حظر الحركة الإسلامية في المنظور الإسرائيلي (3)
توقعات الحظر
توقعات الحظر
ساهر غزاوي
بناء على أجواء الحظر التي صنعتها السلطات الإسرائيلية عام 1996 (وهو العام الذي وقع فيه الانشقاق في الحركة الإسلامية على خلفية انتخابات الكنيست الإسرائيلي)، والتي تحدثنا عنها في المقالة السابقة، فقد توقعت الحركة الإسلامية الحظر الإسرائيلي في أي لحظة، وهذا ما يؤكده الشيخ رائد صلاح، في كتابه (إضاءات على ميلاد الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا) إذ يقول: “الحركة الإسلامية توقعت حظرها وبدأت تستعد لما بعد الحظر إن وقع، ولكنها واصلت مسيرتها بصبر جميل وهدوء أعصاب وعطاء متواصل كأن الحظر لن يقع على الحركة الإسلامية في يوم من الأيام، مع التأكيد أن الحركة الإسلامية كانت قد أحاطت علما بما وقع عليها من ابتلاءات وتهديدات ومحاولات استدراج من القريب والبعيد. وكانت قد وثّقت كل ذلك في أرشيفها”.
كما ويُبين الشيخ رائد صلاح، إلى جانب الإغلاقات الأولى للمؤسسات الأهلية الإسلامية التي بدأت في بداية التسعينات: “أدركنا أن المؤسسة الإسرائيلية بدأت بمرحلة مطاردة الحركة الإسلامية، إلا إذا تنازلت الحركة الإسلامية عن دورها. ولأنه من المستحيل أن تتنازل الحركة الإسلامية عن دورها، فهذا يعني أن المؤسسة الإسرائيلية لن تتوقف عن مطاردة الحركة الإسلامية”. ويضيف في هذا السياق: “كان ذلك قبل محنة رهائن الأقصى، أي قبل عام 2003، عندما شنّ موشيه قتصاب، الذي كان يشغل منصب رئيس الدولة الإسرائيلية، عندما شنّ حملة شعواء على الحركة الإسلامية بعامة، وعليّ بخاصة، لأننا بدأنا نؤكد أن الأقصى في خطر. وكان قد طالب أرئيل شارون، الذي كان يشغل منصب رئيس الحكومة الإسرائيلية حينها، بحظر الحركة الإسلامية. وكان قد طالب يسرائيل كاتس، الذي كان يشغل منصب وزير الزراعة في حينه، بحظر الحركة الإسلامية، وقد أدركنا يومها أن المؤسسة الإسرائيلية بدأت بصناعة الأجواء لحظر الحركة الإسلامية”.
وما يدعم توقع الحركة الإسلامية للحظر أنه في 2010 قدّم أرييه ألداد وميخائيل بن آري اقتراح قانون لاعتبار الحركة الإسلامية غير قانونية. وفي 2011 قدّم عضو الكنيست أفير إيكونيس للجنة الوزارية لشؤون التشريع اقتراحا لحظر الحركة الإسلامية. وفي 2014 نفس رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال في جلسة الحكومة: يجب إخراج الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية التابعة للشيخ رائد صلاح خارج القانون، كما أخرجت حركة “كاخ”، التي أخرجت عن القانون عام 1994.
يضاف إلى ذلك، أنه في شهر مايو/أيار من العام 2014، كشفت الحركة الإسلامية خلال مؤتمر صحفي عقدته في مكاتبها في مجمع ابن تيمية في أم الفحم أنّها اكتشفت أجهزة تنصت في مكتب رئيس الحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح وفي قاعة اجتماعات الإدارة العامة والمكتب السياسي للحركة الإسلامية وضعتها المخابرات الإسرائيلية بواسطة بعض عمال يهود كانوا يعملون في شركة الهواتف الأرضية “بيزك”. وعلى إثرها واصلت مجموعة من القيادات الرسمية الإسرائيلية حملة التحريض على الحركة الإسلامية في تلك الأيام. وكتب بعضهم مقالات ونشرها في الصحف العبرية، دعا فيها لحظر الحركة الإسلامية. وكان في مقدمة من تصدّر تلك الحملة رئيس الحكومة الإسرائيلية بيبي نتنياهو، ووقف إلى جانبه موشيه آرنس الذي شغل فيما مضى منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، وانضم إليهم فؤاد بن اليعيزر، الذي شغل فيما مضى منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، وبدأ يدعو إلى حظر الحركة الإسلامية، وأعلن رئيس المعسكر الصهيوني يتسحاق هرتسوغ تأييده لحظر الحركة الإسلامية، ثم أخذت الأصوات الرسمية الإسرائيلية المطالبة بحظر الحركة الإسلامية تزداد يوما بعد يوم.
وفي محاولة لـ “تدجين” الحركة الإسلامية في ظل صناعة أجواء الحظر الإسرائيلي، فقد تبين أن إسرائيل حاولت إغراء قادة الحركة بالتوصل لتفاهمات سياسية معهم تلتزم فيه بالتحول عن الأجندة السياسية التي تعكف عليها حاليًا، لا سيّما فيما يتعلق بتركيزها على قضية القدس والمسجد الأقصى. وقد ذكر توفيق محمد جبارين، رئيس تحرير صحيفة “صوت الحق والحرية”، عام 2002، بأن المؤسسة الأمنية أرسلت له المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار، المحاضر في جامعة بار إيلان والمعروف بعلاقاته الوثيقة مع المؤسسة الأمنية، إلى مقر الصحيفة حيث طلب كيدار من جبارين فكرة التوصل لمثل هذا الاتفاق، وحذّره من أن رفض هذا الاقتراح ومواصلة الحركة برنامجها الحالي سيكون مقترنا بردة فعل قاسية من قبل السلطات. وأكد الإعلامي توفيق محمد جبارين، بأنه في أعقاب رفض الحركة مجرد تداول الاقتراح، تم إغلاق الصحيفة لمدة عامين بعد شهر على زيارة كيدار.
تلخيصاً لما ذُكر، نرى أن الحركة الإسلامية مّرت بمراحل عدة منذ تأسيسها لتستقر على شكلها الأخير الذي يدمج الدعوي-الديني بالسياسي والخدماتي، ولترفع الدعائم الثلاثة معًا مع تبنٍ للمشروع الوطني الفلسطيني والديني على صعيد الفلسطينيين في الداخل لبناء ذاتهم والحفاظ على صمودهم وأرضهم والحفاظ على المسجد الأقصى والقدس، على اعتبار أن الفلسطينيين في الداخل إضافة للمقدسيين، يستطيعون معا القيام بهذا الدور. مع تبني الحركة الإسلامية لهذه الدعائم، ومع الاصطفاف الشعبي حولها، وتركيزها على مشروعي المجتمع العصامي، والحفاظ على القدس والأقصى في وجه المشاريع الإسرائيلية، ومع ما يحمله ذلك من مشاريع استراتيجية يمكنها أن تتصادم وأجندة الدولة الإسرائيلية، عملت المؤسسة الإسرائيلية على التضييق على الحركة الإسلامية، وقد حاولت ذلك مراراً من خلال الاعتقالات، والإبعادات، ومنع السفر وإغلاق المؤسسات، إلّا أن ذلك لم يؤتِ أكله، فكان قرار حظر الإسلامية لإنهاء مشوارها وفكرتها. (يتبع..)