أميّة سليمان جبارين (أم البراء)
مرّت علينا قبل أيام ذكرى ميلادك الـ 62، (1958/11/10) وكم آلمني وأثر في نفسي ألا أستطيع تقديم التهنئة لك بيوم مولدك كما في الأعوام الماضية، وذلك بسبب عنجهية الاحتلال وتجبّره وظلمه، ولكنني في كل يوم وفي كل موقف أتأكد وأوقن أنك على الحق، لأن سهام الأعداء دائما موجّهة إليك سواء سهام المحتل الظالم، أو سهام الملحد الفاجر، أو سهام المنبطح المتخاذل، فجميع هذه السهام الحاقدة المسمومة تحاول ثنيك عن طريق الحق والثبات!! ولا نزكي على الله أحدا إلا اننا نستذكر قول الشافعي: حين سُئل كيف تعرف أهل الحق؟! فقال: اتبع سهام العدو فهي ترشدك إليهم.
هذا خالي فليرني كلٌ خاله!!!
لقد شرّفني الله عز وجل أن أكون أحد الكفلاء لخالي فضيلة الشيخ رائد صلاح في فترة حبسه المنزلي، ممّا أتاح لي الفرصة أن أكون معه جُلَّ هذه الفترة، وأقولها بصدق تام أنني كنت أعايش عملاقا بكل ما تحمل الكلمة من معاني!!! نعم إنه عملاق بفكره المتقد وعلمه الواسع، عملاق ببصيرته الثاقبة، عملاق بأخلاقه الكريمة، وأُشْهِد الله يا خالي أنه كما كان لك الفضل عليَّ في صغري بتوجيهي وإرشادي وبناء شخصيتي، فقد كنت لي خلال هذه الفترة خير ناصح ومعلم ومرشد في التعامل مع الكثير من القضايا وتحليلها التحليل السليم.
فلا يخفى على أحد من أبناء مجتمعنا الفلسطيني كافة وأبناء عالمنا الإسلامي أن للشيخ رائد صلاح شخصية اعتبارية محليًا وعالميًا وله مكانته الكبيرة المرموقة، بسبب مواقفه الثابتة وعقيدته الراسخة ودفاعه البطولي عن القدس والمسجد الأقصى، حتى اقترن اسمه بالأقصى فأصبح يعرّف (بشيخ الأقصى) وهذا ما لم يَرق للمؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية التي تسعى وبكل قواها السرية والعلنية من أجل تهويد القدس وهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم مكانه، فأصبح أكبر همّها تقييد فضيلة الشيخ رائد صلاح وإخراس صوت الحق الذي يُعبّر عنه شيخنا من خلال خطاباته وكلماته التي تدعونا جميعا للتصدي والثبات في هذه المرحلة الحرجة، وعدم التخاذل والانبطاح والهرولة مع المتصهينين من أبناء شعبنا. وقد لاقت نداءاته صدى لدى الكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني وأمتنا الإسلامية بفضل ما تميز به شيخنا الفاضل، إذ أن له محبة وقبول كبيرين بقلوب كل من عرفوه، فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه القدسي حين قال: (إن الله إذا أحب عبدا نادى جبريل: قال: يا جبريل إني أحب عبدي فلان فأحبّه، ثم ينادي جبريل في أهل السماء، إن الله يحب فلانا فأحبوه، ثم يوضع له القبول في الأرض).
ونحسبك يا خالي وشيخي وقدوتي ممن صدق فيهم هذا الحديث ولا نزكي على الله أحدا، فأعداد محبيك بتزايد مستمر، كيف لا وأنت كالذهب الخالص تزداد قيمتك يوما بعد يوم، وقيمة ما ناضلت لأجله لأنك أوضحت وبيَّنت لنا مدى المخاطر التي تحيق بنا كمسلمين وكفلسطينيين ثابتين صامدين على هذه الأرض، ودائما ترن في أذني كلماتك: نسأل الله الثبات فما هو آت علينا من فتن شديد.
وأخيرا أود أن أقول لبعض المتفلسفين الذين يدّعون أننا كأبناء دعوة إسلامية بتنا نقدس بعض الشخصيات فإنني أقول لهم: نحن لا نقدس شخصيات لكننا نقدر ونعتز ونفتخر بقادتنا ومشايخنا حفظهم الله، فهم ملح الأرض الذي يمنع ويحارب فسادها وعفنها، فما بالكم بشخصية كشخصية شيخنا الرائد نذرت نفسها من أجل قضيتنا وقضية الأمة جمعاء، بعد أن تخلّى عنها قادة ورؤساء انزلقوا وارتموا في أحضان الصهيوأمريكية خوفا على عروشهم وقروشهم، بينما ما زال شيخنا الرائد يدفع ضريبة ثباته على الثوابت العقائدية والعروبية والفلسطينية، فإنه يا سادة بهمته وعطائه أحيا أمة وأعاد لذاكرتها معنى الثوابت الإسلامية والوطنية والعروبية، وقد استحق أن يصل للقمة، نسأل الله له الثبات والتمكين.
وفي نهاية مقالي أود أن أهدي هذه الكلمات التي تحاكي ما يجول بخاطري وتعبر عمّا يجيش في صدري من مشاعر نحو خالي وصديقي وشيخي وقدوتي شيخ الأقصى فك الله بالعز أسره وسائر المأسورين عاجلا غير آجل:
لله درك يا خال
يا علما في بلدي طوّعت المحال
يا جبل المحامل الثقال
بهمة تفوق الخيال
أيقظت شعبا تائها تلاعب به أبو رغال
وبيّنت بحكمة أساليب النضال
أيا أسدا فوق المنابر فعّال
وفي ساحات القدس حملتَ النبال
وضربت في الأنفاق أروع مثال
بصمودك باتت خططهم إلى زوال
واستصْرَخَتْ طاسو والقسام هِمَم الرجال
فكنت أول غيث ينهمر ويصنع المحال
وصرْفند تبكي بحرقة على هذا الحال
فكفكفتَ دموعا سالت، وناديت الأبطال
لبّوا نداء الأرض أوقفوا الاحتلال
فبلادي حرة رغم أنف أبي رغال
لا تحتضن إلا رجالا كالسنديان طوال
بهمة عالية لا تنحني إلا لرب متَعال
لا تخشى ظلاما للسجن أو تهديدا باغتيال
وأسطول الحرية كان خير مثال
لم تلن يوما وداومت سبل النضال
من العراقيب حتى أقصى الشمال
فهمة القائد فيك تعادل قمم الجبال
وشرعة الحق باقية وشرعة الباطل لزوال
اللهم احرسه بعينك التي لا تنام واحفظه بركنك الذي لا يرام وفك أسره وسائر الأسرى معززين مكرمين منتصرين وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.