القدس في ظل مشاريع التطبيع
د. حسن صنع الله
اختيرت فلسطين لتكون مركزًا للمشروع الصهيوني وقاعدة للسيطرة الغربية على المنطقة برمتها من أجل منع أي وحدة مستقبلية للأقطار العربية والإسلامية، وهذا ما يفسر دعم الغرب لعدم الاستقرار في المنطقة ومعاداة ديمقراطياتها والانقلاب عليها. بعد وأد الربيع العربي سارعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى اعادة تشكيل المنطقة والأنظمة على أساس تثبيت أنظمة قمعية لم تجد غضاضة في التحالف والتطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية ومعاداة كل مناصر للقضية الفلسطينية يشكل في رأي الغرب خطرًا على أمن المؤسسة الاسرائيلية.
واضح أن الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب بايدن ستنتهج سياسة أقوى باتجاه دفع الدول العربية لتطبيع وتعاون أكبر مع المؤسسة الاسرائيلية، مع أو بدون اتفاق مع الفلسطينيين. إنّ السلطة الفلسطينية ايضا بإعادة سفرائها الى الإمارات والبحرين وإعادة التنسيق الأمني مع المؤسسة الإسرائيلية، أثبتت أنها جزء من المنظومة العربية المطبعة والتي لا تمثل بأي حال من الأحوال مصالح الشعب الفلسطيني الذي بات لوحده في الساحة مع الشعوب العربية المغلوب على أمرها، أمام مشروع تصفية قضيته.
مهما حاول الساسة إخفاء حقيقة الصراع، ففلسطين والقدس هي محور الصراعات الدينية والسياسية منذ قرون وحتى يومنا هذا، لذلك يُنظر الى مرحلة التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية في ظل الاحتلال لمدينة القدس وتطبيق صفقة القرن على أنها طعنة لكل الثوابت الدينية والوطنية، وليست صدفة أن تتم وملاحقة الحركات والأحزاب والقيادات الوطنية والإسلامية في الداخل والدول العربية، في مسعى لإزالة كل عقبة في طريق تثبيت الاحتلال وترسيخه خاصة في القدس والأقصى.
مما لا شك فيه أن التخاذل والتطبيع المجاني من الأنظمة العربية والتنسيق الأمني من قبل سلطة رام الله سيكون له أثر كبير على القضية الفلسطينية بشكل عام وعلى القدس والمسجد الاقصى المبارك بشكل خاص، فالتطبيع وعودة التنسيق الأمني تزامن مع قرار إسرائيلي ببناء حي استيطاني جديد يلتهم ما تبقى من أراضٍ شرقي القدس المحتلة، حيث سيبنى عليها 1257 وحدة استيطانية ليستمر مشهد التغيير الديمغرافي لمدينة القدس بمباركة عربية.
إنّ مرحلة التطبيع العلني مع المؤسسة الإسرائيلية هي مرحلة فارقة في عمر القضية الفلسطينية، لأن التطبيع يستهدف تصفية هذا الملف، فالدول العربية المطبعة وعلى رأسها الإمارات التي يصفها البعض اليوم بسبب عدائها للإسلام والقضية الفلسطينية “بإسرائيل الصغرى” تريد تطبيعًا على مستوى الشعوب، ولذلك منذ اللحظة الاولى جندت ذبابها الإلكتروني للترويج للمشروع الصهيوني على حساب الرواية الفلسطينية، وروجت لإسلام هجين يقبل الرواية الاسرائيلية في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك، وهم الذين اتهموا الشعب الفلسطيني بتضييع الفرص لحل الصراع في تبرئة واضحة للاحتلال.
الإمارات ومن خلال تطبيعها وتنسيقها الأمني مع المؤسسة الإسرائيلية، تعتبر العدو الأكبر على المستوى العربي للشعب الفلسطيني، حيث تسعى الى مساعدة الاحتلال في تصفية القضية الفلسطينية وعلى رأسها ملف القدس والمسجد الاقصى، فهي كما كشف المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومقره مدينة جنيف، “متهمة بمشاركة إسرائيل في إقامة صندوق استثماري بقيمة 3 مليار دولار ضمن ما يسمى “صندوق ابراهام”، يهدف إلى تعزيز الاستثمار الخاص في إسرائيل وإلى تطوير نقاط التفتيش التي يقيمها جيش الاحتلال في مناطق الضفة الغربية لقمع الفلسطينيين وعزلهم. هذه الممارسات سبقها مساعٍ إماراتية لشراء أراضٍ في القدس وتسليمها لليهود، في جريمة تعكس السلوك العدواني لنظام حكمها وتطبيعه السافر مع المؤسسة الاسرائيلية، وقد تم الكشف في السابق عن عمليات إماراتية “مشبوهة” لشراء بيوت وعقارات لفلسطينيين في مدينة القدس المحتلة، وخاصة البيوت الملاصقة للمسجد الأقصى المبارك، ثم تسريبها للمؤسسة الاسرائيلية. وهناك وثائق تثبت أن الأموال التي دفعت لشراء 34 شقة ومنزل في القدس وتم تسريبها لجمعيات استيطانية، وصلت للبنوك الاسرائيلية من دولة الإمارات”.
مرحلة التطبيع العلني مع المؤسسة الإسرائيلية هي بمثابة إعطاء شرعية للمؤسسة الاسرائيلية على الأراضي التي احتلتها، وهي بمثابة إعطاء شرعية لسياسات الأمر الواقع الاحتلالية في القدس والمسجد الاقصى المبارك، لذلك ستشهد قادمات الأيام مشاريع تغيير ديمغرافي بأموال عربية لصالح مشروع القدس الكبرى الموحدة كعاصمة إسرائيلية، هذا ناهيك عن تنفيذ مخططات اقتطاع مساحات من المسجد الاقصى وتحويلها بمباركة عربية إلى أماكن عبادة مخصصة لليهود في الجهة الشرقية في منطقة باب الرحمة ومحيطها، وبغض النظر عن نقل موضوع الوصاية على المسجد الاقصى للسعودية أو بقائها بيد الأردن فالأمر سيان في ظل انبطاح هذه الانظمة نحو التطبيع وتنفيذ صفقة القرن وتوابعها.