نظّمه اتحاد مساجد وادي عارة: حضور جماهيري حاشد في مهرجان تجديد البيعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
طه اغبارية
غصّت قاعة “ميس الريم” في قرية عرعرة بالحضور، في المهرجان المركزي بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، الذي أقيم مساء اليوم الجمعة، ودعا إليه ونظّمه اتحاد مساجد وادي عارة.
استهل المهرجان بقراءة عطرة من القرآن الكريم، تلاها الشاب حذيفة عماد يونس، ثم تولى فقرة العرافة الدكتور مهدي زحالقة، إمام مسجد “الحوارنة” في كفر قرع، ورحّب بالحضور، باسم اتحاد ائمة مساجد وادي عارة (الجسم المنظم للمهرجان)، وتحدث زحالقة عن رحمة رسول الله ونوره إلى العالمين، في وقت تسيطر فيه قوى الظلم والظلام على عالم اليوم، وتشوه الاسلام والمسلمين.
ونوّه قائلا: “نفتقد أناسا ليسوا معنا هنا منهم: الشيخ رائد صلاح والدكتور سليمان وإخوانه من عشاق الاقصى، والأستاذ المرحوم عبد الحكيم مفيد الذي وافته المنية قبل نحو أسبوعين”.
وكانت الكلمة الأولى للمحامي مضر يونس، رئيس مجلس محلي عرعرة عارة، رحّب بالحضور باسم أهالي عرعرة عارة، وشدّد على أهمية التحلي بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، في زمن ينهش فيه غول العنف مجتمعنا الفلسطيني، بسبب ابتعادنا عن أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته.
الدكتور مشهور فواز يدعو إلى توحيد الطيف الإسلامي
ثم كانت الكلمة للدكتور مشهور فواز، رئيس مجلس الافتاء في الداخل الفلسطيني وقال في مستهلها، “إن مولد النبي هو مولد الحضارة الانسانية والعدالة الاجتماعية والمساواة والرحمة، وإن مولده إيذان بحرية الإنسان، وجاءت البشائر بمولده في انطفاء نار الفرس والمجوس، فكان مولده مولد الإنسانية جمعاء”.
وتحدث الدكتور مشهور عن تسامحه صلى الله عليه وسلم مع خصومه وصبره عليهم، وكيف كان رحمة للعالمين للإنس والجان والشجر والحجر والدواب، فكان جوابه لملك الجبال حين أبدى استعداده لخسف أعدائه “إني أرجو ان يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا” وقوله “لم أبعث لعّانا وإنما بعثت رحمة”.
في المقابل، تحدث الدكتور مشهور عن طغاة الأرض الذين قتلوا الملايين من الهنود الحمر والملايين في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وملايين المسلمين في أصقاع الأرض، وكيف قتلت روسيا 15 مليونا من الناس من أجل أن تسيطر بفكرها الشيوعي على الناس.
وتطرق إلى رحمة المسلمين وأخلاقهم حين سادوا الدنيا، وكيف منع علماء المسلمين السلطان العثماني سليم الأول من إجبار أطفال النصارى على الاسلام، وساق عددا من الأمثلة في التاريخ الإسلامي التي تتحدث عن رحمة الاسلام وعدله مقابل بطش الطغاة من أمم أخرى بشعوب الأرض.
وأضاف الدكتور مشهور: “حظي كل الوجود بهذه الرحمة المهداة، وبهذا النور المحمدي، إلا أن أوفر الناس حظا بهذا النور، كانت المرأة، تلك التي عاشت في مجتمع جاهلي قبلي لا تستحق فيه الحياة فضلا عن سائر حقوقها، في الوقت الذي كانت فيه الحضارات الأخرى تختلف إن كان أصل المرأة إنساني او شيطاني، فثار صلى الله عليه وسلم على هذا الطغيان والظلم والعادات الجاهلية، وقال لو كنت مفضلا أحدا على أحد لفضلت النساء، لذا لو انصفت المرأة في القرن الواحد والعشرين لجعلت من يوم مولده صلى الله عليه وسلم هو يوم المرأة العالمي، لأنها حظيت بمكانتها”.
وتحدث عن غربة الأمة اليوم على كل المستويات، ومن أسباب ذلك أصحاب العمائم الذين شيّخهم الطغاة والسلاطين، فهم ليسوا علماء وإنما تبع للسلاطين، فكانوا نكبة على الأمة. وقال “إن النبي سمّاهم بالجهال المضلين الضالين”.
وأكد أن الاحتفال الحقيقي بمولده صلى الله عليه وسلم يكون “يوم أن تتوب القلوب إلى الله توبة حقيقية، ونتعالى عن خلافاتنا المادية والفكرية، ويوم أن تتوحد الكلمة فيصبح الجسد واحدا والألم واحدا والفكر واحدا والنية واحدة، ويوم ان تتوب بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا ومؤسساتنا إلى الله تعالى”.
ودعا الدكتور مشهور فواز إلى وحدة الأمة بمكوناتها الإسلامية وأطيافها، مشدّدا “آن الأوان ايها العاملون في حقل الدعوة أن نركز على المتفق عليه ويعذر بعضنا بعضا في المختلف فيه كي ننشغل بقضايا الأمة المصيرية، فهذه أعظم هدية نقدمها للنبي صلى الله عليه وسلم في يوم مولده”.
الشيخ كمال خطيب يحذر من اليأس ويؤكد أن النصر للمشروع الاسلامي
وكانت الكلمة المركزية في المهرجان، للشيخ كمال خطيب، إمام مسجد “عمر ابن الخطاب” في كفر كنا واستهلها بالقول: “لا بد من ذكر أحبة منهم من غيبهم القيد والسجن: الاخوة عشاق الاقصى المبارك، وآخرين قد غيبهم عنا الموت الاخ الفاضل والحبيب الاخ عبد الحكيم مفيد، عضو المكتب السياسي للحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا، ووفاء له نقرأ الفاتحة ونهديها إلى روحه الطاهرة”.
وقال في كلمته: “إن ميلاد الرسول يعني العهد والبيعة لصاحب الذكرى وللنهج الذي أتى به والدين الذي جاءنا به وللرسالة التي نزلت عليه وللمشروع الاسلامي المبارك الذي حمل رايته المسلمون بعد رسول الله جيلا بعد جيل وكابرا بعد كابر”.
وتابع: “يراد لنا أن نقبع بحالة يأس وكأننا بسفينة غرقت ولن يصلح حالها، ولكن لن يكون منا إلا عكس ذلك، واليقين أننا على أبواب فجر ساطع، لا مجال لليأس والاحباط والسودواية، فهذه طلقناها ثلاثا”.
وفي تأكيده على ضرورة التحلي باليقين والأمل، رغم الألم والواقع المرير، وان بشائر النصر قادمة، تطرق الشيخ كمال إلى حدثين وقعا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما يوم أحد، حين هزم المسلمون ولعقوا جراحهم، لكن بيان من الله غيّر حالهم بقوله جل في علاه: “هذا بيان للناس وموعظة للمتقين، ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين…..”، وأضاف: “جاء هذا البيان في ذروة وضع صعب يمر على المسلمين، فاليوم الأمة في وضع معنوي صعب جدا، في ظل تكالب الاعداء من الشرق والغرب وقد تحالفوا علينا، فلا شهداء اليوم أو أسرى أو لاجئين او نساء تغتصب إلا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الوضع صعب إلى درجة يقول المنافقون إن الاسلام مات وشيع، ويقول المنافقون إن الاسلاميين أصبحوا خارج الخدمة، ولكن نقول لهم لا وألف لا ونذكرهم بالبيان الذي جاء من الله تعالى، وبالتالي علينا أن نطمئن إلى نصر الله ووعده”.
وتطرق إلى واقع آخر في حياة رسول الله وصحابته يوم انتصر الفرس على الروم، وكيف كانت الحالة النفسية للمسلمين، فجاء خبر عاجل من الله بشّر فيه المسلمون أن الروم سينتصرون في بضع سنين على الفرس.
وأكد خطيب أن حظر الحركة الإسلامية واعتقال الشيخ رائد صلاح والملاحقات السياسية للإسلاميين وكذلك شماتة البعض من أبناء جلدتنا بما يحدث للإسلاميين لن يغير من حقيقة الأشياء وأن النصر في النهاية للمشروع الإسلامي.
وقال: “حين نتحدث عن الأمل والتفاؤل يضحكون ويسخرون، يعتبروننا “هبلان” ويتجرؤون علينا ويتشفون كيف أن المشروع الإسلامي يصاب بنكبة هنا ونكسة هناك، نقول لهم ولكل الدنيا كما كانت الحالة صعبة جدا بعد معركة أحد في زمن المسلمين الأوائل وكما كانت الحالة صعبة وبعد هزيمة الروم، نحن لا نعلم الغيب أبدا ولكن نعلم ان وعد الله حق، وان ما قال الله سيكون، ونعلم ان وعد رسول الله سيكون مثل فلق الصبح نعلم ونطمئن، ونقول للكل اننا بانتظار بيانات هامة واخبار عاجلة في بضع سنين ان شاء الله، ليست من محمد ابن سلمان ولكن من محمد ابن عبد الله المهدي بإذن الله، إياكم والاحباط والتشاؤم، كونوا مشبعين بالأمل والتفاؤل، واعلموا انها سنوات صعبة ومرحلة ليست سهلة وعلينا ان نتسلح بالصبر”.
وختم الشيخ كمال خطيب قائلا: “نتسلح بالصبر والمزيد من الاعتصام بحبل الله والاقتداء برسول الله، فإذا مضت سفينة الواحد منا بسلام سترسو على شاطئ الأمان بسلام، ولن نجزع لا بسجن ولا بموت، فرسول الله لاقى ما لاقى وجاءت آيات الله تطمئنه، سنتلوها ونؤمن بها وننتظر نتائج وعد الله فيها، لا اقول والعياذ بالله تعالوا نجلس في بيوتنا، بل علينا ان نشمر عن سواعد البذل والعطاء وخدمة الدين والاسلام، إن حظر الحركة الإسلامية هو حظر لوسيلة في خدمة الاسلام إنما وسائل خدمتنا للإسلام لن تتوقف، وكيف تتوقف وبيننا وبين الله عهد وبيننا وبين رسول الله ميثاق، فلن نقيل ولا نستقيل حتى نلقى الله، امضوا بعزم ويقين واصبروا وأخلصوا لله حتى نتجاوز هذه العقبة الكؤود ونصل إلى شاطئ السلام ونصل إلى الخلافة الراشدة، حيث لن تكون كلمة عليا في هذه الدنيا إلا للإسلام، وعند ذلك سنقول لمن شمتوا اذهبوا فأنتم الطلقاء وأما من سواهم فمن سالمنا سالمناه ومن اراد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه انتظروا الصبح أليس الصبح بقريب”.
هذا وفي ختام المهرجان تم توزيع كتاب “اختصار وتهذيب كتاب تنبيه الأنام في بيان علو مقام نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام” المعروف بـ “شفاء الأسقام ومحو الآثام في الصلاة على خير الأنام” ألفه الإمام عبد الجليل القيرواني واختصره وهذبه الدكتور مشهور فواز.
كما تم تكريم شيخ الملحنين الإسلاميين، محمد حسام الغرابلة، صاحب مؤسسة “الغرابلة” في الأردن، واستلم الدرع التكريمي، الشيخ كمال خطيب، والشيخ نضال أبو شيخة، إمام مسجد “الشافعي عارة”.
وتخلل المهرجان فقرات فنية ملتزمة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أدتها فرقة النشيد الإسلامي المكونة من عدد من المنشدين في الداخل الفلسطيني، وكان من بين الأناشيد، أنشودة “أخي قم بنا نرفع البيرق” والتي نظم كلماتها الشيخ رائد صلاح.