بين الماضي التليد والواقع المرير..أين أنتم يا معشر الشباب؟!
أمية سليمان جبارين (أم البراء)
لا يخفى على عاقل فينا حجم الضعف والوهن الذي وصل إليه المسلمون في عصرنا الحالي، وكيف أصبحنا كالأيتام على موائد اللئام، بعد أن كنّا سادة الأرض وعنوان حضارتها، ولكن بعد أن اتبعنا شهواتنا وهان الله علينا، هنّا على الله. وانطبق علينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (توشك الامم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال الصحابة: أمن قلة يا رسول الله؟! قال: لا بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله مهابتكم من صدور اعدائكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قيل: ما الوهن يا رسول الله قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما الحل؟!! وما العمل من أجل العودة كما كنّا من قبل، سادةً نتولى زمام الأمور وقادةً للبشرية جمعاء، نسير وإياهم في ركب حضارة الإسلام ومجده؟ أم نكتفي بالبكاء على الأطلال، كما يقولون، أو أن نتغنى بأمجاد ضاعت؟!! أمّا الجواب حسب رأيي، فإنه يكمن في كلمة واحدة فقط (التغيير)، والتغيير الذي أعنيه وأقصده يعني عملية انتقال من الواقع الذي نعيشه، إلى الرؤية المنشودة التي نريد تحقيقها، ولتحقيق هذا التغيير علينا أن نحدد ماذا نريد؟! وإلى أين نريد أن نصل؟! وأي طريق نسلك؟! فإذا عرفنا الإجابة على هذه الأسئلة، عندها نبدأ عملية التغيير الصحيح التي ذكرها الله عز وجل في محكم تنزيله: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، هذه الآية إجابة لفئة المتذمرين من واقعنا ومما نحن فيه من هوان وهم، من دون حراك لتغيير هذا الواقع!! فالتذمر وحده لن يُحدث التغيير المنشود، لأن كل تغيير يحتاج لحركة وجهد ومعاناة في سبيل تحقيقه، فهذا رسولنا وقدوتنا قد عانى ما عانى ولاقى ما لاقى من أذى وضرب وظلم وافتراء، في سبيل تحقيق التغيير، وإخراج الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن، ومن جور الكفر إلى عدالة الإسلام، مع العلم أن الله عز وجل قادر “بكن” أن ينشئ المجتمع الذي يريد، ولكن الله ورسوله يريدون منّا أن نكون نحن المسلمون من دعائم التغيير نحو الأفضل والخير للبشرية، وبالذات جيل الشباب الذي قال فيه رسولنا الكريم: (نُصرت بالشباب)، لذلك أولى الرسول مكانة خاصة للشباب واهتم بهم، لأنهم دعائم الأمة وركائز تقدمها وتطورها، لذلك فأول من حمّلهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسؤولية الدعوة كانوا من الشباب، فهذا الأرقم ابن أبي الأرقم، كان عمره 16 سنة، حينما جعل من بيته مقرًا لرسول الله وصحابته لمدة 13 سنة متتالية، وهذا زيد ابن ثابت، ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان بجيل (13سنة) فسمع أن جيش المسلمين يريد الخروج لمعركة بدر، فحمل سيفه وذهب إلى الرسول ليقبله في الجهاد، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم، رفضه لصغر سنه، رحمة به، فعاد زيد لأمه حزينا، فقالت له أمه: لا تحزن يا بني، يمكنك خدمة الإسلام بنواح أخرى، فأنت تجيد القراءة والكتابة، فذهبت به أمه للرسول، وأخبرته، فأصبح من وقتها كاتبا للوحي وترجمانا للرسول، لأنه كان يجيد اللغة العبرية والسريانية مع أن عمره (13سنة).
وهذا أسامة بن زيد جعله الرسول- صلوات ربي عليه- قائدا لجيش المسلمين في حربهم على الروم، مع العلم أن أسامة كان يبلغ الـ (17عاما) وكان جيش المسلمين يضم عمالقة وكبار الصحابة رضوان الله عليهم، ولكن الرسول أبى إلا أن يولي أسامة بن زيد قيادة الجيش برغم صغر سنه، وذلك إشارة من رسولنا القدوة أن لا تستهينوا بقدرات الشباب، فهم أمل هذه الأمة وأساس نهضتها وقادتها. وهذا الصحابي معاذ ابن عمر ابن الجموح (13 عاما)، والصحابي معوذ ابن عفراء (14 عاما)، شهدا معركة بدر مع الرسول، فكان جلّ همهما في تلك المعركة أن يعرفا أبا جهل، هل تعرفون لماذا؟! لأنهما كانا يتسابقان على قتله، لأنه كان يسبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. يا لقوة وشجاعة هؤلاء الشباب ويا لحبهم لرسول الله، وهنالك العديد العديد من هذه النماذج الشبابية في الإسلام، والتي غيّرت وجه التاريخ، ونحن إذ نسينا فلن ننسى محمد الفاتح، فاتح القسطنطينية، ولن ننسى صلاح الدين الأيوبي، فاتح القدس ومحرر الأقصى من أيدي الصليبيين، وجميع هؤلاء القادة العظام بأعماركم يا شباب الإسلام، لكن الفرق بينكم وبينهم أنهم حملوا همّ الإسلام وأهله، وحددوا هدفهم الأهم في هذه الحياة، ولم يتقوقعوا في مكانهم بحجة أعمارهم الصغيرة، وعدم توفر الظروف المناسبة، بل هم من صنعوا الظروف وصنعوا النصر لأن المقومات الحقيقية لأي شاب تكمن في دينه وعلمه وعقله، وما أكثر وجود هذه العينة بين شبابنا في وقتنا الحاضر، فأنتم امتداد دين ونسب وعرق لقادتنا العظام الذين ذكرتهم، فأنتم يا معشر الشباب من أغلى ما تملك أمتنا من مقدرات، نستطيع من خلالكم تغيير وجه العالم وتحقيق الخلافة الراشدة، التي ستملأ الدنيا عدلا وخيرا وسلاما، نعم، هذا ما أرجوه وأتمناه عليكم يا شبابنا لأنكم تستطيعون وتستطيعون وتستطيعون، وإلا لما أولاكم رسولنا العظيم هذه الأهمية الكبرى واختصكم بالكثير من الأحاديث، وبالمقابل فإن أعداء الإسلام يخططون ويعملون ليل نهار، وفق منهجية مدروسة هدفها تدمير شباب الإسلام وقتل روح الإسلام من قلوبهم، من خلال إغراقهم بالمخدرات وحب الشهوات وإشغالهم بمواقع السوشيال ميديا التي جلّ إنتاجاتها ما يدمر ويشوه الإسلام في أعين شبابه، وقد نجحوا إلى حد كبير في مخططاتهم هذه، حتى أصبح أكبر هم بعض الشباب البيت، والسيارة، والزوجة الجميلة، والعمل المضمون، وهذه الأحلام من الحقوق الشرعية، لكن علينا أن لا نجعلها أكبر أحلامنا، إلا أن هنالك فئة شبابية محروسة بعين الله تقاوم هذه المخططات بكل ما أوتيت من قوة، وتضرب أروع الأمثلة في الدفاع عن الإسلام وأهله، وإن ما أحدثه بعض شباب العالم الإسلامي من ثورة عبر مواقع التواصل على فرنسا، أم الإرهاب، بعد إساءتها لرسولنا الحبيب من خلال حملات المقاطعة الاقتصادية، وبذلك فإن الشباب المسلم يثبت مرة أخرى أنه المحرك الأقوى لأي تغيير.
فهلموا شباب الإسلام، لملموا شتات أنفسكم وتوحدوا لنصرة دينكم ونبيكم، فأنتم الأمل الباقي لنا، وصدق رسول الله حين قال: (الخير في وفي أمتي إلى قيام الساعة). اللهم ردّ شبابنا إليك ردا جميلا واهدهم وأصلح لهم دينهم ودنياهم. (يتبع).