول عديدة في المنطقة، وليس أقل من ذلك بل أكثر، من الحركة الإسلامية، التي تثير الأجواء بأكاذيب حول سياستنا في جبل الهيكل (المسجد الأقصى). ولقد استند نتنياهو في اتهاماته للحركة “بالتحريض” على المقاومة والهجمات الفردية، على نصائح تلقاها من جهاز المخابرات “الشاباك”. ولكن في مطلع تشرين الثاني، أياما قليلة قبل الحظر، أبلغ “هرتسا هليفي”، رئيس استخبارات الجيش، “الكابينيت” أن مزيجا من اليأس وعدم وجود ما يخسره الفلسطينيون، وقليل من التحريض والتأثر من شبكة التواصل الاجتماعي، هي الأسباب التي تقف خلف الأحداث، ولم يذكر في تقريره شيئا عن الحركة الإسلامية. وقد وافقه في ذلك جهاز “الشاباك”.
وفي الشأن ذاته، قال “هرتسا هليفي”، في مقابلة له مع موقع “المونيتير” في (18/11/2015) إن الجانب السلبي الرئيس من هذا الإجراء هو أن الجمهور العربي في إسرائيل ـ بعد حظر الحركة الإسلامية ـ قد ينظرون إليها باعتبارها ضحية، مما قد يؤدي إلى اكتساب الحركة بعضًا من القوة، وإذا حدث ذلك فإن الخلاف بين الفلسطينيين في إسرائيل والحكومة الإسرائيلية بشكل عام سينمو بشكل أكبر. ولكن المؤسسة السياسية في إسرائيل لا تسمع إلا ما تريد أن تسمعه، وتسلك الطريق السهل، وتبحث عن مبررات لحظر الجناح الشمالي للحركة الإسلامية في حين أنه كان يمكنها أن تحاكم قادة الحركة إذا ما ثبت اشتراكهم في التحريض أو الإرهاب.
وما يدعم أكثر فرضية وجود طرف معارض لحظر الحركة الإسلامية في النقاش الإسرائيلي الداخلي ويثبت صحتها، هو تقرير صدر قبل أسبوع من حظر الحركة الإسلامية، جاء فيه أن الهجمات الفلسطينية، تأثرت بالحرمان الوطني والاقتصادي والشخصي. وعلى خلفية هذه المشاهد نشرت صحيفة “هآرتس” أن الشاباك أبلغ نتنياهو أنه لا يمكن إثبات علاقة بين الحركة الإسلامية وبين الهجمات الإرهابية، وأن الحركة تعمل من خلال القانون. وقد ضغط رئيس جهاز الشاباك يورام كوهين، على المجلس الوزاري المصغر لمنع الحظر، محذرا من أن هذا سيفسّر كإعلان حرب ليس على الحركة الإسلامية فقط، بل على جميع المسلمين في البلاد، وسيشكل اعتداء كبيرا على الحقوق السياسية للأقلية الفلسطينية. وأخبر كوهين الوزراء بأن الجناح الشمالي للحركة يضم أتباعًا يتخطى عددهم العشرة آلاف، وأن إقرار كل هؤلاء كمجرمين بين عشية وضحاها هو أمر لا يتصف بالحكمة، وأن مثل هذه الخطوة ستجعل الحركة أكثر جرأة، مما قد يسبب أضرارًا أكثر من المنافع، وفقًا لما قاله كوهين. وعلى ما يبدو أن جيش الدفاع الإسرائيلي ـ هو الآخر ـ لم يصل إلى أي دليل يثبت وجود صلة بين الحركة الإسلامية والإرهاب. ويتضح أن يورام كوهين رئيس الشاباك كان معارضًا لحظر الحركة الإسلامية بحجة أن منظمته، ليس لديها معلومات تدين الحركة في أي أعمال إرهابية بشكل مباشر، خلافا لما ذهب إليه مسؤولون ووزراء في الحكومة الإسرائيلية وفي مقدمتهم وزير الأمن العام السابق جلعاد إردان بالإضافة إلى كبار مسئولي الشرطة والشاباك، ووزارة العدل وعلى رأسها إيليت شاكيد. بحسب ما ذكره موقع “ميدل ايست ريبورت اون لاين” بالإنجليزية في (11/1/2016).
إلى هنا نكون قد انتهينا من الحديث عن النقاش الإسرائيلي الذي دار بين طرفين (مؤيد ومعارض) حول قرار حظر الحركة الإسلامية، وسننتقل بإذن الله تعالى في المقالة القادمة للحديث عن القناعة التي وصلت إليها القيادة الإسرائيلية بضرورة اتخاذ خطوة حاسمة بحظر الحركة الإسلامية وإخراجها عن القانون. (يتبع..)