ثوابتنا منظومة أخلاقنا السياسية
د. أنس سليمان أحمد
إن الذي يجرّد الإسلام من أصوله السياسية فقد وقع في ظلم مركّب، فهو من جهة قد ظلم الإسلام لأنه صادر منه أصلا أصيلا كان ولا يزال لصيقا بفهم الإسلام، وفهم المشروع الإسلامي، وفهم حركة التاريخ الإسلامي على مدار التاريخ، ومن جهة ثانية قد ظلم نفسه لأنه رضي لنفسه باتباع الظنّ، وإن الظنّ لا يغني عن الحق شيئا، فإن قام بذلك وهو يدري فتلك مصيبة، وإن قام بذلك وهو لا يدري فالمصيبة أعظم، ولذلك فإن كل عاقل سواء كان منتمياً للإسلام أو عدواً له، يدرك أن الإسلام يضم أصولاً سياسية ربانية تهدف في المحصلة إلى ملئ الأرض قسطاً وعدلاً، وتطهيرها من أي ظلم وجور.
إن إسلاماً بلا أصوله السياسية هو إسلام لا نعرفه، ولكن في المقابل إن إسلاماً يقوم على سياسة منفلتة بدون قيمه وضوابطه وثوابته هو إسلام لا نعرفه كذلك، وهذا يعني أن الإسلام غير قابل أن نلصق فيه كل مفهوم سياسي، كما أنه غير قابل أن نجرده من أصوله السياسية، ولذلك أن يدّعي زيد أو عمرو أن بإمكانه أن يحكم على فلان بالخيانة ثم أن يحالفه باسم المفهوم السياسي في الإسلام، فهذا مفهوم سياسي مردود عليه وليس من الإسلام في شيء!!
وأن يدّعي أن بإمكانه أن يقدّم الطمع بالأرباح الدنيوية على حساب ثوابت الإسلام باسم المفهوم السياسي في الإسلام، فهذا مفهوم سياسي مردود عليه وليس من الإسلام في شيء!!
أو أن يدّعي أن بإمكانه من خلال الكنيست أن يحصل على مصالح فتات وهمية أو هامشية أو شكلية أو سطحية أو قشرية على حساب المصالح الكبرى للأمة المسلمة والعالم العربي والشعب الفلسطيني باسم المفهوم السياسي في الإسلام، فهذا مفهوم سياسي مردود عليه وليس من الإسلام في شيء!! أو أن يدّعي أن بإمكانه أن يخوض غمار السياسة وفق فهمه الشخصي المجرد، ووفق رؤيته الشخصية المجردة، وأن بإمكانه بناء على ذلك أن ينصّب نفسه مفتيًا سياسيًا يفتي بما يجوز وما لا يجوز بلا إحاطة بأصول السياسة في الإسلام، وأن بإمكانه وهو يتبع اجتهاده الشخصي المنقطع عن هذه الأصول السياسية في الإسلام، أن يقدّم بناء على ذلك دفع الضرر الخاص على حساب الضرر العام، أو أن يقدّم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، أو أن يقدّم المصلحة الظنّيّة على حساب الضرر اليقيني ـ أو أن يقدم الفروع على حساب الأصول، أو أن يقدّم المنافع الدنيوية الفردية والشخصية على حساب الثوابت، ثمّ أن يخرج علينا بصوت عالٍ مدّعيا أنه قام بكل ذلك باسم المفهوم السياسي في الإسلام، فهذا مفهوم سياسي مردود عليه وليس من الإسلام في شيء!! وكل ما قام به باسم هذا الادّعاء الموهوم من نشاطات هي نشاطات ليست من المشروع الإسلامي في شيء، وليست من الفهم الحركي للإسلام في شيء!! وليست من خصائص الإسلام العامة الكبرى في شيء، كخاصية الواقعية وفهم الواقع، أو كخاصية التوازن وفهم المصالح، أو كخاصية العالمية وفهم قواعد التحالف مع الآخر، أو كخاصية الإنسانية وفهم التعايش مع الآخر!!
وصدق من قال: “لا يستطيع الوصول من ضيّع الأصول”، وهذا يعني أنه لا يستطيع أن يتقلد منزلة الفقيه المسلم من لم يستطع أن يتفقه في الإسلام، ولا يستطيع أن يتقلد منزلة الاقتصادي المسلم من لم يُحسن الإحاطة بأصول الاقتصاد في الإسلام، ولا يستطيع أن يتقلد السياسي المسلم من لم يتبحر بدراسة أصول الحكم والسياسة الشرعية في الإسلام، فليس كل فقه يعني فقه الإسلام، ولا كل اقتصاد يعني الاقتصاد الإسلامي، ولا كل سياسة تعني السياسة الإسلامية، فلا يحق لمن لم يحط بأصول الحكم والسياسة الشرعية ومقاصد الشريعة أن يخوض في مسائل السياسة من منظور إسلامي.
السياسة الإسلامية سياسة مبادئ وقيّم، تلتزم بها، ولا تتخلى عنها، ولو في أحلك الظروف وأحرج الساعات، سواء في العلاقة الداخلية بين أبناء المشروع الإسلامي، أو في العلاقة الخارجية بغيره من أشخاص وهيئات وحركات وأحزاب، ولا يجوز للسياسة الإسلامية أن تكون سياسة (ميكافيلية) تقوم على قاعدة: الغاية تبرر الوسيلة أيًا كانت صفة هذه الوسيلة. لأن الخبيث من الوسائل كالخبيث من الغايات، كلاهما مرفوض، ولا بد من الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة!!