الماكـــرونية والعـــداء للإسلام
صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
بيان
هذه مقالات ثلاثة اكتبها محاججا الماكرونية الحديثة وكراهيتها للإسلام معريا دعواها الفارغة العلمانية القائمة على قيم الثورة الفرنسية: الحرية، العدل والمساواة، مبينا حجم العلاقة بين فرنسا ودورها الكاثوليكي- الصليبي الذي لم يتغير قيد أنملة منذ عام 1521 والى هذه اللحظات.
هذه المقالة ليست دفاعا عن نبينا محمد ﷺ فقد كفاه ربنا المستهزئين، بل هي لنا لنعلم عظمة هذا الدين لتعميق الاعتزاز به والالتزام به وحتى لا تهزنا كمسلمين شيطنة العلمانيين والماكرونيين العرب والعجم للإسلام والمسلمين والاسلاميين.
مقدمات تاريخية
في العصر الذي نعيش، عصر التقنية والمعلوماتية وانفجار المعرفة استحالت الرموز من مقدس الى مقدس وزيادة، زيادة في تذويت المقدس كهوية متجددة ومتخلقة تحفظ الانسان الفرد والمجموعة من ضواري مفاعيل ما بعد الحداثة وهتكها للإنسان، إذ المقدس له جبروته الذي لا ينضب يقف أمام كل تحد مهما كانت سطوته وقوته.
هذا المقدس موجود لدى كافة المجتمعات المتدينة المنسوبة للأديان السماوية الثلاثة، على اختلاف المذاهب والمدارس فيها، ويعتبر على سبيل المثال لا الحصر الانبياء خاصة أصحاب الرسالة في الموسوية موسى ﷺ وفي المسيحية عيسى ابن مريم ﷺ وفي الاسلام محمد صلوات الله وسلامه عليه، هم الرمز والمُقدَس الذي يعبر عن جوهرانية هذه الدنيا في علاقة الدين بالحياة والحياة بالآخرة والرمز لمعاني الدين والعمل بمقتضاه ورمزا للفداء من اجل القيم والمبادئ التي جاءوا بها، ومن ثم تخلقت على مدار التاريخ احوال تعبر عن هذه القداسة اتجاه هؤلاء الانبياء في نفوس الخاصة والعامة، فقام المسيحيون على سبيل المثال بابتداع الصور والتماثيل المعبرة عن هذا الحب والقداسة، وفي الاسلام شكّلت أحاديث الرسول ﷺ المثال الحي لمعنى القداسة والاتباع في الصيرورة الاسلامية على مدار التاريخ، وشكّلت حفظ احاديثه والعمل بها وترجمتها معنى وفلسفة للحياة إلى معين لا ينضب الى يومنا هذا.
في الصيرورة العلمانية تخلقت ايضا رموز وفاقت قداستها برسم العلمانية وغائياتها الرافضة للدين والتدين، القداسة التي لا يجوز المساس بها، وأحاطت هذه القداسة بسيل عرم من القوانين والإجراءات التي وضعتها الدولة برسم قوتها وما تملكه من أجهزة وسطوة كان في مقدمتها التربية رَغَبَا ورَهَبَا لتعظيم هذا المقدس، ومن ذلك ما يسمى القيم الجمهورانية (تختلف هذه القيم من دولة الى أخرى برسم ميراثها الفكري والقيمي، فالقيم الامريكية المؤسسة على الابعاد الانجيلية البروتستانتية تختلف عن القيم الجمهورانية الفرنسية المؤسسة على قيم الثورة الفرنسية، وإن كنت ممن يزعمون أن هذه القيم ثاوية بعمق في الكاثوليكية وعلاقاتها البينية بفرنسا.
تاريخيا تعود العلاقة بين فرنسا والمشرق الى العصور الصليبية، ولكنها تجددت في عام 1521 اثر اصدار البابا ليون العاشر قرارا في 18 ايار 1521م يحض فيه للدفاع عن المسيحيين الشرقيين الخاضعين للسيطرة العثمانية، وقد تصدت فرنسا للمهمة وانتهت مفاوضاتها مع الدولة العثمانية في الرسالة المشهورة من السلطان سليمان الثاني للملك فرانسوا الاول عام 1530 تؤكد فيها الى الحماية الفرنسية للمسيحين وشكلت هذه الرسالة الاساس والتمهيد التاريخي للامتيازات الغربية (انكلترا عام 1580، هولندا عام 1612م) وبذلك ففي فرنسا “العلمانية” موروث ديني- صليبي اتجاه المشرق.
بعض من هدي التاريخ
الإسلام ليس بغريب عن فرنسا، بل كانت فرنسا ولاية من ولايات الاندلس وتشير دراسات المؤرخين المنصفين الى التاريخ الاسلامي الزاخر في فرنسا (بلاد الغال) والذي بدأ قبل نهاية القرن الهجري الاول يوم كانت هذه البلاد قبائل بربرية وقطاع طرق يرعاه بعض الرهبان، وكان لدخول الاسلام دور في تنظيم الشأن الحياتي لتلكم القبائل البربرية ولقد عاشت فرنسا حياة الاسلام منذ عام 719م وحتى 972م (انظر: المرصد الفرنسي لقضايا الاسلام، فرنسا تحت الحكم الإسلامي). ومنذ هذا التاريخ عايشت فرنسا نهضة كبرى على يد المسلمين، حتى وصل عدد المسلمين حاليا إلى أن يكون دين الإسلام في المرتبة الثانية على مستوى الجمهورية الفرنسية بعد الديانة الكاثوليكية. فلم يعد المسلمون أقلية في فرنسا كما كانوا أيام الستينات. بل يصل تعدادهم اليوم إلى ما يناهز ستة ملايين مسلم، وبعض المصادر تقول سبعة ملايين. وعدد المساجد يصل إلى 2449 مسجد حسب أرقام وزارة الداخلية الفرنسية لسنة 2012. فالجالية المسلمة في فرنسا هي أكبر جالية دينية في أوروبا الغربية بأسرها. ومن هنا يعود هذا الحضور الإسلامي ضاربا بجذوره في أعماق التاريخ وبالتحديد في عام 714 في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز؛ وأن المسلمين لما خالطوا الفرنسيين أشاعوا الأمان والأمن لهذه القبائل البربرية المتناحرة والتي تعلي شريعة الغاب على قيم الإنسانية برعاية من رهبنة فاسدة، حيث يقول المؤرخ الفرنسي فرانسوا كليمان أول دخول للمسلمين في منطقة ما وراء البيريني Pyrénées حصل ما بين سنة 714-715 م، وفي سنة 720 م تمت السيطرة الإسلامية على منطقة ناربون Narbonne بقيادة السمح بن مالك الخولاني، الذي توغل حتى وصل إلى تولوز، ثم استُشهد في معركة بها- انظر: المرصد الفرنسي لقضايا الاسلام، فرنسا تحت الحكم الإسلامي).
لقد نقل الفتح الإسلامي الى بلاد الغال الاثر الهائل على تلكم البلاد الى يومنا هذا، فبفضله أدخلت الزراعة الى تلكم البلاد، وتعلم الناس كيفية الزراعة وبفضلهم ادخل القمح الاسود الى تلكم البلاد الذي لا يزال الى يومنا هذا علامة مميزة للمحاصيل الزراعية الفرنسية، وكان لهم الفضل في نقل فسائل النخيل إليهم وكذلك سلالات الخيول التي لا تزال في الجنوب الفرنسي بعد تهجينها مع الخيول العربية الاصيلة) أنظر: دولة الإسلام في الأندلُس، مُحمَّد عبدُ الله عنَّان).
في عام 1962 اكتشف علماء آثار فرنسيين بقايا سفن أموية وعملات عربية في مرسيليا، ويرجع عمر هذه العملات الى سنة 95 للهجرة (715-716 م)، أي في عصر الأمويين وهذا معناه ان هذه البلاد خضعت مبكرا للحكم الاسلامي وقد كتب على هذه العملات (بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله وحده لا شريك له) وفي بعض القطع النقدية الأخرى مكتوب (قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد).
توضيح: المقالات الباقية سأنشرها عبر موقع موطني48.