أين وصلت الجامعة العربية؟
د. حسن صنع الله
يرى البعض أن الجامعة العربية تأسست قبل 75 عاما (1945) بإيعاز من بريطانيا من أجل خدمة مصالحها، وظهرت هذه الجامعة للوهلة الأولى كجامعة مستقلة، ولكنها عملت على خدمة المصالح الامبريالية والصهيونية العالمية بالسر والعلن، والشيء الوحيد الذي لم يتغير على هذه الجامعة طوال 75 عامًا هو خدمتها للمشروع الصهيوني والعمل على وأد أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية، هذا ناهيك عن زرع الفتنة بين الدول الاعضاء، وقد تزايدت وتيرة هذا الدعم للمشروع الصهيوني من قبل العديد من أعضاء هذه المنظمة مع تعاظم النفوذ الأمريكي في المنطقة. وما كان اعتراف هذه الجامعة بمنظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد (في الحقبة الناصرية) الا لتسهيل تنفيذ السياسات الامبريالية والصهيونية، فمنذ مطلع الخمسينات كما كشف المؤرخ محمد حسنين هيكل بالوثائق في برنامجه التلفزيوني “مع هيكل” والذي كان يُبث على قناة الجزيرة أنه كان هناك توافق بين القطبين الروسي والأمريكي على خدمة المشروع الصهيوني وضمان تفوقه. وبخلاف التصريحات التي كانت تصدر عن الجامعة العربية، لم تكن القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه محل اجماع عند الدول الاعضاء في الجامعة العربية، بالرغم من أنّ ميثاق الجامعة ينص على ذلك.
لقد جاء موقف الجامعة العربية داعمًا لخطوات التطبيع التي أعلنت عنها ابتداءً الإمارات والبحرين، وحالة الهرولة نحو التطبيع للعديد من الدول العربية الاعضاء في الجامعة العربية، كشفت عن وجود تحالف سري بين هذه الدول والمؤسسة الاسرائيلية. وعليه بات واضحًا أنّ هناك داخل الجامعة أكثرية داعمة للتطبيع ربما تختلف فيما بينها على التوقيت، مقابل قلة معارضة للتطبيع آخذه بالانحسار والاندثار.
لا شك أنّ الجامعة العربية واللوبي الضخم المطبِّع داخلها باتوا عبئًا على الملف الفلسطيني، فَهُم مَن يمارسون الضغط على السلطة الفلسطينية ويدعمون المشاريع والصفقات المشبوهة من أجل تصفية القضية، فقد لوحظ تراجع حاد في المنح لدعم الموازنة الفلسطينية، وخصوصًا في المنح والمساعدات المالية العربية الموجهة لدعم الخزينة، حيث تراجعت من 1 مليار ومئة مليون دولار عام 2013 إلى 500 مليون عام 2019، وقد تقلص إجمالي الدعم العربي للموازنة الفلسطينية مطلع عام 2020 من 198 مليونًا (2019) الى 132 مليونًا تقريبًا دون تقديم مبررات تُذكر من الدول العربية، وترى أوساط رسمية فلسطينية ان هذه التقليصات تُعتبر إحدى أدوات الضغط للقبول بصفقة القرن والسكوت أو القبول بموجة التطبيع العربي مع المؤسسة الاسرائيلية. ولا يزال الاتحاد الأوروبي يقدم 86% من الموازنة (240 مليونًا) التي تبلغ 280 مليون دولار عن طريق البنك الدولي.
لقد استخدمت هذه الدول أيضًا ذبابها الإلكتروني للعمل على تهيئة الأجواء لخطاب معادٍ للقضية الفلسطينية، ولكن هذه الانظمة فشلت على ما يبدو حتى الآن في خلق هذه الحالة لدى شعوبها، فبحسب استطلاع نشره المركز العربي للأبحاث والدراسات والذي أُجري بين تشرين ثاني 2019 وتموز 2020، حول اتجاهات الرأي العام العربي نحو اعتراف بلدانهم بالمؤسسة الاسرائيلية أنّ ما نسبته 88% من المواطنين العرب في البلدان المستطلعة (المغرب العربي، المشرق العربي، ووادي النيل، الخليج العربي عدا الإمارات) ترفض الاعتراف بالمؤسسة الإسرائيلية.
باتت الدول العربية المطبعة وعلى رأسها السعودية والامارات تُحَمِّل الجانب الفلسطيني المسؤولية عن فشل القضية الفلسطينية، هذه النغمة تعبر عن حالة اصطفاف كامل مع المؤسسة الإسرائيلية، في خروج معلن عن المبادرة العربية التي اطلقتها السعودية وتبنتها الجامعة العربية.
تحاول الجامعة العربية المختَطَفة اليوم من قبل دول التطبيع خلق وعي عامٍ مريض خالٍ من الحس العروبي الوطني، ومعادٍ لكل ما هو إسلامي وفلسطيني ويتماشى مع الرواية الصهيونية والرغبات الأوروبية والأمريكية المتحالفة والمنحازة للاحتلال.
إنّ قرار بعض الدول العربية الأعضاء (قطر، الكويت، السلطة الفلسطينية، لبنان، جزر القمر وليببيا) في التخلي عن حقها في رئاسة الجامعة العربية، تعبر عن حالة موت سريري لهذه المنظمة، وليس مجرد أزمة طارئة، كونها منظمة مأزومة منذ ولادتها. رَفْضُ رئاسة هذه الدول للجامعة يعبر عن رفضٍ واضحٍ وصريح لتعامل هذه الجامعة مع الملف الفلسطيني برمته ومع انبطاح العديد من أعضائها نحو التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية.
تركت الجامعةُ العربية الشعبَ الفلسطيني وحده في مواجهة مشاريع تصفية قضيته، لا بل إنّ الدول المطبعة في هذه المنظمة تُعتبر شريكًا فعليًا للبيت الأبيض وأوروبا والمؤسسة الإسرائيلية في تصفية القضية الفلسطينية.
من الواضح أنّ الجامعة العربية في ظل هرولة أعضائها ليست محل ثقة وتسير نحو الإنهيار والتفكك، فالجامعة اليوم تُدار من قبل من يموّلها ويحمل لواء التطبيع مع المؤسسة الاسرائيلية.
على الجانب الفلسطيني أن يبحث عن إطار عربي إسلامي أشمل داعم للملف الفلسطيني، والخروج من تحت وصاية الدول المطبعة وعلى رأسها مصر، كما لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تمسك الحبل من الوسط بل عليها التخلص من كل تباعات أوسلو والمبادرة العربية.
أما إذا بقيت السلطة على حالها فمآلها أيضًا إلى التفكك لا محالة، و على الفصائل الفلسطينية العمل على تحقيق مصالحة حقيقية والعودة في الملف الى مربعه الأول.