من مشروع تطوير إلى تدمير.. “تحلية المياه القطري”: مخطط يهدد بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية بالجليل الغربي
ساهر غزاوي
يواجه سكان بلدات عربية في منطقة الجليل الغربي مخططا سلطوياً إسرائيلياً يستهدف مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية التي تعود ملكيتها لمواطنين من طمرة وجديدة المكر وشفاعمرو وعبلين وأبو سنان ويركا، تحت اسم مشروع “تحلية المياه القطري”.
ويرمي المخطط إلى نقل ملكية الأراضي المستهدفة لشركة “مكوروت”، من أجل إنشاء مشروع ومركز لتحلية مياه البحر في منطقة الجليل، ومد أنابيب من قرب نهريا لتتوغل في الأراضي العربية شرقا؛ إذ ستمتد الأنابيب تحت الأراضي الزراعية وسيكون بضمنها إقامة جهاز هندسي، والذي سيتم من خلاله المساهمة في تحلية المياه، وصولا إلى منطقة غرب متنزه طمرة، ومن ثم توزيع المياه إلى اتجاهات مختلفة في المنطقة.
وقبل عدة أشهر وصلت إخطارات مصادرة لأصحاب الأراضي المتضررة من مسارات خط المياه، ضمن مشروع تحلية المياه: تتال 90، وتتال 90 (أ)، والذي يمر بجانب أبو سنان، مرورًا بكفر ياسيف، يركا، جولس، الجديدة المكر، طمرة، عبلين وشفاعمرو. ويأتي ذلك في ظل ما يعانيه أهالي البلدات العربية المتضررة من ضائقة في مناطق النفوذ ومسطحات البناء، بحيث يتم التضييق والخناق عليهم على ما تبقى من أراضيهم.
يذكر أن منشأة “تحلية الجليل الغربي”، هو قرار حكومي الذي أقرّ نهائيا في 30.1.2020. والهدف من هذا القرار هو إقامة منشأه لتحلية مياه البحر بجانب مستوطنة “نيس عاميم” في شمالي البلاد بقدرة انتاجية تصل حتى 200 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، لسد حاجات البلاد والمنطقة. تقدّر مساحة المنشأة وخطط الانابيب الضخمة التي يصل قطرها إلى 80 انشا والمرافق التابعة، نحو 14189 دونم. مئات الدونمات من هذه المساحة هي أرض عربية خاصّه تتبع لأهالي البلدات المذكورة المتضررة من هذا المخطط.
مخطط يقتطع الأراضي إلى أشلاء
ويواصل المركز العربي للتخطيط البديل بطاقمه المهني -الذي تشرف عليه المهندسة عناية بنا، وبالتنسيق مع ممثلين عن لجنة المتابعة، ولجنة رؤساء السلطات المحلية، واللجان الشعبية ومختصين، تحضير مذكرات اعتراض وملاحظات على مشروع منشأة “تحلية الجليل الغربي”، بمساره في البلدات العربية المتضررة ليقدمها إلى الوزارات الحكومية وللجهات الإسرائيلية المختصة.
وتقول د. عناية بنا في حديثها لـ “المدينة”: “إن الحديث يدور عن مخططين، المخطط الأول تم المصادقة عليه قبل أشهر (تتال 90) وهو مخطط قطري للبنية التحتية الذي هو عمليا تمت المصادقة عليه، وهو يطرح عملية أنابيب المياه المحلاة من منطقة البحر إلى منطقة الجليل الغربي لباقي منظومة المياه ويصل إلى منطقة “الكريوت” وهذا يعني عمليا مصادرة لأراضي في بلدات عربية وأيضا مصادرة لأراضي موجودة خارج مناطق النفوذ لكنها تعود لملكية سكان البلدات المتضررة”.
وتوضح أن هذا المخطط تمت المصادقة عليه، “لكن له تتمة (تتال 90 أ) الذي هو عمليا يوصل الأنابيب لبرك مياه التي تدخل في منطقة لأراضي بمدينة شفاعمرو. وعليه سيتم مصادرة هذه الأراضي وهي أيضا حسب المنطقة والخريطة الشمولية من المفروض أنها مناطق سكنية وفيها مئات الدونمات”.
كما أن المصادرة هي متنوعة، هناك مصادرة أرض ملكية بشكل كامل، وهناك مصادرة مؤقته حسب ادعاء السلطات الإسرائيلية، تقول بنا وتلفت إلى أن “العديد من المخططات اجتمعت على معظم أراضي البلدات العربية في الجليل الغربي، من ضمنها تحلية المياه وشارع 700 وشارع 6 (عابر إسرائيل)، وخط أنابيب الغاز، وهذا المشروع الآني “مشروع تحلية المياه” الذي سيقتطع الأراضي إلى أشلاء ويلتهم منها مساحات شاسعة مما سيسبب آثار مدمرة على البلدات العربية ككل وعلى أصحاب الأراضي خاصة”.
لذلك، تطالب مديرة المركز العربي للتخطيط البديل في حديثها لـ “المدينة”، أن يتوقف المخططين وأن يضعوا رؤية شاملة وأن تكون مخططات بديلة تتضمن كل البنى التحتية في المنطقة وتمر فيها المشاريع مما يسمّى “أراضي دولة” حتى تحل أزمة المصادرة ولا تمس بالأراضي الخاصة لسكان البلدات العربية المتضررة، وفي حال كان لا بد من المصادرة، يكون التعويض، بأرض لقاء أرض، ومتر مقابل متر، ورفض أي تعويض مالي بتاتا لأنها لن تستوفي ثمن الأراضي التي مقرر أن تصادر ضمن هذه المخططات. كما تقول د. عناية بنا.
مشروع تدمير وليس تطوير
صائب منصور من الجديدة المكر، مركز اللجنة الشعبية ضد مشروع “تحلية المياه القطري”، يستهدف هذا المشروع 17 دونما من أرضه التي اشتراها قبل سنوات من تعبه وماله ولم يرثها عن آبائه وأجداده كما يقول في حديثه لـ “المدينة”.
ويقول: نحن كلجنة شعبية بدأنا بمسيرة التفاوض مع شركة “مكوروت” المسؤولة عن تنفيذ المخطط المشروع عبر لجنة التخطيط البديل التي تمثلها المهندسة د. عناية بنا وقنوات برلمانية ومسارات أخرى. الفكرة أننا لسنا ضد المخطط ولا ضد التطوير، إنما ضد مصادرة الأراضي باسم التطوير، ونحن نرفض أن يمر هذا المخطط من أراضينا في الوقت الذي لا تبعد كثيرا عنها أراضي ما يسمى “أراضي الدولة” التي هي أيضا بالأصل أراضينا وتم مصادرتها عام 1948، ولا تستهدفها هذه المخططات والمشاريع، وهذا هو احتجاجنا في الأساس.
واضح أن الدولة وضعت نصب أعينها في كل مخططاتها استهداف أراضي سكان البلدات العربية بشتى الوسائل. ففي النقب تصادر الأراضي بوسائل الترهيب والتهجير، وفي الجليل بالترغيب وباسم التطوير. يضيف منصور وينوّه إلى عدم علم المجالس أو الأهالي المتضررين بالمخطط “حيث تم تقديمه للجان المحلية وإقراره في فترة الحجر الصحي الأولى وعدم التنقل إثر جائحة الكورونا”.
ويُبين أنه “تم وضع ملصق في زاوية من الشارع في الجديدة المكر في ظروف الحجر الصحي، وكان بالحري عندما يجري الحديث عن مخطط ضخم بهذا الحجم وعن مصادرات ستلتهم مئات الدونمات في أقل تقدير إعلامنا على الأقل، فكانت هذه ضربة وقاسية وصعبة لنا”.
ويوضح أنه في الجديدة المكر “تم الانتباه بسرعة للمخطط، وعلى إثره عقدنا اجتماعا طارئا لأصحاب الأراضي التي تقدر مساحتها التي سيلتهما مشروع “تحلية المياه القطري” بـ 310 دونما مقسمة على نحو 35 صاحب أرض من الجديدة المكر، ونحن نتحدث عن أراضٍ زراعية مزروعة فيها كروم زيتون وثمار الأفوكادو والقمح وما أشبه، وهي تشكل مصدرا لأرزاقهم. وأن تقضي على سهل كامل مشهور بالزراعة واليوم يتحول إلى أشلاء غير قادرة أن تترابط مع بعضها البعض فهذا تدمير وليس تطوير”.
ويتابع صائب منصور حديثه في هذا السياق: وأيضا المجلس بادر للشروع في مواجهة هذا المخطط وقام بدعوة كافة المدن والقرى المتضررة من هذا المخطط باسم لجنة المتابعة، تمخض عن هذا الاجتماع حينها جلسة مع وزير المياه الإسرائيلي “زئيف إلكين” ومع مندوبين عن شركة “مكروت” ومندوب عن المستشار القضائي. وتبين لنا أن الجلسة ما كانت إلا جس نبض وادعاء باطل منهم أنه لا يوجد مخطط لمصادرة الأراضي إنما فقط وضع خط مياه في جوف الأرض فقط!”.
ويضيف: “استمروا في هذا التفكير وبهذه الشعارات بأنهم لا يصادرون أرضا لأحد حتى انفضح أمرهم وتبين أن هناك مصادرة حقيقية، ومن أين ستمر الأنابيب سيكون مصادرة من 20-60 مترا بموازاة الخط، وهذا سيؤدي إلى التهام مساحات هائلة من الأراضي ويتبقى منها مساحات لا يمكن بيعها ولا شراؤها ولا البناء عليها ولا حتى زراعتها”.
وعن التعويض المالي يقول منصور: “أنا لا أريد مالاً ولا أي تعويض آخر، إما أن يكون التعويض بأرض مقابل أرض أو لا، وأريد أن تمر المشاريع ومخططات “التطوير” مما يسمّى “أراضي دولة” وليس من أراضينا”.
وبخصوص المسار القضائي يقول صائب منصور، مركز اللجنة الشعبية ضد مشروع “تحلية المياه القطري”: “فكّرنا في أن نتجه للمسار القانوني إلى المحكمة لتقديم اعتراض ضد الدولة لوقف العمل بمخطط المياه، لكن التوصية من المحامية سهاد بشارة من مركز “عدالة” كانت بعدم الذهاب إلى المحكمة، لأنه في حال خسارة القضية في المحكمة لن يكون لدينا أي إمكانية للمناورة، فتم الاتفاق على تصعيد العمل الجماهيري ومسار المفاوضات مع الجهات الإسرائيلية المختصة من أن نذهب إلى المحكمة ونخسر أي إمكانية فيما بعد للتفاوض. وبناء على هذه التوصية أعلنا لجميع أصحاب الأراضي المتضررة وشددنا أن يكون الحراك والتوجه جماعيا وليس فرديا”.
ولفت منصور في ختام حديثه لـ “المدينة” إلى أن الحراك الشعبي ضد “مخطط الطنطور” في الجديدة المكر كان مثالا يحتذى به في كل البلاد، لكن مخطط “تحلية المياه القطري” لأنه مشترك مع أكثر من بلد لم يأخذ حيزه الجماهيري والشعبي كما يجب حتى الآن، هذا إلى جانب أن هنالك جهات سياسية غير معنية بالتصعيد الجماهيري وتطرح دائما الحلول الهادئة من خلال قنوات الكنيست وترى بذلك هو الحل والبديل عن أي حراك وتوجه للتصدي لهذه المخططات. كما يقول.
خسارة الأرض خسارة الوطن
أحمد ميعاري (أبو عدنان) من المكر ومن أصحاب الأراضي المتضررة من هذا المخطط يقول لـ “المدينة”: “أنا من قرية البروة المهجرة وأراضينا مصادرة هناك، أسكن في قرية المكر منذ عام 1948 واستطعت شراء حوالي 25 دونما وزراعتها بأشجار الزيتون والأفوكادو.. العجيب أنه منذ الإعلان عن هذا المخطط في حينه يقال إنه هناك 600 اعتراض ولا يوجد بينهم صاحب أرض عربي واحد لماذا؟ لأنهم لا يعلمون بالمخطط!! هذا المخطط سيمر من أرضي وبساتيني وسيدمر تعبي الذي سأورثه لأبنائي وأحفادي من بعدي.. المسالة ليست تعويضات ولا مال. هذه الأراضي لو ذهبت إلى أحد أهلنا العرب فهي تعتبر سلعة وتجارة، أما أن تذهب إلى طرف آخر وتصادر فهي بالنسبة لي أصبحت خسارة وطن”.
شبح المصادرة يطارد المزارعين
وتحدث د. إلياس عبيد (طبيب أسنان) من قرية الجديدة المكر وتمتلك عائلته مئات الدونمات المهددة بالمصادرة جرّاء هذا المخطط، يقول لـ “المدينة”: “نحن بالأصل عائلة فلاحين ومزارعين ونحن من الناس الذي حافظوا على أرضهم، الأرض بالنسبة لنا لها قيمة معنوية وكيانا أكثر مما هي استثمار مادي الذي هو بالنسبة لنا شيء ثانوي، ونحن حافظنا على أرضنا أباً عن جد. حياة أجدادنا وآبائنا عملوا كثيرا في الأرض وعرقوا وتعبوا وعلمونا على حب الأرض. حبة تراب من أرضنا تساوي كل مال الدنيا لأن عدم وجود الأرض يعني عدم وجودنا وعدم كياننا في هذه البلاد. الناس تحب الأرض، لأنها بمثابة رباط ونسيج اجتماعي بين الفلاحين بين الناس”.
ويضيف: “في هذه البلد كثيرا ما واجهنا مخططات، من مخطط “الطنطور” إلى مخطط (شارع 6) إلى مخطط تمرير أنابيب تحلية المياه إلى مخططات كهرباء والضغط العالي. اليوم كل شيء يعملوه يضر بالأرض وفينا. تقريبا لم يتبق لدينا كميات أراضي مثل السابق صارت الناس تخاف أن تملك أرضا خوفا من مصادرتها أو استغلال قسم منها لمخططات الدولة التي تلتهم مساحات كبيرة من الأراضي، وكلما قلت نسبة الأراضي كلما ابعدتنا عن البلد لأنه لن يبقى لدينا كيان نتشبث فيه”.
ويشير عبيد إلى أن ” الفلاح المزارع أكبر ضحية من هذه المخططات لأن كل أرضه تتقطع إلى أجزاء، اليوم إذا خط المياه مرّ من أرضك فسوف يصادرون قسما كبيرا من هذه الأرض. بكفى أنه مرّ من عندك وحتى لو أنه مرّ من تحت الأرض بعمق أمتار إلا انه سيصادر القسم العلوي من الأرض”.