هل بقي لدينا قرش أبيض في ظل كورونا؟! عائلة تتحدث عن أزمتها ولجوئها إلى الاقتراض والمختصة الاقتصادية ناردين أرملي تطرح حلولا
عائشة حجّار
خلال هذا العام كان الجانب الصحي على سلم اولوياتنا، إلا أن الاقتصاد أيضا كان عنوانا أساسيا بل محركا لقرارات عديدة مثل اعادة الاطفال الى المدارس، وخروج أفراد في العائلة للعمل بدل أولئك الذين فقدوا أماكن عملهم.
إحدى المتضررين من هذه الفترة هي السيدة ن.م التي سردت لنا قصتها فتقول: “بداية عام 2020 كانت موفقة جدا في بيتنا، فقد تمكنا من جمع مبلغ يكفي لافتتاح محل لبيع الملابس وفعلا نجح المشروع وكان بعض الزبائن يشترون الملابس عدة مرات في نفس الشهر. عندما بدأت أزمة الكورونا، وتحديدا عند الاغلاق الاول، بدأ اقبال الناس يقل، ولأكون صريحة فحتى خلال فترة عيد الفطر كان الاقبال شبه معدوم، فمن سيشتري ملابس لن يخرج بها؟”.
إضافة الى قلة المشترين، واجهت ن.ح صعوبات أخرى تمثّلت بإقالة زوجها من عمله، ومطالبة مالك المحل أجرة كل شهر. تقول: “كان عليّ أن أدفع أجرة المحل مع أنني لم أربح أي مال، في النهاية قررت إغلاق المحل كيلا نغرق أكثر في الصعوبات الاقتصادية، فمن عائلة تملك كل ما تحتاج أصبحنا نطلب المساعدة من كل من نعرفه. حتى جاء يوم تحدثت إلي قريبة العائلة واقنعتني بأن علينا أخذ قرض ربوي بحجة أن الجميع يفعل هذا وأنه لا يوجد حل آخر، أعترف أنني نادمة جدا على هذا القرار، فالآن لا أعلم كيف ومتى سننتهي من إعادة هذا القرض، ولأكون صريحة فإن أخذ القرض لم يحسن وضعنا الاقتصادي بل زاده سوءا”. أمّا عن إمكانية العمل في مجال آخر فتقول: “بسبب تعطيل المدارس من الصعب عليّ الخروج للعمل لساعات متواصلة، أمّا زوجي فلم ينجح في إيجاد عمل لأن هناك من هم مثله يبحثون عن عمل وفرص العمل قليلة، الآن مع عودة المدارس قد أتمكن أخيرا من الخروج للعمل، لكن ما يؤلمني أننا حتى لو عدنا الى العمل فإن المال الذي سنجنيه لن يكون لاحتياجاتنا واحتياجات أطفالنا بل لإعادة القرض”.
وتختم قصتها قائلة: “رسالتي للجميع هي التواضع، فأحوالنا يمكن أن تنقلب في يوم وليلة، ومن اعتاد على مساعدة الآخرين سيجد من يساعده. وأيضا أن نكون جاهزين لكل أزمة يمكن أن تحدث كي لا نتخبط ونضيع عند أول تحدي”.
لفهم العقبات والفرص التي تواجه العائلة العربية اقتصاديا في هذه الفترة، أجرت صحيفة “المدينة” المقابلة التالية مع المختصة الاقتصادية ناردين أرملي:
المدينة: كيف اثرت ازمة كورونا على العائلات العربية؟
– لقد أثّرت الأزمة بشكل كبير جدا على العائلات العربية، خاصة أصحاب المصالح والشباب العاملين الذين لم يتمكنوا من الحصول على مخصصات البطالة. بالتأكيد سيستمر أثر هذه الازمة معنا للسنوات القادمة ولن ينتهي في هذه المرحلة. فمن المهم جدا ان نفهم تأثير الازمة علينا وأن نكون جاهزين لأزمات أخرى مستقبلية مشابهة، ليس بالضرورة بنفس الحجم لكنها أزمات ستؤثر علينا اقتصاديا.
المدينة: هل هناك فرق بين التأثير الاقتصادي على العرب مقابل اليهود في البلاد؟
– هناك فرق لأننا دخلنا الازمة ولم نكن بنفس الوضع، دخلنا مع نسبة أشخاص أعلى تحت خط الفقر، مع نسبة بطالة أعلى، نسبة نساء عاملات أقل بكثير من المجتمع اليهودي، وتأثير كل هذه الامور هو اننا حساسون اكثر لاي أزمة اقتصادية، وليس فقط كورونا، فهناك فرق كبير جدا بين العرب واليهود. وأضيف الى هذا ايضا أن المجالس المحلية والبلديات العربية لم تأخذ تعويضات وميزانيات تدعمها في الازمة مثل المجالس اليهودية.
المدينة: كيف ترين خروجنا من فترة الكورونا اقتصاديا؟
– بداية نسبة الاشخاص المدينين ومبالغ القروض لدى العائلات ستزيد، المصالح التي كانت بوضع اقتصادي متوسط او من المجالات التي تدهورت سنرى الكثير منها تغلق. لكن هذه ايضا فرصة للعديد من الاشخاص أن يبدأوا في مجالات مطلوبة جدا، يبدأوا بالبحث عن دورات وتدريبات يمكن أن تساعدهم ليجدوا امكانيات عمل جديدة، فيمكن أن تكون هذه الازمة بداية خير لانتقالنا الى وضع اقتصادي مختلف، كل هذا يتعلق كم ستدخل العائلة الى موقف المبادرة مقابل وجودها في موقف تلقي الصدمات دون مبادرة للتغيير، فمن المهم أن نكون في الجانب الذي يبادر لإيجاد حلول مختلفة.
المدينة: هل هناك تأثيرات بعيدة المدى للكورونا على وضعنا الاقتصادي؟
– اتأمل أن تكون تأثيرات أزمة كورونا على العرب أن نأخذ درسا ماليا اقتصاديا، بأن علينا ان نكون جاهزين، يجب أن تكون لدينا ميزانية طوارئ تساعدنا للتعامل مع الازمات المختلفة، سواء كانت صحية عالمية أو أزمات شخصية. ميزانية الطوارئ هي إحدى الامور التي تسمح للعائلات بالتعامل مع ظروف متغيرة مثل الظرف الذي نواجهه هذه المرة، فأنا أتأمل أن تخرج العائلات بدرس اقتصادي يسمح لها أن تكون في مكان آخر من ناحية اقتصادية، وأن تبدأ بتخطيط ميزانيتها وإدارة اقتصادها بشكل مختلف.
المدينة: ما هي نصيحتك للأسرة في فترة كورونا؟
– نصيحتي للعائلات بداية، أن هذه فرصة ممتازة لنبدأ بتخطيط ميزانيتنا وإدارة مصروفنا بشكل أكثر وعيا ووضوحا، وأن نحاول الإبقاء على أثر للأمور التي تعلمناها وغيرناها خلال فترة الازمة، أيضا بعد خروجنا منها. أي أن العائلات والاشخاص الذين اعتادوا على السفر والمطاعم وشراء الملابس والاحذية أقل في هذه المرحلة، أي عدة أمور قللنا المصروف خلالها، ويمكن أن نحافظ على أثرها بعد الازمة، فهذه فرصة لتغيير جزء من عاداتنا القديمة. في النهاية أزمة الكورونا تلقننا درسا ماليا مهما جدا، يقول إننا يجب أن نكون جاهزين ونخطط وضعنا الاقتصادي بشكل أفضل، وبالطبع لا يجب أن نكون بوضع نستغل فيه كل أطر الاعتماد حتى النهاية، لا يجب أن نكون بهذا الوضع مرة أخرى. طبعا هناك الكثير من العائلات مرّت هذه الفترة وقد حسّنت من وضعها المادي، لأن هناك الكثير من المصروفات المتغيرة مثل المناسبات والسفر والمطاعم قلّت لديها، وهذا سمح لهم بأن يكونوا بوضع اقتصادي أفضل من بداية الازمة، وأتأمل أن يستمروا في هذا النهج وبالتوفير وأن يكونوا في مكان آخر بعد انتهاء الأزمة.