حالات القتل تتفشى في المجتمع العربي… ما الحل؟
الإعلامي أحمد حازم
المعروف في الدول التي تحترم نفسها وشعوبها، أن كل جريمة يتم ارتكابها لها عقابها ولا تهاون في ذلك، حتى أن بعض الدول تطبق قانون الإعدام لمرتكبي جرائم معينة.
لكن ما يحدث عندنا هو العكس تماماً في أغلب الحالات، إذ يبقى الفاعل مجهولاً، وإذا لم يكن مجهولاً لا يرتقي عقابه إلى مستوى ما فعلته يداه. مجتمعنا العربي يعاني من تنامي حالات الإجرام بشكل عام، ولا سيما في السنوات الأخيرة. في العام الماضي بلغت حالات القتل 85 حالة، حسب المعلومات الرسمية، وفي العام الحالي وصل العدد إلى تسعين حالة ولم تنته السنة بعد.
في السابع عشر من شهر أبريل/نيسان العام الحالي لقيت امرأة شابة مصرعها رميا بالرصاص داخل بيت في مدينة اللد، وفي العاشر من شهر سبتمبر/أيلول هذا العام تعرض شابان في مدينة الناصرة إلى عملية إطلاق نار أسفرت عن مقتلهما، وفي مطلع أكتوبر/تشرين أول الماضي تم قتل ثلاثة شباب عرب قرب كريات شمونة شمالي البلاد، ويوم الإثنين الماضي تعرضت امرأة شابة في عرابة البطوف للطعن في وضح النهار، الأمر الذي أدى إلى وفاتها. نعم هكذا وبكل بساطة و”الحبل ع الجرار” ولا ندري من ستكون الضحية التالية أو من سيكون القتيل القادم.
الكل يتحدث بلغة الإدانة والاستنكار، وكل الناس تستغرب من استفحال حالات سفك الدماء في مجتمعنا العربي، لكن الفاعلين لم يأتوا من كوكبي المريخ أو زحل، فهم أناس يعيشون بيننا، ولكن من هم الجناة ولماذا يرتكبون جرائمهم؟ ما يجري من تساؤل باستغراب عمّا يحدث في مجتمعنا العربي، وما نعيشه من حالات ندب وغضب على حالات القتل يذكرني بما قرأته عن واقعة حصلت لأبي موسى الأشعري ( ت 42 أو 44 هجري);
“جلس أبو موسى يلقي درسه على تلاميذه في مسجد البصرة، فأفاض الشيخ وأجاد. لكنه ما أن انتهى من الدرس، وتلفت حوله حتى اكتشف أنه فقد القرآن. وقبل أن ينطق لسانه بسؤال، كانت علامات التقوى والورع والخشوع ترتسم على وجوه التلاميذ، وكانت الدموع الغزيرة تبلل منهم اللحى، فعجب الشيخ مما رأى وشاهد، وتساءل في دهشة: كلكم يبكي… فمن سرق القرآن؟ وأنا أقول وأتساءل هنا: كلكم يندب ويستنكر فمن يقتل إذاً؟
ولذلك أنا أتفهم قول الفيلسوف الألماني هيجل: “إن الأمانة والوداعة وبراءة الوجه لا علاقة لها بالأخلاق”. بمعنى أن الندب والإدانة والصراخ في البكاء على ما يجري في مجتمعنا لا يعني أن هؤلاء لا يتحمّلون المسؤولية عمّا يجري. فالأفكار الإجرامية لا تتولد من نفسها وإنما تحركها عوامل متعددة، أساسها في المجتمع وطبقاته.
جاء في تقرير مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست، أن سنوات ما بين 2015-2019، شهدت ارتفاعاً دائماً في عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي. وأظهر التقرير أن 44% من ضحايا جرائم القتل (قتل، تهديد بالقتل ومحاولة القتل) بين السنوات المذكورة هم من المجتمع العربي بواقع 1198 ضحية، مقابل 56% من المجتمع اليهودي (1499 ضحية)، وذلك استنادا لملفات الشرطة.
وبحسب التقرير، فإن 80% من المتهمين بجرائم السلاح هم من المجتمع العربي (9219 ملفا بين السنوات 2015-2019)، حيث جرى تسجيل ارتفاع دائم في عدد الملفات بالمجتمع العربي طوال هذه السنوات، من 1645 ملفا عام 2015 إلى 2205 ملفات عام 2019، ويستدل من المعلومات المتوفرة وللأسف، أن نحو 51% من الضحايا والقتلى هم من شريحة الشباب حتى جيل 30 عاما، وذلك بنسبة 42% من مجمل أعداد القتلى، وفي تعداد القتلى الإناث فإن أكثر من 50% هن من جيل الشباب، إذ وصلت نسبة القتيلات حتى عمر 34 عاما ما يقارب 53%.
المعروف في كل دول العالم أن اكتشاف الجريمة هي مسؤولية الدولة، وأنا أتفق مع محللين يرون أن الأجهزة المختصة، تملك خيوطاً معينة تمكنها من معرفة كل صغيرة وكبيرة تحدث في المجتمع. هذا من الناحية المنطقية، ولكن أين المنطق في تعامل الشرطة الإسرائيلية مع أي حدث يتعلق بالمواطن العربي؟
نحن متفقون على أن الشرطة مقصرة بحق أمن وأمان المواطن العربي، وما دام الأمر يتعلق بالعرب (فخّار يكسّر بعضو) ولا يمكن التصديق أن الجهات المعنية لا تعرف من يقف وراء الأعمال الإجرامية التي تحدث.
يخطئ من يعتقد بأن لجنة مكافحة العنف والجريمة في الكنيست والتي يرأسها منصور عباس تستطيع (عملياً) وضع حد للعنف في مجتمعنا، (ولو بدها تشتي كان غيمت). تصريحات كثيرة بدون أفعال، ويخطئ من يصدق أن نتنياهو عنده الرغبة الفعلية في تخليص المجتمع العربي من الجريمة وعلى الذين يراهنون على نتنياهو ويلهثون وراءه، عليهم أن لا ينسوا أن نتنياهو يؤمن بأن إسرائيل هي “دولة يهودية” وليست دولة لكل مواطنيها.
نحن العرب نتحمل أيضاً المسؤولية عما يجري بيننا، كل ما يقدمه المجتمع العربي في إطار معالجة العنف “يتركز” فيما يسمى (لجان الصلح العشائرية) التي (تحل وتربط) أولًا ثم يأتي دور القانون، هذا إذا كان له دور بالمعنى المفهوم. في أي عصر نعيش؟ نقتل ثم نرفع راية الصلح “واللي مات الله يرحمو” وهكذا دواليك. لكن لا حلول أبدًا لوقف القتل، لا على الصعيد العشائري ولا على الصعيد القانوني.