أخبار عاجلةمقالاتومضات

الرسائل الخفية في الاعلام وكيف تجدها (14)

عائشة حجار
ترامب فعل ما يكفي ليكون من أبرز وأشرس الرؤساء الامريكيين في العصر الحديث: استخدم أسلحة مدمرة لم يجرؤ غيره على استخدامها، ترجم العلاقات الامريكية الاسرائيلية إلى أفعال استعمارية تمس مدينة القدس خاصة والعالم العربي بشكل عام، كان عراب اتفاقيات التطبيع الاسرائيلية- الإماراتية/ البحرينية/ السودانية/ الله أعلم من سيكون القادم، مبدلا بهذا، الخطاب السياسي العربي من خطاب مبادئ زائفة وممانعة كاذبة، إلى خطاب مصالح بسيطة يمكن وصفها بالفتات السياسي، رفع رأس فكرة التفوق العرقي من جديد، بل كان هذا الموضوع الوحيد الذي لم ينكره ترامب خلال أربع سنوات من رئاسته (الرجل لم يستطع حتى الادعاء بأنه غير عنصري).
بعد النظر إلى قائمة أفعال هذا الشخص، نجد أنه غيّر شيئًا في العالم خلال ولايته، إنه أكثر قليلا من مجرد مهرج، إذا لماذا نفكر فيه على أنه ليس أكثر من نكتة عابرة ونذكر منه خطاباته وتغريداته الغريبة أكثر من بصمته الدموية كما اعتدنا مع غيره من الحكام الاستعماريين؟
إن نظرة العالم الى دونالد ج. ترامب هي حالة ومثال على تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام بشكل عام، على حياتنا. الإعلام هو من أبرز لنا الأقوال والتصرفات السخيفة لترامب بشكل يعتم على أفعال وأقوال أخرى أكثر جدية، أو الحديث عنها بشكل ساخر دون التعمق في تداعيات ما يفعله ويقوله الرئيس الامريكي. باختصار فليس من المبالغ به القول إن الظهور الاعلامي هو ما أطاح بدونالد ترامب، أو على الأقل كان من أهم العوامل.
الطرف الثاني، الذي يجب علينا الآن أن نعتاد أنه رئيس الولايات المتحدة الامريكية، هو جو بايدن، والذي في عام آخر لم يكن لينجح في مثل هذه الانتخابات لولا أن ترامب تمكن من جمع ما يكفي من الكارهين له. ولا بد من التطرق إلى عرض برنامجه السياسي ورؤيته عبر مقاله الذي نشر في مجلة “فورين افيرز”، بايدن، كما كان أوباما، لا ينوي قلب العالم، بل إعادة صيت امريكا كعرّاب العالم الذي يقوده بدلا من أن يشارك في إدارته. لأكون أكثر وضوحا سأركز على جملتين جوهريتين في المقال: نحن بحاجة إلى تعزيز قدراتنا الجماعية مع الأصدقاء الديمقراطيين خارج أمريكا الشمالية وأوروبا من خلال إعادة الاستثمار في تحالفاتنا التعاهدية مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وتعميق الشراكات من الهند إلى إندونيسيا لتعزيز القيم المشتركة في منطقة ستحدد الولايات المتحدة مستقبلها. نحن بحاجة أيضًا إلى الحفاظ على التزامنا الصارم بأمن إسرائيل. ونحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لإدماج أصدقائنا في أمريكا اللاتينية وأفريقيا في الشبكة الأوسع للديمقراطيات واغتنام فرص التعاون في تلك المناطق.
النظرة الاستعمارية المقيتة التي ترافق الولايات المتحدة الامريكية، ليس منذ استقلالها فقط بل منذ بدء احتلال القارة الامريكية في القرن الخامس عشر، والتي تتسم بالوقاحة ورؤية هؤلاء الغزاة انفسهم اصحاب حضارة وثقافة ورقي لهم التفويض الإلهي لتدمير الآخر بحجة نقله من الهمجية الى المدنية، هذه الافكار تبرز جليًّا في مقال بايدن الذي يقسم، في هذه الفقرة بالذات العالم الى ديمقراطيات يجب تعزيز العلاقات معها و”أصدقاء” يجب دمجهم في نادي الديمقراطيات هذا، كأن النظام الامريكي هو الوحيد الصحيح في هذا العالم ويحمل البشرى التي لا بد من نقلها إلى أولئك الهمجيين ما وراء البحار، بأي طريقة. إن عرض ذات الفكر مع استخدام كلمات بغلاف أكثر لطفا لا يجعل الفكرة أفضل أو ذات نتائج أقل دموية.
باختصار، إذا كان ترامب يرانا أشرارًا يجب التخلص منهم فإن بايدن يرانا همجيين يجب الاحتماء منهم وتغييرهم بالقوة. حان الوقت لنفهم أننا شعب يتيم لن ينشله مما هو فيه سوى سواعد أبنائه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى