غول العنف والدور المطلوب
د. أنس سليمان أحمد
ما عاد هناك واحد من مجتمعنا في الداخل الفلسطيني إلا وبات يدين الشرطة، مؤكداً وبحق أن أربعمائة ألف قطعة سلاح باتت تتجول بحرية بين أيدي الكثير من أبناء مجتمعنا، لا لهدف إلا حتى نخيف بعضنا فقط!! أو نهدد بعضنا فقط!! أو نجرح بعضنا فقط!! أو نقتل بعضنا فقط!! لذلك تسكت الشرطة عن تجوّل هذه الآلاف من قطع السلاح بين أيدي الكثير منّا في وضح النهار!! وتسكت عن رواج تجارة السلاح في كل بلداتنا في الداخل الفلسطيني، حتى أصبحت قطع السلاح تُباع كما تُباع الفواكه وسائر المواد الغذائية، وحتى أصبح لكل قطعة سلاح ثمن وفق حجمها ووفق قدرتها على الفتك أكثر، ولو علمت الشرطة أن هذه الأسلحة قد تنحرف في يوم من الأيام عن هذا المسار لقامت بجمعها فوراً خلال ساعات معدودة، ولكنها ما دامت مطمئنة أنها ستبقى كما هي اليوم أداة احتراب داخلي بيننا، وأداة تفكيك لمجتمعنا، وأداة إجهاز على طموحاتنا الوطنية، وأداة إجهاض لإرادتنا الجماعية وهمّنا الجماعي، ونضالنا الجماعي، ومواقفنا الجماعية، وأداة تدمير لأخلاق مجتمعنا وقيّمه وعاداته الحسنة وأعرافه النبيلة، وأداة وأد لواجبنا تجاه قضايانا الفلسطينية والعروبية والإسلامية، ما دامت الشرطة ستبقى مطمئنة أن هذه الأسلحة الجوّالة بين أيدي الكثير منا ستحقق لها وللمؤسسة الإسرائيلية كل هذه الأهداف، فستبقى تفرك يديّها فرحاً، وستبقى تفرك يديّها فرحاً كلما زادت سوق تجارة السلاح في مجتمعنا قطعة جديدة، وستبقى تفرك يديّها فرحاً هي وسائر دهاقنة المؤسسة الإسرائيلية كلما زاد استُخدام هذا السلاح لغة تفاهم بيننا ولو على أتفه الأسباب!! لذلك من يظن منّا أن الشرطة قد تقوم بجمع هذا السلاح في يوم من الأيام فهو يضحك على نفسه، ومن ينتظر منّا أن تقوم الشرطة بجمع هذا السلاح فهو ينتظر وهمًا، ومن يبحث منّا عن علاج ظاهرة العنف العمياء فينا من خلال أن تقوم الشرطة بجمع هذا السلاح فهو يبحث عن سراب، ولو كانت الشرطة تحمل في داخلها نية صادقة ولو بحجم حبة خردل لجمع هذا السلاح لما سمحت بانتشاره أصلاً بيننا، ولما أغمضت عينيها عن تجارة السلاح بيننا، ولما تعاملت مع تاجر السلاح كمن يخالف إشارة المرور عندما يقطع الشارع بقدميه!! وهذا يقول الشيء الكثير!!
هذا يقول إننا كنا صادقين يوم أن أدّنا الشرطة وحمّلناها مسؤولية انتشار الأسلحة بيننا!! وكنا صادقين يوم أن أدّناها وحمّلناها مسؤولية رواج تجارة السلاح بيننا!! وكنّا صادقين يوم أن أدّناها وحمّلناها مسؤولية تغوّل العنف والجريمة وازدياد عدد ضحايانا وجنازاتنا ومآتمنا، وكنا صادقين يوم أن أقمنا مظاهرات الغضب وخيام الاعتصام ويوم أن أغلقنا الشوارع ونّظمنا قوافل السيارات بمبادرة ورعاية لجنة المتابعة العليا، وكم سنكون صادقين إذا واصلنا القيام بكل هذه الخطوات لأن العنف الأعمى الذي استشرى فينا والذي خطط من خطط لزرعه فينا، لم ينبت فينا قبل أيام، ولم تتشعب جذوره فينا خلال أسابيع، بل أخذ ذلك سنوات طويلة ممن سهروا على زرعه فينا، ولذلك فمن المستحيل أن نقتلع داء العنف الأعمى من بيننا خلال أيام وأسابيع وأشهر أو بمجرد أن نقوم بسلسلة مظاهرات وخيام اعتصام وإغلاق شوارع، بل يجب علينا أن نواصل القيام بكل ذلك وأن نبدع خطوات جادة عملية جماعية بالإضافة إلى كل تلك الخطوات التي لا يجوز أن تتوقف إذا كنّا صادقين مع أنفسنا ومع عيون أمهاتنا وآبائنا وأزواجنا وأولادنا.
ولنحذر كل الحذر أن يظن البعض منّا أنه ما دام قد تجرأ وأدان الشرطة علانية فقد قام بواجبه لمعالجة مأساة العنف الأعمى فينا!! وإلا إذا وُجد فينا من يظن ذلك، وإذا وُجد فينا من يظن أنه بمجرد عقد لقاء مع الشرطة أو بمجرد أن خرجت الشرطة عن صمتها في الظاهر ووعدت (بخطة شمولية!!) لعلاج مأساة العنف الأعمى فينا، فقد اقتلعنا العنف الأعمى من جذوره، وقد قمنا بواجبنا، وقد حققنا خوارق الإنجازات، من يظن ذلك فهو غارق في الوهم من رأسه حتى أخمص قدميه، وستتضاعف كارثة العنف الأعمى فينا، إذ ستتحول ظاهرة إدانتنا الصريحة للشرطة وظاهرة عقد لقاءات معها، وظاهرة الترويج لوعودها العرقوبية إلى أداة تثبيط لنا، وكأننا قمنا بكل واجبنا، وكأنّه عمّ السلام والتسامح والأمن والأمان في حياة كل فرد وأسرة وبيت من مجتمعنا، وهذه مصيبة ما بعدها مصيبة!! وهنا قد يسأل سائل ما هو المطلوب إذاً؟! الجواب واضح: المطلوب أن نواصل إدانة الشرطة وإدانة كل المؤسسة الإسرائيلية محليًا ودوليا، وتحميلها مسؤولية تغوّل العنف الأعمى في مجتمعنا الذي أدى حتى اليوم إلى أكثر من 92 ضحية، أضحى مجتمعنا بالنسبة للشرطة والمؤسسة الإسرائيلية أرقام تكتب، وتحسب، وعليه ينبغي ألا نعوّل على أدنى دور إيجابي من طرف الشرطة والمؤسسة الإسرائيلية، وأن نواصل إقامة المظاهرات وخيام الاعتصام وأن ننظم قوافل سيارات ونغلق الشوارع، وأن ندعو كل حر وحرة فينا أصحاب الهمة والنخوة والعزيمة للسعي العملي الجاد والتعاون العملي الجاد بلا توقف مهما كانت العقبات لتنفيذ خطة عمل بمبادرة لجنة المتابعة ولجان إفشاء السلام والإصلاح، لنقف ضد غول العنف المتفشي بيننا